اقتصاد

مشروع قانون جديد لإصلاح قطاع التجزئات العقارية.. آجال أطول ومساطر مبسطة لتحفيز الاستثمار

في خطوة تشريعية تهدف إلى تجاوز الإكراهات التي تعتري قطاع التعمير وتحفيز الاستثمار، تقدمت الحكومة بمشروع قانون جديد يحمل رقم 34.21، يقضي بتغيير وتتميم القانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، والذي يعود تاريخه إلى عام 1992.

ويأتي هذا المشروع، حسب مذكرة تقديمه، كاستجابة للصعوبات العملية التي كشف عنها تطبيق القانون الحالي على مدى ثلاثة عقود، والتي أعاقت إنجاز العديد من المشاريع وأثرت سلبا على المشهد العمراني.

ويهدف النص الجديد إلى تحديث الإطار القانوني، وتجويده ليصبح أكثر مرونة وفعالية، بما يخدم أهداف التنمية الحضرية ويشجع المبادرات الاقتصادية، حيث حددت مذكرة التقديم مجموعة من الاختلالات الجوهرية التي يسعى مشروع القانون لمعالجتها.

ويأتي في مقدمة تلك الاختلالات ضيق الآجال الممنوحة للمستثمرين، حيث يعتبر الأجل الحالي المحدد بثلاث سنوات لإنجاز كافة أشغال التجهيز غير كافٍ وغير واقعي، خاصة في المشاريع الكبرى.

يُضاف إلى ذلك غياب المرونة في التعامل مع الظروف الطارئة، إذ لا يأخذ القانون الحالي بعين الاعتبار حالات التوقف الاضطراري للأشغال الخارجة عن إرادة المستثمر، مما يؤدي إلى سقوط الإذن بالتجزئة رغم وجود مبررات موضوعية.

كما يعاني الإطار التشريعي الحالي من غموض يلف مساطر التسلم المؤقت والنهائي للأشغال، وهو ما تسبب في بقاء عدد كبير من التجزئات في وضعية قانونية معلقة وحرمان الساكنة من الخدمات العمومية.

وأخيرا، أشارت المذكرة إلى التحديات المرتبطة بانتشار التجزئات غير القانونية بسبب عدم دقة شروط إعادة هيكلتها، فضلا عن المعوقات التي تواجه عمليات تقسيم العقارات الموجهة لإحداث مرافق عمومية.

ولمواجهة هذه الإشكاليات، يقدم مشروع القانون رقم 34.21 حزمة من الحلول والمستجدات الجوهرية. ففيما يتعلق بضيق الآجال، نص المشروع على مدد زمنية جديدة أكثر واقعية لإنجاز أشغال التجهيز، تتناسب مع حجم المشروع ومساحته، بحيث يمكن أن تصل إلى خمس عشرة (15) سنة.

ولأول مرة، أقر المشروع بإمكانية إيقاف سريان هذا الأجل في حالات التوقف الاضطراري الخارجة عن إرادة صاحب المشروع، مما يمنح مرونة كبيرة للمستثمرين.

وعلى صعيد مساطر التسلم، أوضح المشروع الإجراءات وحدد المسؤوليات بدقة، حيث أصبح رئيس مجلس الجماعة ملزما بالدعوة لانعقاد لجان التسلم المؤقت والنهائي للأشغال ضمن آجال محددة.

ولمنع أي تعثر، منح النص الجديد لعامل العمالة أو الإقليم صلاحية الحلول محله في حال عدم قيامه بذلك. كما ألزم المشروع صاحب التجزئة بإصلاح أي عيوب تظهر خلال سنة من تاريخ التسلم المؤقت، مع تمكين الجماعة من تحصيل تكاليف الإصلاح منه في حال تقاعسه.

ومن بين أبرز المستجدات أيضا، نص المشروع على النقل التلقائي وبقوة القانون لملكية طرق التجزئة وشبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي إلى أملاك الجماعة فور التسلم المؤقت للأشغال، حيث يهدف هذا الإجراء إلى ضمان انتقال مسؤولية الصيانة إلى الهيئات المختصة وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.

ولسد الفراغ القانوني القائم، أطر المشروع لأول مرة التجزئات التي تُنجز أشغالها بصفة تدريجية، خاصة في الحالات الاستعجالية، كما وضع شروطا واضحة لإعادة هيكلة التجزئات غير القانونية.

وتماشيا مع التوجه العام لتبسيط المساطر الإدارية، قلص النص الجديد أجل دراسة طلب التسلم المؤقت من 45 إلى 30 يوما، واكتفى بتقديم نسخ عادية من الوثائق المطلوبة بدلا من النسخ المصادق عليها، مما يسرع من وتيرة إنجاز المشاريع.

وحرص المشروع على وضع مقتضيات انتقالية تضمن استفادة المشاريع القائمة، التي لا تزال آجالها سارية، من الآجال الجديدة الممددة. كما فتح الباب بصفة استثنائية أمام أصحاب التجزئات التي سقط الإذن المتعلق بها لمنحهم أجلا إضافيا لاستكمال أشغالهم، بعد موافقة لجنة تقنية مختصة.

ويهدف هذا الإصلاح الشامل إلى إرساء إطار قانوني واضح ومحفز، يوازن بين ضرورات تسريع وتيرة الاستثمار في قطاع العقار، ومتطلبات ضمان نمو عمراني منسجم ومستدام، بما يعود بالنفع على المواطنين والمستثمرين والمجالات الترابية على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *