وجهة نظر

السنوار” غيفارا “.. العرب.. !!

تمهيد:

التاريخ لا يهتم ولا يلقي بالا للضعفاء والخونة وإن ذكروا تقرن ذكراهم الكريهة، بكل قبيح وتنهال عليهم الشتائم واللعنات، فهم على كل حال يرقدون “بسلام” في مزبلة التاريخ، أظن أن هذه الأخيرة لايزال فيها متسع لتستقبل المزيد من الخونة، لكن العظماء تخلد ذكراهم العطرة وتكتب بماء من ذهب، كلما ذكر أحدهم تسابق الناس لذكر مناقبه و أمجاده، ومن محاسن الحديث عن العظماء وذكر أعمالهم الطيبة، أن يتخذهم شبابنا نموذجا و قدوة لهم، في الكفاح من أجل الحرية والانعتاق من ربقة الذل و العبودية.

الكلام اليوم في هذا المقال عن رجلين من عظماء التاريخ، الثائر الأممي (أرنستو تشي جيفارا)، والشهيد يحيى السنوار الثائر الفلسطيني، أحد قيادات كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وجهان شغلا الإعلام العالمي بشكل غير مسبوق، الأول عاش في القرن الماضي والثاني في عصرنا الحاضر، أحببت أن أجمع بينهما في هذا المقال، رغم تباعد الشقة بينهما جغرافيا واحد في الشرق، والآخر في أمريكا الجنوبية إضافة إلى الاختلاف الثقافي و الإديولوجي بينهما، لكن الثورة على الظلم والسعي إلى الحرية و الاستقلال، يوحد مسار الرجلين كما هو العزم كذلك على المضي قدما إلى النهاية، إذن ما هي أوجه التشابه والاختلاف بين الرجلين العظيمين..؟

ـ الفقرة الأولى: أوجه التشابه بين الرجلين..

ـ الفقرة الثانية: أوجه الاختلاف..

وفي الختام خلاصة نعطي من خلالها نتيجة المقارنة بين الرجلين …

الفقرة الأولى : أوجه التشابه بين السنوار و جيفارا: إنه البارود والرصاص يا بالمعطي :

نعم يعد الكفاح المسلح من ابرز أوجه التشابه بين الرجلين، إنها “لكلاشينكوف” يا ابن عمي الخيار الإستراتيجي لتحقيق النصر على العدو، كما أن الثائرين اتخذا نفس الأسلوب في مواجهة العدو، أي حرب العصابات حيث كان “تشي جيفارا”، يتخذ من جبال و أدغال أمريكا الجنوبية ساحة معركة، أما السنوار فكانت غزة هي ساحة المواجهة مع الاحتلال الصهيوني، ومن أوجه التشابه الكبيرة كذلك التي تجمع بين الرجلين، رغم اختلاف الزمان هي مواجهة نفس العدو، ففي القرن الماضي عملت الإمبريالية بقيادة أمريكا الشمالية، بكل قوة و سخرت أسلحة البر والبحر والجو، كما نشطت وكالة الإستخبارات (CIA) في تجنيد العملاء و المخبرين، والهدف طبعا هو قتل الثائر (اتشي جيفارا) والقضاء على ثورته، وهذا ما حصل بالضبط مع الثائر يحيى السنوار، حيث واجه أعداء الأمة التاريخيين، من صهاينة و حلف “الناتو” بقيادة أمريكا، فتم تزويد جيش الاحتلال بكل أنواع الأسلحة، كما تم دعم اقتصاده المنهار وتعويض كل خسائره الناجمة عن حرب غزة، طبعا من بيت مال المسلمين والدفع (كاش) بالدولار واليورو يابو راس، لا بل ساهم هذا الأخير في شراء الأسلحة والذخائر، فما على بني قينقاع إلا التوكل على “البقرة” الحمراء، والاستمرار في حرب التجويع والإبادة الجماعية، كما يقول المثل المغربي: (الحبة و البارود من دار القايد أو علاش منحرك)، أما مشكل بعض الحكام العرب الذين ساهموا بالمال، كثر الله “خيرهم”..!! والله ما قصروا فذلك فقط طلبا للأجر و الثواب، ومنهم من يسجد شكرا لله عند سماع خبر استشهاد أحد قادة المقاومة، لقد كان رأس السنوار المطلوب رقم واحد، عند جيش بني صهيون و أمريكيا الشمالية يعني (WANTED)، حيث نشطت وكالة الإستخبارات (CIA) وباقي مخابرات الحلفاء، دون نسيان بعض أجهزة سلطة “اوسلو” وبعض منافقي العرب، والهدف طبعا هو تصفية السنوار كما كان مع (اتشي جيفارا)، لكن مع الأسف الشديد تمكن الأعداء من تصفية الإثنين معا، و وجه الشبه بين استشهاد السنوار ومقتل ( جيفارا )، هو عدم اكتحال عيون الثائرين بالنصر النهائي على الأعداء، لكن عزاء المناضلين أنهما سراج الكفاح المسلح إلى الأبد، الذي ينير طريق الشعوب التواقة إلى معانقة الحرية و الاستقلال، والانعتاق من ربقة الاحتلال و العبودية و الذل…
والآن بعد أن تحدثنا عن نقاط التلاقي و التشابه، نمر إلى أوجه الاختلاف بين السنوار و”جيفارا “.

الفقرة الثانية : لئن كان الاتفاق في الهدف إلا أن هناك اختلاف في المعتقد 

نعم إن من أبرز أوجه الاختلاف الكبيرة، بين الرجلين هو الدين وبالضبط الإيمان باليوم الآخر، إن الثوري “جيفارا” كان ملحدا لا يؤمن بدين، ولا بيوم ٱخر ولا جنة ولا نار باختصار تنتهي الحياة عنده بالموت، العكس تماما عند السنوار لقد كان عنده إيمان عميق، واعتقاد راسخ لا يتزحزح بأن هنا يوم الحساب وجنة ونار و صراط…، وهذا التوجه المختلف عند الرجلين في الاعتقاد كان له انعكاس واضح، و تأثير على الجانب السياسي و الإديولوجي، وتبعا لذلك كان انتماء الثائر (تشي جيفارا)، إلى الحزب الشيوعي الكوبي، لهذا اختار التوجه الماركسي كتوجه ايديولوجي، في حين كان انتماء الشهيد يحيى السنوار إلى التيار الإسلامي، وبالضبط إلى حركة المقاومة حماس بقيادة الشهيد أحمد ياسين، والاختلاف الثاني هو العمق الاستراتيجي وساحة المواجهة مع العدو، لقد كان عند “جيفارا” حرية أكبر في التنقل وساحة معركة أوسع، كما أنه استفاد من تضاريس أمريكا الجنوبيه جبال و أدغال، إضافة إلى امتياز العمق الاستراتيجي المثمثل في دول المعسكر الشرقي، بقيادة الإتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة، لكن القائد الشهيد يحيى السنوار كانت ظروفه أصعب، فبعد قضائه 23 سنة في سجون الاحتلال، وتم الإفراج عنه في صفقة تبادل الأسرى، دخل إلى سجن أكبر إنها غزة المحاصرة من “الصديق” قبل العدو، لهذا كان عند السنوار مجال الحركة والمناورة أضيق، في غياب العمق الاستراتيجي للدول العربية والإسلامية، الحديث هنا عن الأنظمة الرسمية أما الشعوب فهي الحاضنة الحقيقة، وكما يقال لكل بداية نهاية فإن موت تشي جيفارا، واستشهاد القائد يحيى السنوار كان مختلفا أيضا، لقد تم إلقاء القبض على الثائر جيفارا في بوليفيا، من طرف الجيش البوليفي وبتنسيق مع وكالة الاستخبارات (CIA)، حيث تم إعدامه على الفور دون محاكمة وبذلك يسدل الستار على ثورة و ثائر، في المقابل لم يستطع الاحتلال اعتقال السنوار، وبقي يقاتل الصهاينة متنقلا بين أزقة غزة، وبين الركام و فوق الأرض وتحتها إلى أن تمت محاصرته، فكانت مواجهة ملحمية من مسافة الصفر مع فرقة كاملة بقيت لساعات، حتى نفذت ذخيرته ليلقى الله مقبلا غير مدبر، وعند تشريح جثته صرح العدو بأنه لم يذق طعاما منذ 72 ساعة، حيث وجدوا فقط مادة الكافيين في دمه… لكن الثورة لم تخمد والقتال مع الصهاينة مازال مشتعلا…

خلاصة:

بعد استقراء نقط التشابه والاختلاف بين الرجلين، يظهر تفوق جيفارا العرب يحيى السنوار، لأن ظروفه أصعب والتحدي الذي واجهه كان أكبر… لقد زار الثائر جيفارا المغرب في أواخر سنة 1959، بدعوة من عبد الله إبراهيم رئيس الحكومة أنذاك، لقد وددت لو أنه أسلم في بلادي المغرب، لأنه رجل صادق مع نفسه مبدئي قاتل من أجل الفقراء، لكن شاء الله ان يموت ملحدا ولا نستطيع تغير القدر… لقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، يقدر مكانة الرجال رغم اختلاف الإعتقاد، لقد أكرم بنت حاتم الطائي عندما وقعت في الأسر، حيث قال : (خلو عنها إن أباها كان يحب مكارم الاخلاق )، وهكذا تم إطلاق سفانة بنت حاتم الطائي، إكراما لابيها الذي كان سخيا كريما، رغم أنه لم يسلم إنها أخلاق النبوة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *