تقرير حقوقي: المنظومة الصحية بالمغرب تواجه أزمة بنيوية تهدد الحق في العلاج

كشف تقرير صادر عن المركز المغربي لحقوق الإنسان أن المنظومة الصحية في المغرب تمر بأزمة خانقة تهدد الحقوق الدستورية للمواطنين في الصحة والحياة، وتشكل خرقا واضحا لالتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان. وأكد التقرير، الذي أعدته اللجنة العلمية التابعة للمركز، أن المستشفيات العمومية على اختلاف مستوياتها تحولت إلى فضاءات للمعاناة، في ظل انتشار الإهمال والرشوة وسوء التدبير، وغياب رؤية حكومية واضحة لإصلاح القطاع.
وسجل التقرير، الذي توصلت جريدة “العمق المغربي” بنسخة منه، أن الاحتجاجات المتكررة أمام مستشفيات عدة في مدن مثل أكادير وزاكورة والدار البيضاء تعكس حجم الأزمة، خاصة بعد تسجيل وفيات وصفها التقرير بالمأساوية، اعتبرها دليلا على أزمة بنيوية متجذرة تستدعي وقفة حقيقية من قبل الحكومة.
وأشار المركز إلى أن الفساد يمثل أحد أخطر مظاهر الخلل داخل المنظومة الصحية، حيث تتكرر حالات فقدان تجهيزات طبية في ظروف غامضة، كما حدث في تازة التي شهدت اعتقال 12 شخصا بتهمة بيع معدات عمومية لمصحات خاصة. ولفت أيضا إلى تفشي الرشوة، والمحسوبية في توزيع الأدوية، وإجبار المرضى على اقتناء مستلزمات طبية من صيدليات بعينها، إلى جانب ممارسات مهينة يتعرض لها المرضى وذووهم من قبل بعض العاملين في المستشفيات، بما فيهم حراس الأمن والممرضات.
وأضاف المصدر ذاته أن الإهمال الطبي المؤدي إلى الوفاة أصبح ظاهرة منتشرة، مستشهدا بحالات نقص الحاضنات لفائدة الأطفال حديثي الولادة بفاس، وغياب أطباء التوليد في مستشفيات بزاكورة وطانطان ومراكش والعرائش والحسيمة، مما أدى إلى وفيات كان يمكن تجنبها. كما أكد أن التفاوت الجهوي يفاقم الأزمة، خاصة في المناطق النائية مثل بولمان وأزيلال وتنغير وميسور، التي تعرف غيابا شبه تام لخدمات الإسعاف وتأجيلا مستمرا للعمليات الجراحية.
وأرجع التقرير هذا التدهور إلى ضعف الميزانية المخصصة لقطاع الصحة، والتي لا تتجاوز 5% من الميزانية العامة حسب قانون المالية لسنة 2025، وهي نسبة تبقي المنظومة في حالة عجز هيكلي. وانتقد غياب الشفافية في تدبير هذه الميزانيات، لا سيما من طرف الجماعات المحلية، حيث تطغى الحسابات السياسية على الحاجيات الفعلية للمواطنين، مما يجبرهم على اقتناء لوازم طبية أساسية من مالهم الخاص رغم توفر مخصصات لها.
كما تطرقت الوثيقة ذاتها إلى النقص الحاد في الكوادر الطبية، مشيرة إلى وجود 15 ألف طبيب فقط في القطاع العام، بمعدل 4 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، وهو رقم بعيد عن توصيات منظمة الصحة العالمية. وتوقع المركز أن يرتفع هذا العجز إلى 50 ألف طبيب بحلول 2035، في ظل استمرار هجرة سنوية تتراوح بين 600 و700 طبيب مغربي إلى الخارج.
وأوضح التقرير أن هذا الخصاص يخلق بيئة عمل مرهقة، ويدفع الكفاءات للعزوف عن العمل داخل القطاع العمومي، مقابل استغلال المصحات الخاصة لهذه الكوادر وتحويل تجهيزات ومرضى من المستشفيات العمومية إلى القطاع الخاص، في ما اعتبره التقرير فسادا ممنهجا.
كما سجل التقرير غياب صيانة للتجهيزات الطبية الحيوية، مثل أجهزة السكانر التي تتعطل لأشهر بسبب غياب عقود صيانة، ما يجبر مرضى السرطان على الانتظار أو التوجه إلى المصحات الخاصة. وأشار إلى شبهات بشأن تعمد بعض الأعطاب التقنية لدفع المرضى نحو المصحات، إضافة إلى ضعف في الرعاية النفسية والعقلية، مع وجود 319 طبيبا فقط في هذا التخصص على المستوى الوطني، رغم الحاجة إلى أكثر من 2000 طبيب.
وانتقد المركز الحقوقي أيضا ارتفاع أسعار الأدوية نتيجة غياب الرقابة، وتأثير لوبيات الصناعة الدوائية على السوق، ما يثقل كاهل المرضى ويضعف ولوجهم إلى العلاج.
وفي ختام تقريره، دعا المركز المغربي لحقوق الإنسان إلى إقالة وزير الصحة الحالي وتعيين شخصية ذات كفاءة، مع تشكيل لجنة وطنية متعددة التخصصات لوضع استراتيجية إصلاح شاملة. كما أوصى برفع ميزانية قطاع الصحة إلى 10% من الإنفاق العام بحلول 2030، وتحسين بيئة العمل، ومحاربة الفساد، وتعزيز الموارد البشرية، ومراقبة سوق الأدوية، وتمكين المجتمع المدني من آليات المشاركة في التخطيط والرقابة على القطاع.
اترك تعليقاً