منتدى العمق

الذكاء الاصطناعي والوظائف في المغرب: بين الأمل والخوف

يشهد العالم اليوم ثورة رقمية غير مسبوقة يقودها الذكاء الاصطناعي، وقد تحوّل هذا المجال إلى محور نقاش واسع بين من يعتبره بوابة لفرص عمل جديدة ومن يرى فيه تهديداً مباشراً لملايين الوظائف التقليدية. المغرب بدوره لم يعد بمنأى عن هذه التحولات، وهو الذي يعاني أصلاً من تحديات كبرى في سوق الشغل حيث تجاوزت نسبة البطالة 13 في المئة سنة 2025.

التقارير الدولية، وفي مقدمتها تقارير البنك الدولي وصندوق النقد، تحذر من أنّ أكثر من أربعين في المئة من المهن في شمال إفريقيا قد تتعرض للتغيير أو الانقراض بفعل الأتمتة والذكاء الاصطناعي. في المغرب يطرح هذا الأمر سؤالاً مضاعفاً: هل سيكون الذكاء الاصطناعي فرصة لإعادة هيكلة سوق العمل وخلق وظائف جديدة في قطاعات التكنولوجيا، الأمن السيبراني، تحليل البيانات، والتعليم الرقمي؟ أم أنّه سيقود إلى تقليص فرص العمل وضرب قطاعات بأكملها مثل مراكز النداء والخدمات الإدارية والمحاسبة وبعض جوانب التعليم؟

رغم المخاوف فإنّ الأفق ليس قاتماً بالكامل. المغرب يتوفر على طاقات شبابية واسعة تؤهله ليكون فاعلاً لا مجرد متلقٍّ للتكنولوجيا. قطاع تكنولوجيا المعلومات في توسع مستمر، والشركات العالمية ترى فيه أرضية واعدة بفضل الكفاءات المتعددة اللغات. كما أنّ مجالات مثل الطاقات المتجددة والصناعة يمكن أن تستفيد من الذكاء الاصطناعي في التخطيط والإدارة، في حين أنّ المقاولات الناشئة المغربية بدأت بالفعل في توظيف هذه التكنولوجيا في التجارة الإلكترونية والصحة الرقمية والفلاحة الذكية.

لكن في مقابل هذه الفرص تبرز مخاوف مشروعة يعبّر عنها خبراء وأساتذة جامعيون. فغياب استراتيجية وطنية واضحة لتأهيل الشباب لمهن المستقبل قد يوسع الفجوة بين نخبة رقمية محدودة والطبقة العاملة التقليدية. كما أنّ الاعتماد المتزايد على الأنظمة الذكية قد يهدد وظائف بسيطة يعتمد عليها آلاف المغاربة في مراكز النداء أو في الخدمات الإدارية، وهو ما يطرح معضلة اجتماعية حقيقية.

المغرب يوجد إذن أمام مفترق طرق. فإما أن يظل مستهلكاً للتكنولوجيا، أو أن يختار الاستثمار في البحث العلمي والتكوين ليصبح منتجاً ومبدعاً في مجال الذكاء الاصطناعي. الرهان هنا ليس تقنياً فقط، بل هو أيضاً سياسي واجتماعي يرتبط بقدرة الدولة على حماية فرص العمل وخلق شروط عدالة رقمية تضمن استفادة الجميع من هذه الثورة.

الذكاء الاصطناعي يشبه البحر، يحمل في طياته الغرق كما يحمل إمكانيات الصيد. والمغرب يمتلك شباباً طموحاً واستعداداً للانخراط، لكن الأمر يظل مرهوناً بوجود إرادة سياسية واضحة واستثمار جاد في التعليم والتكوين. بين الأمل والخوف، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيركب المغرب الموجة أم سيظل على الشاطئ يراقب الآخرين وهم يبحرون بعيداً؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *