دعم أمريكي حاسم واقتراب مداولات أممية.. هل يحسم المغرب ملف الصحراء أم يضيع الفرصة؟

يشكل ملف الصحراء المغربية محورا ثابتا ومركزيا في السياسة الخارجية المغربية، حيث تواصل الرباط حشد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدمت بها كحل “جدي وذي مصداقية” للنزاع. وقد اكتسب هذا التوجه زخما استثنائيا في ضوء التصريح الحاسم للمسؤول الأمريكي، مسعد بولس، الذي اعتبر أن الحكم الذاتي هو “الحل الوحيد الممكن”. هذا الموقف، الذي جاء في توقيت دقيق قبيل مداولات مجلس الأمن السنوية في أكتوبر، ينظر إليه على أنه أكثر من مجرد دعم دبلوماسي، بل كعامل قد يعيد تشكيل مسار العملية السياسية برمتها.
وعلى الرغم من هذه المتغيرات الدولية الإيجابية، تتعالى أصوات من داخل الأوساط التحليلية المغربية داعية إلى عدم الركون إلى “الانتظارية” الدبلوماسية. فهذه الأصوات ترى أن المكاسب المحققة، رغم أهميتها، يجب أن تستثمر عبر دبلوماسية أكثر هجومية ومبادرة، تهدف إلى حسم الملف بشكل نهائي بدلا من الاعتماد الكلي على مواقف القوى الكبرى. ويشدد أصحاب هذا الطرح على ضرورة الانتقال من إدارة النزاع إلى حسمه عبر خطوات عملية ومطالب واضحة داخل الأروقة الأممية.
وفي هذا السياق، أدلى الخبير في العلاقات الدولية والمتخصص في ملف الصحراء أحمد نورالدين بتصريح مفصل، طرح فيه رؤيته لكيفية حسم الملف. وقال نورالدين في تصريحه لجريدة “العمق” إن “الدول الصديقة للمغرب مهما بلغت درجة الصدق في نواياها، فإنها لا يمكن أن تقوم مقامنا في التحرك الدبلوماسي واتخاذ المبادرة، لذلك أكرر كلاما قلته ألف مرة ومرة ‘استمرار ملف الصحراء المغربية مفتوحا’ هو نتاج أخطاء دبلوماسية متراكمة ومع الأسف متكررة”.
وأضاف أن “من هذه الأخطاء ‘الانتظارية’ والاعتماد على جهات أجنبية لتحل المشكل بدلا عنا، وعدم استثمار الفرص التاريخية والتغيرات الجيوسياسية العالمية، وعدم استثمار أخطاء العدو ولا أقول الخصم، وعدم استثمار الهوامش التي يتيحها القانون الدولي، والإذعان التام لقرارات مجلس الأمن في ظرفية كشفت عجزه وتناقضه خاصة في غزة وأذربيجان وأوكرانيا وغيرها من المناطق والنزاعات”. واستشهد الخبير بالخطاب الملكي لسنة 2016 الذي ثبت بنصه أن “تلك القرارات المبنية على تقارير الامين العام للأمم المتحدة هي من صنع موظفين يخدمون ‘مصالح أطراف أخرى، دون التزام بما يقتضيه منهم الانتماء لمنظمة الأمم المتحدة، من واجب الحياد والموضوعية'”.
ودعا الخبير الخارجية المغربية إلى أن “تأخذ زمام المبادرة، لا أن تجلس في قاعة الانتظار خلف أبواب قاعة مجلس الأمن أو البيت الأبيض أو غيرهما”. وأردف أنه “في هذا الصدد نحن لا نبخس كل المكتسبات الكبيرة التي حققها المغرب في السنوات الاخيرة، ونقدر عاليا تضحيات رجال ونساء الدبلوماسية. ولكن دون نقد بناء لا يمكن أن نتقدم ولا أن نحسم النزاع، وبعيدا عن كل مزايدات سلبية أو نظرة عدمية، نحن حين ننتقد نقدم الدليل، ولا نكتفي بذلك بل نقدم الاقتراحات”.
وحذر نورالدين قائلا: “في هذا الصدد، نذكر بما قلناه سابقا بأننا اقتربنا من طي النزاع ولكن حذاري من تضييع الفرصة وحذاري من أن يسرق الأعداء انتصارنا، وحذاري من أن تفرض علينا القوى الكبرى تنازلات لم يستطع العدو انتزاعها طيلة نصف قرن لا بقوة السلاح ولا بقوة دبلوماسية البترودولار”.
واقترح المصدر ذاته سلسلة إجراءات محددة لتحصين المواقف وتسريع الحسم، أولها “إنهاء مهمة المينورسو وليس تغيير اسمها كما يروج البعض، لأسباب موضوعية سياسيا وقانونيا أهمها انتفاء أسباب وجود المينورسو، لأن قرارات مجلس الأمن منذ 2007 تتحدث عن حل سياسي متوافق بشأنه، وأقبرت الأمم المتحدة خيار الاستفتاء منذ 2004 في تقرير كوفي أنان الذي أكد استحالة تنظيمه بعد انسحاب ممثلي الجبهةالانفصالية من لجان تحديد الهوية”.
وتابع أن “مراقبة وقف إطلاق النار فشلت رسميا منذ نونبر 2020 عندما أعلنت الجبهة الانفصالية رسميا انسحابها من اتفاق وقف إطلاق النار ومن مسلسل التسوية الأممي، أما عمليا فقد انسحبت الجبهة سنوات طويلة قبل ذلك، حين خرقت الاتفاق بشكل متكرر وموثق في كل تقارير بعثة المنورسو نفسها”.
أما الإجراء الثاني، حسب الخبير، فهو “إقالة المبعوث الأممي ستافان ديمستورا، لعدة أسباب موضوعية وقانونية، أهمها عودته إلى مقترح تقسيم الصحراء الذي هو بالأساس مقترح جزائري منذ عشرين سنة كان قد قدمه عبد العزيز بوتفليقة إلى المبعوث الأممي جيمس بيكر”. واعتبر أن “هذه العودة الى التقسيم في التقرير الماضي للمبعوث الأممي تتناقض مع مطالبه بحل يضمن كما يزعم “تقرير المصير”، بل يلغيه نهائيا”.
وأضاف أن من بين الأسباب أيضا “حكم القيمة الذي يعبر عن موقف سياسي يتجاوز صلاحيات المبعوث الأممي” و”الخطأ المهني الفادح الذي ارتكبه حين تحدى رسالة كتابية للمملكة المغربية” بشأن اجتماعه بجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى عدم وفائه بالتزامه بالاستقالة إذا لم يتم إحراز أي تقدم.
وشدد نورالدين على ضرورة “ترجمة الموقف الأمريكي والفرنسي بالاعتراف الصريح بمغربية الصحراء في القرار المقبل المرتقب في شهر أكتوبر، 2025، وذلك من خلال إدانة صريحة وواضحة للجزائر، في فقرة مستقلة ضمن القرار الأممي”. وفصل الخبير هذه المطالب بالإشارة إلى ضرورة إدانة الجزائر لخرقها اتفاقية جنيف للاجئين، ورفضها تسهيل إحصاء ساكنة مخيمات تندوف، وعرقلتها عودة اللاجئين المدنيين، وعرقلتها مسار التسوية الأممي والموائد المستديرة.
كما طالب بإدانة الجزائر في فقرات مستقلة على انطلاق عمليات مسلحة من أراضيها، وعلى تسليح المليشيات الانفصالية بأسلحة ثقيلة، وعلى التصعيد العسكري ضد المغرب بإغلاق الحدود والأجواء، داعيا إلى أن يتخلى القرار المقبل “عن لغة الخشب وعن تذويب المسؤوليات بين الأطراف دون تحميل الجزائر المسؤولية المباشرة”.
وأكد أن “هذه تغييرات من ضمن أخرى، يجب أن تطالب بها الخارجية المغربية في رسائل رسمية موجهة إلى رئيس مجلس الأمن على أن يتم توزيعها كوثائق رسمية داخل مجلس الأمن”. وأضاف أن “هذه هي المطالب التي أقترح أن يوجهها المغرب إلى واشنطن بالخصوص بوصفها حاملة القلم، لتترجم موقفها بشكل رسمي واضح في مسودة القرار المقبل، وهذه هي المطالب التي أقترح أن توجهها الخارجية المغربية إلى باريس لتنفيذ التزام الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون سنة 2024 الذي تعهد بترجمة الاعتراف الفرنسي إلى مبادرات دبلوماسية دولية بتنسيق مع المغرب”.
وأوضح الخبير أن “هذه الجملة الأخيرة تعني أن اقتراح المبادرة يجب أن يأتي من المغرب وليس من فرنسا، ثم بعد ذلك يأتي دعم فرنسا. وهذا هو الطبيعي والمفروض والمنطقي، لأنه لن يأكل أحد الثوم بفم الآخر”، وفق تعبيره. واقترح أيضا “أن تتحرك الخارجية المغربية بالموازاة في اللجنة الرابعة للتصويت على قرار يعترف بسيادة المغرب على إقليم الصحراء” و”التحرك داخل الاتحاد الافريقي من أجل مبادرة لطرد الكيان الوهمي في تندوف”.
وخلص إلى أن “كل المبادرات والاقتراحات أعلاه، تقتضي حملة دبلوماسية واسعة النطاق تشمل إيفاد وزراء ومسؤولين كبارا يحملون مذكرات “مطروزة” إلى الجهات الأربع في المعمور، وليس الجلوس في قاعة الانتظار حتى يطلع علينا قرار مجلس الأمن، فالمغاربة يقولون “العرس ليلة وتدبيره عام”، وكذلك القرار الأممي ليلة وتدبيره عام أو أعوام”.
اترك تعليقاً