مجتمع

“من الوهابية إلى الإسلام” .. لشهب: في بطلان فهم الوهابية للتوحيد (الحلقة 19)

ضمن هذا الشهر الكريم، نعرض عليكم متابعي جريدة “العمق” سلسلة جديدة مع الكاتب خالد لشهب يروي فيها تجربته من “اعتناق” مذهب بن عبد الوهاب إلى مخاض الخروج إلى رحابة الإسلام، بما يبشر به من قيم الجمال والتسامح والرحمة …

السلسلة هي في الأصل مشروع كتاب عنونه مؤلفه بـ «من الوهابية إلى الإسلام»، حيث يُحاول من خلال عرض تجربته بأسلوب يزاوج بين السرد والاسترجاع والنقد.

جريدة “العمق” ستعرض طيلة هذا الشهر الفضيل، الكتاب منجما في حلقات، يحاول من خلالها الكاتب نثر الإشارات التي قد تكون دافعا ووازعا لكثير من الشباب للخروج من ظلمة الوهابية إلى رحابة الإسلام عملا وظنا.

الحلقة 19: في بطلان فهم الوهابية للتوحيد

ما أزال أتذكر قولا سمعته من الشيخ العارف الشعراوي حين سأله المذيع عن رجل تبرع ببناء مسجد بجانب قبره. فقال الشيخ كلاما كان الشاهد منه ردا على أتباع ابن عبد الوهاب: هؤلاء أغبياء في الاستشهاد. وهذه النقطة أساسا هي التي تميزهم وما فتئت أركز عليها تنبيها للشباب من الانسياق وراء فهم النصوص على ظاهرها.

يقوم التوحيد مقام العصب في الدين، فما فتئ القرآن الكريم يحث عليه ويدعو لتحقيقه، ويعرض له في خصام المشركين داعيا إلى إفراد الله بالعبادة. ولا يشك أي مسلم اليوم أو عبر التاريخ في وجوب هذه الفضيلة، كما لا يشك عاقل في أن المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم باختلاف طوائفهم وشعائرهم ونظرهم، وصدقهم وكذبهم، وباطلهم وحقهم لم يعبدوا غير الله. فكانت هذه الأمور محسومة بإجماع المعتبرين من أهل الإسلام، وهذا من فضل الله، فله الحمد والمنة. لكن لشذوذ الوهابية رأي آخر، فقد تبنوا هذه الفضيلة وأضافوا لها من الزيادات والتفصيلات ما جعلهم يخرجون عموم الأمة الإسلامية من الإسلام واستباحوا دماءهم وأموالهم على طريقة أسلافهم من الخوارج الأزارقة. فقد جعلوا التوحيد أقساما، وأنزلوا الفرع منزلة الأصل، وفهموا من الظن القطع، حتى قال شيخهم ابن عبد الوهاب بأن المشركين في هذا الزمان أعظم كفرا وشركا من المشركين في زمن النبي، وأن الناس في زمانه وقبله ماعرفوا دين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن من بين الأسباب الكبرى التي عزلت السلفي الوهابي عن المجتمع هو هذا المفهوم الذي انبنت عليه فروع المزالق الأخرى، فالوهابي ينظر للحاكم المعطل للشريعة مشركا بالله، وينظر لمجتمعه كمجتمع من المشركين الذين وجب قتلهم حين تتقوى الشوكة ويحصل التمكين. وما أزال أتذكر مجموعة من الأحداث التي تهجم فيها الوهابية مرارا على قبور وأضرحة السادات زعما أنها تعبد من دون الله، وهذا من الجهل البئيس.

لقد اعتبرت الوهابية أن التوسل بالصالحين شرك أكبر، وعلى هذا الأساس استحلوا دماء المسلمين وأموالهم، ففهموا كلاما من نصوص لم يفهمها على هذا الوجه غيرهم، وإلا فالقضية تتعدى الفروع المختلف فيها؛ هذا إذا ما علمنا أن المختلف فيه لا يستلزم الكفر، ولو أن السلفي الوهابي المبتدئ كلف نفسه البحث في هذا الباب لكان ألفى أن كثيرا من العلماء المحققين على الأقل من عاصر الشيخ منهم مثل الإمام الشوكاني قد أجاز التوسل، بل إن الشيخ الألباني لما اتهم الوهابية بالتشدد والغلو كان مما آخذهم عليه قضية التوسل، إذ اعتبر أن تكفير المتوسل هو موجب لتكفير إمام من أئمة المسلمين اسمه الشوكاني القائل بجواز التوسل، بل هو موجب لتكفير جملة من العلماء المعتبرين من أهل السنة والجماعة.

وبسبب هذا الفهم الخاطئ لآيات القرآن وقعت الزلات والخصومات الكثيرة، فكفر الابن أباه وهجر عشيرته عملا بما تم تعظيمه في نفوسهم من تركة ابن عبد الوهاب. فتلمس هذا في فتاويهم حيت نجد في سؤال للجنة الدائمة عن رجل يشهد للنبي بالرسالة ويؤدي أركان الإسلام، ولكنه يتوسل بالأولياء والصالحين، فقالت اللجنة إن هذا لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين… وعلى هذا أجمع علماء الوهابية بل زادوا أنه لا يرث ولا يورث لأنه مختلف في الدين..فانظر إلى أين وصلت حماقات الوهابية التي شوهت صورة الدين وخلقت الشقاق بين المسلمين بسبب أمور يعلم المبتدئ في الأصول أنها تقوم مقام الفروع والخلاف لا تتعداه باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة. بل قد وصل الأمر بكثير منهم إلى تحريم الصور الفوتوغرافية باعتبارها أوثانا ، استندوا في ذلك على نص من الخبر يلعن المصورين، وهذه علتهم في التعامل مع النصوص ظاهرا من غير وعي.

ومما تفدرت به الوهابية وعلى أساسه تم تفريق الأمة وقتلها هو ما يسمى بتقسيم التوحيد؛ إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فقالوا بأن الرب موكول له الخلق والتدبير ، وأن الإله هو المعبود بحق أو من غير حق؛ ففرعوا في ذلك التفريعات والتسميات؛ هذا توحيد الحاكمية وهذا توحيد الأسماء وهذا توحيد الصفات وهذا وهذا حتى بدعوا وفسقوا عموم الأمة، بل جعلوا هذا من صميم دينهم حتى ما تجد وهابيا مقلدا يستطيع أن يشك في هذا التقسيم المبتدع. فليتهم نظروا لما اجتهد فيه ابن تيمية كما ينظر عادة لمن اجتهد، ليتهم نظروا له كرأي ثم تفرقوا في النظر إليه بين منكر ومتبع، ولكن الوهابية علتها أنها تنظر إلى ماقاله أباطرتهم بعين القداسة فلا يختلفون إلا في تأويل كلامهم الذي قام مقام نصوص الدين.

وأنا عندما كنت وهابيا لم يخطر في بالي مطلقا أن هذا التقسيم مستحدث، وأنه أول من جاء به الشيخ ابن تيمية، فقد كنت أسلم بأن شيوخ الوهابية والحنابلة على ندرتهم وقلة فهمهم هم أعلم أهل الأرض حاضرا وماضيا.وقد استمر بي الحال أفرق بين الرب والإله وأعتقد ما يعتقدون إلى أن كنت يوما بصدد البحث في مسألة عذاب القبر، وكان مما صادفت ذلك النص المشهور عند الوعاظ والعامة في سؤال الملكين، وأدركت حينها أن الملكين يسألان صاحب القبر: من ربك؟ فيقول النزيل: ربي الله.

وعندما لا يكون مؤمنا يقول آه آه لا أدري…كما في الخبر. فقلت مع نفسي كيف كنت أعتقد أن الناس جميعهم يعتقدون بتوحيد الرب وأن المشكلة هي مشكلة الإله المعبود، ألم يكن حريا بالملكين أن يسألا النزيل عن من إله مادام أنه عبد غير الله؟ ..ومن يومها بدأت أعود إلى نصوص القرآن فألفي أن القرآن لا يفرق بين الرب والإله وإن كان الرب كما عند أهل اللغة المالك. والحقيق أني صدمت ولمت نفسي كثيرا على كيف أني لم أنتبه لهذا الكم الغزير من الآيات بينما أيقنت في آية واحدة غير محكمة، فالعلة هي أن الوهابي لا حاجة له بالقرآن مادام عنده من الأثر وقال وقال ما يغني عن تدبر القرآن، وهذه علتهم هجر القرآن.

إن القرآن كما في سورة الناس يصف رب الناس بكونه هو إله الناس، وأن فرعون الذي ظننا أنه يوحد الربوبية هو نفسه قال: أنا ربكم الأعلى؛ ولم يكتف بادعاء الألوهية، وأن الله تعالى يقول: إن ربكم الله. ويوسف عليه السلام يقول: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار …والآيات في تسمية الرب إلها من غير تفريق كثيرة. فالادعاء أن المشركين وحدوا الربوبية هو ادعاء باطل، فلا يمكن حمل العام على الخاص، ولا يمكن جعل فئة توحد الربوبية من المشركين قياسا على العموم كما يقول القرآن: ربكم ورب آبائكم الأولين، بل هم في شك يلعبون. فذكر الله سبحانه وتعالى أنهم لا يوقنون بربوبية الله خالصة وإنما يشكون في ذلك، فامتد هذا إلى إرجاع الفناء للدهر وليس لله، كما نفوا قدرة الله على البعث فقال سبحانه: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا.

وفي الخبر عن النبي قوله: هل تدرون ماذا قال ربكم؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب. فهل يصح بعد هذا القوم بالتقسيم والآيات في مثل هذا لا تعد ولا تحصى مثل قوله تعالى: إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون.. فأين هو توحيد الألوهية من اعتقاد النفع والضر؟ ولكنها علة الوهابية كما علة أسلافهم الخوارق ينصرفون إلى متشابه الآي ويعرضون عن محكمه. قال ابن عمر عن أسلافهم الخوارج: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار، فحملوها على المؤمنين. فأجروا فيهم أحكام الكافرين!. فما أشبه الأمس باليوم مع أتباع ابن عبد الوهاب الذين ما تركوا شجرا ولا حجرا إلا رموه بالكفر والتفسيق والتبديع بمتشابه القرآن وجهلهم بالأصول.

إن المسلمين اليوم كما قلت آنفا حتى وهم على الأضرحة، حتى وهم يتباكون عند قبر النبي والولي، فلا أحد منهم ادعى أنه يصلي أو يصوم لغير الله، ولا أحد من المسلمين اليوم ادعى أن الولي أو النبي ينفرد لشخصه بالرزق والتدبير، ولا أحد من المسلمين ادعى أو أنكر البعث أو أرجأ علته لشجر أو حجر، لكن الوهابية اليوم تقول بعظم لسانها إن المسلمين اليوم أكثر شركا من المشركين في عهد النبي. يقول شيخهم ابن عبد الوهاب: “فإذا علمت هذا وعلمت ما عليه أكثر الناس علمت أنهم أعظم كفرا و شركا من المشركين الذي قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم”، ويقول أيضا: “كثير من أهل الزمان ما يعرف من الآلهة المعبودة إلا هبل ويغوث ويعوق ونسرا واللات والعزى ومناة، فإن جاد فهمه عرف أن المقامات المعبودة اليوم من البشر والشجر والحجر ونحوها مثل شمسان وإدريس وأبو حديدة ونحوهم”، بل إنه ينفي أن يكون الناس قبل مجيئه قد عرفوا معنى التوحيد: “ولولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا دين الرسول وأنهم يستنكرن الأمر الذي لم يألفوه لكان شأن آخر” وعلى هذا الأساس اعتقد بكفر الناس في زمانه وعلى هذا الأساس استباح أموالهم ودماءهم ..فأين داعش اليوم من غلو ابن عبد الوهاب.

فالذي عليه أمرنا من أهل السنة والجماعة أن التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، والاعتقاد بأنه سبحانه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله . فكما أنه يوجد رب باطل، فهناك أيضا هناك إله باطل، فالله رب حق وإله حق، وأنه لا فرق بين الرب والإله لوجوه فصلناها بآي القرآن وما ورد من الخبر، وليس بما تدعيه الوهابية. يقول الله تعالى: ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون. فاحذر أيها المسلم المبتدئ من البحث في أمور دينك على شبكة النت من غير الرجوع إلى أهل الاختصاص لأن الشبكة اليوم غمت عليها المواقع الوهابية. فالداخل إليها من غير منهج يتيه ولا يستطع أن يفرق بين ما غمت به الوهابية وما كان عليه العلماء المعتبرون من أهل السنة والجماعة. وهذا من أسباب تأليفي لهذا الكتاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *