وجهة نظر

استحقاقات 2026 والمسؤولية المشتركة

لقد أثرت استحقاقات 2021 على المشهد السياسي المغربي، تأثيرا وجد صداه على جميع المستويات، متسببا في أزمات متعددة خاصة على المستوى الاجتماعي. تجلى هذا في التفاوتات التنموية والمجالية والترابية. مع عدم الرقي إلى السمو الدستوري الذي يؤكد على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي يقوم على الجهوية المتقدمة. كما يقوم النظام الدستور للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. إذن أين نحن من هذا السمو الدستوري؟ هل تم احترام الاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة الجامعة؟

إننا نتوفر على تعددية رقمية ولا نتوفر على تعددية سياسية حقيقية التي تتجاوب مع المستجدات وتطرح برامج ومخططات وسياسات عمومية تفرض وجودها التطبيقي لتجاوز الأزمات. إننا للأسف نعيش انحباسا سياسيا وإداريا مرافقا للانحباس الحراري. كل هذا يساهم في إفراز نتائج غير معبرة. بذلك نحن نعيش تشويشا على مستوى الدال وخلخلة على مستوى المدلول. إن هناك أسئلة حارقة تطرح على مستوى الثقة والتأطير والإنتاج والدمقرطة والمصداقية.

إن الاستحقاقات ليست يوما واحدا وانتظار النتائج، إنها مسلسل لا يتوقف لأن السياسية كل يوم هي في شأن، وفي حاجة إلى مؤسسة سياسية قوية تعيش اللحظة باللحظة. وتكون الإدارة داعمة ومساندة انطلاقا من مفهوم الترابية والمجالية والاستدامة التنموية. في إطار التكاملية بين التمثيلية والتشاركية.

نحن اليوم في مفترق الطرق كما ورد في الخطاب الملكي، فالواجب أن نميز بين سياقين: الذي نعرفه جميعا وآخر عنوانه المصداقية والجدية والواقعية، إنها نقلة نوعية للسياسي والإداري، والمرحلة الانتقالية تتطلب الاستفادة من إيجابيات الماضي وتجاوز السلبيات المتراكمة واستشراف المستقبل بكل تغيراته الجيواستراتيجية والسياسية.

الأهم من هذا كله، هل النخب الحالية قادرة أن تتكيف مع مضامين الخطاب الملكي العميقة الهادفة إلى إعادة البناء “بيروسترويكا جديدة في إطار ثوابت الأمة الجامعة”. هذا أمر يحتاج إلى تربية وتنشئة إذا تعلق الأمر بالناشئة، أما الذين تقدموا في السن فإنهم محتاجون إلى علاج ما اعوج سابقا. وهذا أمر مهم بالنسبة للمسلسل التكويني والتأهيلي.

لذلك ورد في الخطاب الملكي مصطلح منظومة فهي شاملة للبعد التشريعي والسياسي والإعلامي كل هذا في إطار الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. إذن المنظومة مقاربة شمولية من إحداث النقلة التي نصبو لها جميعا. إن الحوار الذي جمع كل الأطراف كان مثمرا وبناء ولكن غير مكتمل إلا عندما نريد تنزيل مخرجاته بكل مسؤولية وأمانة. ونتمكن من اجتياز الاستحقاقات طبقا للاختيار الديمقراطي الثابت الدستوري على مستوى ثوابت الأمة الجامعة. يبقى التجديد والتحديث من السنن الوجودية والتنظيمية والاجتماعية والثقافية والحضارية، ولا نجاح لأي محطة بدون ضبط الخلفية الفلسفية والفكرية والثقافية المؤطرة لفعلنا السياسي والإداري.

إن أي طرف مساهم في الاستحقاقات المقبلة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يحتاج إلى بنية تحتية متناغمة مع التطور المدني ومنظومة أخلاقية عالية لأن الأمم تضمن أمنها واستقرارها بأخلاقها وقيمها فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا كما ورد عند الشاعر أحمد شوقي. إذن الكل مسؤول عن نزاهة الانتخابات وتجويدها وشفافيتها والثقة والتشاور الجاد والتكاملية بين التمثيلية والتشاركية وتحرير اللوائح من الشوائب، وتشجيع الشباب على المشاركة والتسجيل في اللوائح، واعتماد البعد الرقمي بطرق مهنية، تتجاوز التقطيع الانتخابي غير الموضوعي، ومراجعة نمط الاقتراع الذي تفرد به المغرب دوليا سنة 2021، وكان سببا فيما يقع اليوم من أخطاء أثرت على أبعاد متعددة خاصة البعد الديمقراطي.

إن السؤال المطروح حول الحكومة التي ستقود المونديال سؤال بدون جدوى. لأننا مسؤولون جميعا من أجل تعزيز البناء الديمقراطي داخل البلد. أما تنظيم كأس العالم مسؤولية الجميع تحت الإشراف الفعلي لجلالة الملك. إن العمل من أجل الوطن مسؤولية الجميع حتى نحقق حضورنا ضمن الدول الصاعدة التواقة لمستقبل زاهر لأمتنا محليا وإقليميا ودوليا. المهم أن تكون استحقاقات 2026 ديمقراطية حتى يقفز المغرب إلى رتب متقدمة في مؤشرات الاختيار الديمقراطي.

لذلك ليس من حق أي أحد أن يجزم بأن رئيس الحكومة هو فلان أو فلان، لأن صناديق الاقتراع هي المحددة وليست تخمينات أو تنبؤات. مع تفادي التأويلات المؤدية إلى نتائج غير مشجعة على التجديد والتحديث. فهل سنتجاوز الأخطاء السابقة أم أن دار لقمان ستظل على حالها؟ إن نجاح الانتخابات مؤشر على احترام إرادة الشعب، هذا الشعب الذي عندما لا تحترم إرادته قد يدخلنا في المجهول. لأن الكل يتوق لتخليق الحياة العامة وزرع الثقة بين الجميع. إن الإدارة تقوم بمجهود كبير من أجل تنظيم الانتخابات لذلك يجب أن تتميز بالحياد واحترام المسؤوليات التي كلفت به من قبل جلالة الملك. من مخرجات اللقاء الذي نظمته وزارة الداخلية تكريس إصلاح سياسي جدي ومسار ديمقراطي متجدد.

لقد اتفق الجميع على: نزاهة الانتخابات، وشرعية مؤسسات منتخبة، وحماية الاختيار الديمقراطي، ومراقبة المؤسسات الدستورية والقضائية، واختيار مرشحين نزهاء، وتشجيع مشاركة الشباب والنساء.

نخلص من هذه الدردشة بالمخرجات التالية:

1.المطلوب من الأحزاب السياسية بذل مجهود كبير من أجل تجاوز أزمات وجودية.
2.إن استحقاقات 2026 تحتاج إلى فاعلين سياسيين شعارهم الأسمى خدمة الاختيار الديمقراطي ومقتضياته السامية.
3.يجب أن نرقى إلى تعددية سياسية حقيقية وعدم الاكتفاء والتباهي بالتعددية الرقمية.
4.إن السياق الدقيق الذي تحدث عنه جلالة الملك يتطلب من الجميع الشعور بالمسؤولية والتحلي بالمصداقية.
5.من الواجب أن تكون المشاورات في مستوى التوجيهات الملكية حتى ترقى إلى مستوى المنظومة الضامنة لكل من يؤثر إيجابا في الاستحقاقات.
6.من الواجب أن نسعى جميعا إلى الرفع من سقف المناصفة التي تتيح للنساء مشاركة أكثر حضورا وفاعلية خاصة وأن المغرب يزخر بطاقات متميزة يجب أن تجد مكانها في تدبير الحياة العامة.
7.الواجب الوطني يفرض على الجميع دولة ومجتمعا تحري المصداقية من أجل بناء الثقة بين الجميع لأنه بدونها لا ننتج إلا الاضطراب.
8.من الأخلاق السياسية أن نتجنب الترحال المعيب والتطاحن على المواقع.
9.إن تزامن الاستحقاقات مع الأحداث التي سيعرفها المغرب مؤشر للحسم في عملية التخليق وتحصين الاختيارات الكبرى للأمة المغربية لأن الرهان الأكبر هو إخراج المغرب من السير بسرعتين وإعطاء النموذج المقتدى به محليا وإقليميا ودوليا.
9.إن الاستحقاقات المقبلة يجب أن تدار بحكمة وعقلانية ومسؤولية لا مكان للعاطفة والسطحية في المقاربة حتى نؤكد للجميع بأن الكل معبأ لخدمة الوطن والمواطنة.
10. الواجب التوافق على مشاريع الإصلاح بناء على روح المواطنة والتفكير الاستراتيجي الذي يخرج البلد من النقائص والاختلالات التي عرفها الاختيار الديمقراطي.

نتمنى أن تكون استحقاقات 2026 رمزية كبرى للرقي بالاختيار الديمقراطي، مبرزة نخبا قادرة على تجاوز التحديات المطروحة، إذن مزيدا من تعميق التشاور المثمر والجاد، وبذل مجهود للرقي في سلم تخليق الحياة السياسية، والحياد الإداري الذي يعمق الثقة بين الدولة والمجتمع، واستهداف تحول استراتيجي قبل وبعد الاستحقاقات، مع إعطاء نفس جديد للإعلام والتواصل. إذن الخطاب الملكي واضح ومن الواجب أن يتحمل الجميع المسؤولية من أجل تحقيق الانتصار التاريخي للاختيار الديمقراطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *