وجهة نظر

عبد الله باها و”إيزابيلا”..!!

تمهيد :

قد يعتقد البعض أنني بصدد الحديث عن معلبات السمك، وخاصة معلبات  “التونة” التي تحمل تقريبا نفس الإسم  “إيزابيل”، لا ياسادة إنها ملكة إسبانيا التي طردت المسلمين من الأندلس. في هذا المقال نتحدث عن قصة دخولها مملكة غرناطة، وبالضبط في عهد السلطان عبد الله الصغير، أما عن المرحوم عبد الله باها، الذي أرجو من الله أن يتقبله في الشهداء و الصالحين، فهو كما يشير إسمه عبد من عباد الله على درجة كبيرة من  التواضع والحكمة، ولا نزكيه على الله أحدا، ناشط إسلامي، عمل في حزب المصباح حاول تطبيق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن لماذا و ضعته وجها لوجه مع الملكة إيزابلا..؟ قد يرى  البعض أن هذا الأمر فيه تناقض كبير و غير منسجم، فهو أولا : غير معاصر لحقبة حكم هذه  الملكة، ثانيا : ليس من طبقة النبلاء و لا من زمرة الملوك، لكنه في نظري قد يتفوق على الكثير منهم نبلا و عفة و خلقا، إضافة إلى أن هذه الملكة الإسبانية مسيحية ملتزمة، و تنتمي لفترة زمنية مضت منذ قرون قد خلت، أما صاحبنا فهو مسلم معاصر ومن القامات المناضلة، داخل التيار  الإسلامي ومن رواده المؤسسين، لكن باختصار الذي جعلني أجمع بين هذين المتناقضين، أي رمز إسلامي عبد الله باها و رمز مسيحي الملكة إيزابلا، هو مسألة العهد و وجوب الوفاء به مهما كان، وعليه
يمكنني ذكر قصة الملكة مع العهد في هذا المقال، وقصة عبد الله باها مع العهد كذلك لكن هناك اختلاف بينهما، القصة الأولى مشهورة و ذكرت في كتب التاريخ، والثانية لا يعرفها إلا القليل، و منهم طبعا و بكل تواضع كاتب هذا المقال، القصة الأولى :

مع ملكة إسبانيا إيزابلا الأولى ملكة قشتالة، والمعروفة كذلك باسم إيزابلا ( الكاتوليكية )، نظرا لتشبثها الحرفي بتعاليم الكتاب المقدس ” الإنجيل “، فهي إذن من السلف الصالح للمسيحين في أوروبا و باقي العالم، و القصة الثانيه :

مع سي عبد الله باها الناشط الإسلامي الملتزم، و المتشبث هو كذلك بتطبيق الكتاب والسنة قدر المستطاع … إذن كيف تعامل الإثنان الملكة وعبد الله مع مسألة الوفاء بالعهد..؟

الفقرة الأولى :

ـ إيزابيلا و”القالب”  “المسيحي” :

من المنطقي إذا كانت الملكة إيزابلا هي مولات “القالب”، أي المخادعة فمن الطبيعي أن يكون هناك المخدوع، الضحية “لمقولب” إنه السلطان النبيل عبد الله الصغير، الذي صدق الملكة الملقبة بـ “الكاتوليكية”، هذه الشقراء التي يبدو عليها ظاهريا الإلتزام بالكتاب المقدس “الإنجيل”، باختصار لقد سقطت مملكة غرناطة في 2 يناير 1492، عندما سلمها آخر ملوكها أبو عبد الله محمد الصغير للملكين الكاثوليكيين فرديناند و إيزابيلا بعد حصار طويل، لقد أراد السلطان محمد الصغير إنقاذ حياة سكان المملكة، وضمان استمرار دين الإسلام و كل التقاليد الاجتماعية، من لباس وعادات الزواج وطرق الأكل والشرب،  طبعا كل ما تأمر به شريعة الإسلام أو تنهى عنه، في مقابل تسليم جيش المسلمين السلاح دون قتال، لتدخل الملكة إيزابلا بسلام و تسيطر على مملكة غرناطة، لقد كان السلطان عبد الله الصغير، حريصا على حفظ حياة كريمة و صيانة عرض سكان المملكة، لهذا اشترط في عقد معاهدة تسليم مملكة غرناطة، حوالي 80 بند تغطي كافة مناحي الحياة الكريمة، وشهد العهد جمع غفير من الرهبان و القساوسة مع الكرادلة و العدول، والملكة إيزابلا وزوجها فرديناند، إضافة إلى الحبر الأعظم بابا الكنيسة الكاثوليكية، ونظرا لثقافة السلطان الإسلامية، فقد ظن المسكين أن هذه المواثيق و العهود تشكل ضمانة كافية، لحفظ دين المسلمين و ممتلكاتهم و صيانة أعراضهم، وخاصة حضور البابا شخصيا ومباركته للعهد، لكن ما كاد الأمر يستتب للملكة و تسيطر على غرناطة، حتى أرسلت السلطان عبد الله الصغير إلى فاس، لقد اشتاقت الملكة إلى رائحة الدماء والقتل، حيث طالبت من البابا أن يسمح لها  بالتحلل من العهد، وكان البابا رجل سلام” طيب” قال لها : ( افعلي ما بدا لك يا بنيتي فقد  “غفرت ” لك ما تقدم من جرائم وما تأخر..!!)، ألم أقل لكم أنها كاتوليكية “ملتزمة” حريصة على عدم إغضاب الرب، وهكذا لم تمهل هذه المتعصبة سكان مملكة غرناطة طويلا، حتى خيرتهم بين اعتناق المسيحية أو الرحيل عن الوطن أو الموت، طبعا هناك من فر بدينه إلى المملكة المغربية، وبقي آخرون يخفون إسلامهم و يتظاهرون بالمسيحية، لكن كانت لهم محاكم التفتيش بالمرصاد حيث تم إعدام الآلاف، على حواجز تفتش كل شيء حتى وصل الأمر للختان، فكل مختون يعدم على الفور فهذه قرينة على أنه مسلم، يحكى أن هناك عائلات أندلسية قلية بقيت مسلمة من ذاك العهد، حيث فرت بدينها إلى الفيافي و أعالي الجبال… وا أسفاه على ضياع دولة الإسلام، بعد حكم لما يقارب 800 عام.. لكن كما يقال : ( البكاء على راس الأندلس خسارة )..

الفقرة الثانية :

ـ عبد الله باها السوسي الأصيل :

إن وفاة المرحوم سي عبد الله باها، شغلت الرأي العام المغربي إلى اليوم، بين مشكك في الرواية الرسمية و مصدق لها، لكنني لن أدخل في هذه المتاهة قدر الله وما شاء فعل، المهم في أحد الأيام كنت متوجها لمحطة القطار ( الرباط المدينة)، ومن محاسن الصدف التقيت بالولد البكر لسي عبدالله، المناضل المحامي أمين بها و اتفقنا على تناول الغداء بباب الأحد، وكانت مناسبة تحدثنا فيها عن الكثير من المواضيع، لكن كان سؤال واحد يؤرقني هو سبب وفاة سي عبد الله، عندها طالبت من سي أمين أن يجيبني  بصراحة، حيث قلت له : ( كيف يعقل لرجل مع رفيق دربه سي عبد الإله بنكيران، أن يأخذ بيد النظام الملكي في أخطر انتفاضة هزت البلاد، و يتمكن بعد توفيق من الله أن يعبر به الطريق بسلام، أن لا يستطيع عبور سكة القطار..!!؟)، وكان جوابه كالتالي : ( اسمع أسي مسرور اللي خاصك تعرف، هو الواليد الله يرحمو عند التنظير للآخر لا يشق له غبار، لكن في تصرفاته الشخصية “متهور”، خذ مثلا كنا نقول له إذا تأخر بك اللقاء التنظيمي، نم إلى الصباح لا داعي ان تسافر ليلا، لكنه عنيد وفي أحد الليالي صدم شجرة بسبب النوم، فلولا حفظ الله ثم انه كان رابط حزام السلامة لكانت كارثة، بعدها حكى لي القصة التالية :

ـ لقد كانت عنده عادة وهي خروجه في وقت متأخر من الليل، مثلا الثانية صباحا أو الثالثة حيث يهيم في شوارع الرباط، وكنا ننبهه إلى خطورة الأمر لكن دون جدوى، وفي أحد الليالي تعرض للسرقة على يد عصابة، أخذوا منه الهاتف المحمول ثم دخل معهم في نقاش، قال لهم إنني وزير والهاتف فيه أرقام مهمة، ثم عرض عليهم صفقة قال لهم كم يساوي هذا الهاتف إذا بعتموه..؟ قالوا له تقريبا ثلاث آلاف درهم، قال لهم حسنا أعطوني الهاتف و ليأتي عندي أحدكم للبرلمان و أعطيه المبلغ، وبعد مرور حوالي الشهر جاء أحدهم للبرلمان، وطلب منه رجال أمن حراسة البرلمان البطاقة الوطنية، وماذا يريد قال لهم أريد لقاء الوزير عبد الله باها، ثم اتصلوا بالوزير و استفسر عن اسم الشخص، وعندما طلبوا منه ذلك قال لهم قولوا ليه ( صاحب الهاتف )، عندها كان اللقاء وبعد أن نصحه بأن ذاك العمل غير مشروع، أخرج من درج مكتبه ظرف فيه المبلغ الذي وعدهم به ) إنتهى كلام سي أمين بها ثم ودعته و انصرفت. هنا يتضح الفرق بين الملكة المسيحية إيزابلا الخائنة للعهد، و المسلم عبد الله باها الذي كان وفيا للعهد الذي قطعه على نفسه، لأن المسلمين عند شروطهم والمؤمن إذا عاهد وفى، قد يقول البعض كان عليه إخبار الشرطة ليأخذ اللص جزاؤه، لكن الغدر ليس من شيم الكرام وأحسب هذا الرجل منهم، ولا نزكي على الله أحدا لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، حريصا على تنفيذ العهود التي أبرمها مع يهود المدينة، بني قينقاع و بنو قريظة وبني النظير، ولم يغدر أو ينقض حتى يغدر الطرف الآخر أو ينقض، عندها تكون العقوبة واجبة في حق الخائن، مصداقا لقوله تعالى : (…وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا…) سورة الإسراء، الآية 34.

خلاصة :

إن الخيانة ونقض العهود من شيم اليهود والنصارى، والتاريخ شاهد على ذلك اتحدى أن يثبت الغرب الصليبي، خيانة عهد تاريخية للمسلمين دائما نقض العهود ياتي منهم، لقد خدعوا المرحوم الملك محمد الخامس،  في القرن الماضي وبالضبط عند نشوب الحرب العالميه الثانيه، عندما احتل هتلر فرنسا ودخل عاصمتها باريس، استنجدت فرنسا و الحلفاء بجيش المغرب البطل، بعد أن تعهدت فرنسا بمنحه الاستقلال فور انتهاء المهمة، لكن بعد تحرير فرنسا و انهزام  هتلر نقض الحلفاء عهودهم، وعندما طالب محمد الخامس فرنسا بالوفاء بما تعهدت به، قالت له بكل وقاحة و برودة ( PAS ENCORE ) يعني ليس بعد بالدارجة باقي الحال، لهذا نقول اليوم لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، بقيادة حماس نصيحة لوجه الله تعالى : ( إياكم ثم إياكم أن تسلموا السلاح ستذبحون عندها عن بكرة أبيكم، لقد غدرت الملكة إيزابلا بالسلطان ابي عبد الله الصغير، و غدرت فرنسا و الحلفاء بالسلطان محمد الخامس…)، استمروا بارك الله في جهادكم… فلسطين حرة وغزة حرة..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *