المغرب العميق

أزيلال.. كنوز الطبيعة تصطدم بواقع إقليم يسكن فوق ثروة منسية

يزخر إقليم أزيلال بمشاهد طبيعية خلابة ومواقع جيولوجية فريدة تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، من شلالات أوزود الشاهقة إلى أسرار “الكاتدرائية” الصخرية، مرورا بآثار الديناصورات والنقوش الصحرية، وممر تاغيا الأمازيغي. هذه الكنوز الطبيعية والتاريخية تجعل من الإقليم وجهة سياحية ذات مؤهلات استثنائية، قادرة على أن تكون قاطرة للتنمية المحلية. إلا أن الواقع المعيشي لسكانه يرسم صورة مغايرة تماما، إذ يصنفه تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط ضمن أكثر الأقاليم فقرا في المغرب.

المفارقة الصارخة تكمن في الأرقام، حيث كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن إقليم أزيلال يسجل أعلى معدل للفقر المزدوج على المستوى الوطني بنسبة تصل إلى 10.4%.هذا الرقم يعكس واقعا صعبا يعيشه السكان، يتناقض مع الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن توفرها السياحة. فعلى الرغم من تسجيل انخفاض في معدل الفقر متعدد الأبعاد في الإقليم بين عامي 2014 و2024، إلا أنه لا يزال في صدارة المناطق التي تعاني من الهشاشة والخصاص التنموي.

ويرى متتبعون أن المواقع السياحية المتناثرة في أرجاء الإقليم، من أوزود وإمي نفري مرورا بقصر مولاي هشام والأسوار التاريخية بدمنات وصولا إلى القرى المعزولة مثل مكداز، كان يمكن أن تشكل منبعا لآلاف فرص الشغل الدائمة والموسمية لو حظيت بالاهتمام والاستثمار المطلوبين. غير أن ضعف البنية التحتية ومحدودية الاستثمارات خارج المناطق المشهورة كشلالات أوزود، حالا دون تحقيق هذه الإمكانية، مما يجعل التساؤل ملحا حول السبل الكفيلة بتحويل الثروة الطبيعية لأزيلال إلى محرك حقيقي لانتشال سكانه من دائرة الفقر.

غياب الرؤية وضعف البنية

وفي هذا السياق، أكد الفاعل السياسي والمتتبع للشأن العام بالإقليم عبد اللطيف بوغالم في تشخيصه للواقع أن الإقليم يزخر بمؤهلات سياحية متنوعة وفريدة تؤهله ليكون مركزا اقتصاديا واعدا إلا أنه يواجه تحديات كبرى تحول دون تحقيق إقلاع سياحي حقيقي. وأضاف أن أبرز هذه التحديات ضعف تكوين وقصر نظر مسؤولي الجماعات المحلية وضعف البنيات التحتية وعدم القدرة على منافسة الأقطاب السياحية الكبرى.

وقال ضمن تصريح لجريدة “العمق” إن مناطق الإقليم  تتميز بمواقعها الجغرافية التي توفر إمكانيات هائلة في مجالات متعددة تشمل السياحة الجبلية والعلمية والأثرية والاستجمامية وحتى السياحة الاستثمارية التي تجد في المنطقة مجالا خصبا لإنجاز مشاريع من الدرجة الأولى.

ويعيق تحقيق هذه الطفرة المنتظرة ضعف تكوين مسؤولي الجماعات المحلية الذين يقتصر تدبيرهم على الخدمات اليومية البسيطة ويستصغرون دور مداخيل السياحة كرافعة للتنمية. يضاف إلى ذلك ضعف البنيات التحتية الأساسية كالطرق وغياب برامج دعم حقيقية لتشجيع الشباب على الاستثمار في القطاع، وفق تعبير بوغالم.

ودعا المتحدث ذاته إلى تبني مجموعة من المبادرات المستعجلة للنهوض بالقطاع السياحي بالإقليم تزامنا مع الأحداث العالمية التي يستضيفها المغرب. وتتضمن هذه المقترحات العمل على تسويق المؤهلات السياحية عبر وكالات الأسفار وتكوين فرق لتبادل الخبرات وتوفير تكوينات للشباب في الصناعة الفندقية والمطعمة.

وشدد بوغالم على ضرورة تشجيع المبادرات المحلية ودعم المشاريع السياحية واستكمال الشبكات الطرقية المحيطة بالمنطقة بالإضافة إلى إدماج شبكات التواصل الاجتماعي في تسويق المنتوجات المحلية وتنظيم معارض متخصصة لجلب المستثمرين.

وألح على أن اقتناع المسؤولين الجماعيين بأن السياحة رافعة قوية للتنمية المجالية يبقى شرطا أساسيا للانخراط الفعلي في هذه الدينامية وبناء جسر الثقة مع الفاعلين المحليين كالمرأة القروية للاستفادة من برامج الدولة كالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

نداء من الميدان.. مطلب الإنصاف والتأهيل

من جهته، طالب عمر مجان، المقاول الذاتي في مجال الخدمات السياحية الترفيهية، بضرورة أن ينال إقليم أزيلال حظه الكامل من برامج التنمية السياحية الوطنية والتغطية الإعلامية في القنوات العمومية. وشدد مجان في تصريح خص به جريدة “العمق”، على أن هذا الأمر من شأنه تغيير الصورة النمطية التي تصف الإقليم بالنائي والفقير، مشيرا إلى أنه يبذل جهودا شخصية كفاعل مدني ومقاول في المجال للتعريف بمؤهلات المنطقة بالتعاون مع قنوات وطنية ودولية.

واقترح المتحدث ضرورة إنشاء منصة إلكترونية موحدة لتكون بمثابة شباك وحيد لتسجيل كافة الفاعلين في مجال السياحة، وتقديم خدماتهم ومنتوجاتهم التضامنية، معتبرا أن هذه الخطوة ستمثل الإقليم ومؤهلاته بشكل فعال وتسهل عملية التسويق والبيع للسياح سواء كانوا مغاربة أو أجانب.

قنطرة إمينفري

ودعا إلى إيلاء أهمية قصوى للتكوين المتخصص في مجال السياحة لفائدة الأجيال الصاعدة، وتوجيه برامج دعم المشاريع الشبابية لإعطاء الأولوية للقطاع السياحي، باعتباره قطاعا واعدا يزخر به الإقليم. ولفت إلى أن الجيل الجديد من السياح يبحث عن السياحة الإيكولوجية والطبيعية والتقليدية، وهي كلها شروط متوفرة في إقليم أزيلال الذي يحتاج فقط إلى التسويق والكفاءات المهنية.

واعتبر مجان أن تنمية السياحة تظل مرتبطة ارتباطا وثيقا بتحقيق تنمية شاملة وحقيقية، إذ لا يمكن الحديث عن إقليم سياحي يفتقر إلى البنيات التحتية الأساسية من طرق وولوجيات، ويعاني من نقص في الخدمات الصحية والتعليم الجيد. وشدد على حاجة الإقليم لموارد مماثلة لتلك التي وُفرت لأقطاب سياحية كبرى كمراكش وإفران والصويرة وأكادير، من أجل تنمية بنيته التحتية، وإعادة فتح مدرسة تكوين المرشدين السياحيين التي أُغلقت، واستحداث تخصصات في الفندقة والخدمات السياحية بمراكز التكوين المهني التابعة للإقليم.

وأشار  المتحدث إلى أن العديد من المواقع السياحية الخلابة بالإقليم لا زالت تعاني من ضعف وغياب التسويق، ومن ضعف البرامج الهادفة إلى التعريف بها. وكشف عن ضرورة تجاوز إكراهات ضعف التعاون بين الفاعلين السياحيين من أصحاب المآوي والفنادق والمرشدين ووكالات الأسفار، داعيا إلى إحداث تظاهرات جهوية ووطنية وإقليمية من شأنها التعريف بالمنتوج السياحي المحلي.

من جانبه انتقد مرشد سياحي ومسير مأوى بمنطقة تاغيا بزاوية أحنصال يدعى محمد المسعودي، غياب تغطية شبكة الهاتف والطرق المعبدة، معتبرا إياها من أبرز المشاكل التي تخنق القطاع السياحي في المنطقة الجبلية التابعة لإقليم أزيلال.

وأوضح المسعودي أن انعدام تغطية الهاتف في العديد من المواقع السياحية يفوت فرصا استثمارية هامة على الفاعلين في القطاع، مما يعزل المنطقة ويصعب التواصل مع الزوار المحتملين.

وأشار المتحدث في تصريح أدلى به لجريدة العمق إلى أن منطقة تاغيا، المعروفة بجاذبيتها السياحية، لم تستفد من طريق معبدة إلا في فترة متأخرة، مما يبرز حجم التحديات التي تواجه المستثمرين والزوار على حد سواء في الوصول إليها.

وحمل المسعودي السلطات المنتخبة مسؤولية غياب الترويج للمؤهلات السياحية التي تزخر بها المنطقة، مؤكدا أن عبء التعريف بها يقع بالكامل على عاتق المستثمرين والمرشدين السياحيين.

وأضاف أن الفاعلين المحليين يضطرون إلى تمويل اللوحات الإشهارية والترويجية من مالهم الخاص دون الحصول على أي دعم أو مساعدة من الجهات الرسمية المسؤولة عن تنمية القطاع.

كنوز منسية تحت قبة البرلمان

وقد دفعت وضعية الإهمال والتدهور التي طالت عددا من المواقع السياحية والتاريخية بإقليم أزيلال نوابا برلمانيين عن المنطقة إلى مساءلة الحكومة في محاولة لإعادة تسليط الضوء على كنوز منسية.

ويؤكد متتبعون للشأن العام بالمنطقة أن التدخلات البرلمانية في هذا الشأن رغم دورها، تبقى دون تطلعات ساكنة المنطقة، بالنظر إلى الأهمية الحيوية لقطاع السياحة كرافعة للتنمية وتوفير فرص الشغل.

ووجه النائب البرلماني رشيد منصوري بتاريخ 29 نونبر 2024 سؤالا كتابيا لوزيرة السياحة والصناعة التقليدية حول التدابير المزمع اتخاذها لتأهيل وصيانة قنطرة إيمنفري الطبيعية. وشدد سؤاله على أن هذا الموقع، المصنف عالميا من طرف اليونسكو، يعاني من نقص الاهتمام والصيانة، مطالبا بإدراجه ضمن مشاريع الوزارة لسنة 2025 لتعزيز مكانته كوجهة سياحية تساهم في تنمية المناطق الجبلية.

وطالب النائب البرلماني ذاته في التاريخ نفسه، عبر سؤال موجه لوزير الشباب والثقافة والتواصل بضرورة التدخل العاجل لترميم وصيانة الموروث الثقافي لمدينة دمنات. ونبه النائب إلى أن أسوار المدينة وأبوابها التاريخية، التي تشكل إرثا معماريا وإنسانيا فريدا، تعاني من الإهمال والتدهور، داعيا إلى برمجة مشاريع ثقافية كبرى خلال سنة 2025 للحفاظ على هذا التراث للأجيال القادمة.

وسبق للنائب عبد العالي بروكي أن نبه لهذا الوضع في سؤال كتابي بتاريخ 10 نونبر 2022، حيث استفسر وزيرة السياحة عن غياب استراتيجية واضحة لتشجيع السياحة الجبلية بالإقليم. واعتبر بروكي أن العرض السياحي بالمنطقة، ومثال ذلك موقع إيمنفري، لا يحظى بالعناية الكافية التي تمكن من استغلال إمكانياته الهائلة للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *