هشاشة قانون مكافحة العنف ضد النساء.. “مأساة إيمان” تكشف فشل الحماية

أعادت حادثة الاعتداء على الشابة إيمان بمدينة تازة يوم 24 شتنبر 2025 فتح النقاش حول فعالية المنظومة القانونية في حماية النساء من العنف، خاصة في ظل تكرار الجرائم التي تكشف هشاشة التدخلات الوقائية. فقد تعرضت إيمان لهجوم بالسلاح الأبيض من طرف طليقها في الشارع العام، ما أدى إلى تشويه وجهها وإصابة خطيرة في عينها، بعد أن كانت ضحية اعتداء جنسي سابق انتهى بزواج قسري ثم طلاق.
ورغم مرور سنوات على صدور القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، لا تزال الأسئلة الجوهرية تطرح حول مدى فعاليته في حماية الضحايا وردع المعتدين. فبين النصوص القانونية التي تبدو صارمة على الورق، والواقع الاجتماعي الذي يكشف عن استمرار مظاهر العنف بأشكاله المتعددة، تتسع الفجوة بين التشريع والتطبيق.
ثغرات قانونية
وفي هذا السياق، أكد الدكتور أحمد الوجدي، أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بتطوان، أن القانون 103.13 لا يقتصر على حماية النساء فقط، بل ينطلق من فلسفة عامة تهدف إلى حماية الأسرة المغربية ككل، موضحا أن هذا التوجه يظهر من خلال المبادئ التي يتبناها القانون مثل المساواة بين الجنسين ومنع التمييز واعتبار العنف ضد المرأة شكلا من أشكال التمييز.
وأشار الدكتور إلى وجود ثغرات قانونية تعيق فعالية هذا النص، أبرزها عدم تحديد بعض أنواع العنف بشكل دقيق وغياب التوازن بين الجانب الزجري والجانب الوقائي. واعتبر أن القانون يركز بشكل كبير على العقوبات دون أن يمنح الاهتمام الكافي للوقاية والمرافقة النفسية والاجتماعية للضحايا، كما نوه إلى غياب حماية الشهود خاصة في حالات الاعتداء داخل أماكن العمل.
واعتبر الوجدي أن استمرار ظاهرة العنف الأسري رغم وجود ترسانة قانونية يعود إلى عوامل متعددة، أهمها ضعف التبليغ عن الحالات بسبب عراقيل ثقافية واجتماعية واقتصادية ونفسية. وأضاف أن غياب المساعدة القضائية المجانية للنساء المعنفات يشكل عائقا كبيرا، خصوصا أن أغلبهن ينتمين إلى فئات اجتماعية هشة ولا يتوفرن على استقلال اقتصادي يسمح لهن باللجوء إلى القضاء.
وأكد الوجدي أن ما يعرف بـ”التشرميل الأسري” في المجتمع المغربي يعد سلوكا شاذا ودخيل على المنظومة القيمية، وقد يتحول إلى ظاهرة اجتماعية مقلقة إذا لم يتم التصدي له بشكل مبكر من داخل الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. واعتبر أن هذا النوع من التشويه الممنهج للضحايا لا يقتصر على كونه وسيلة للترهيب، بل أصبح في كثير من الحالات غاية في حد ذاته، حيث يستخدم لتدمير صورة الضحية اجتماعيا ونفسيا وإضعاف قدرتها على التبليغ أو المطالبة بحقوقها.
ونوه الدكتور إلى أن مطالب الجمعيات بإحداث خلايا حماية مستعجلة ومراقبة المعتدين بعد الإفراج تعد مقترحات مهمة لتعزيز حماية النساء. وأكد أن هذه الإجراءات يجب أن ترافق بإدماج اقتصادي للضحايا وتمكينهن من إعالة أطفالهن وحمايتهم من التشرد، إلى جانب تكثيف جهود التحسيس والتوعية بأهمية القانون وهو دور محوري يجب أن تضطلع به جمعيات المجتمع المدني.
ومن جهتها، أكدت مونية حاجي الزهر، الرئيسة السابقة لجمعية الاتحاد الوطني لنساء المغرب فرع بني مكادة، والتي شغلت هذا المنصب لمدة 22 سنة، أن الجمعية تعمل على الدفاع عن حقوق المرأة مع تمكينها اقتصاديا واجتماعيا إلى جانب التوعية والتحسيس والمرافقة والمشاركة في التنمية المحلية.
تعقيدات المساطر
وأوضحت الزهر أن تجربتها في خلية الاستماع والتوجيه للنساء المعنفات مكنتها من تصنيف العنف إلى أربعة أنواع رئيسية هي العنف الجسدي والعنف الاقتصادي والعنف النفسي والعنف الجنسي، مشيرة إلى أن المرافقة والتوجيه يتمان بالاعتماد على ما جاء به القانون 103.13.
وأشارت إلى أن هذا القانون يعد خطوة مهمة إذ وفر آليات تكافلية مثل إحداث خلايا بالمحاكم والتنسيق بين القطاعات وتشكيل لجان وطنية مما ساهم في بناء إطار مؤسساتي للتكفل بالحالات، مع لفت الانتباه إلى أن الاتحاد الوطني لنساء المغرب أطلق عدة مبادرات في هذا المجال من أبرزها إعلان مراكش لسنة 2020 ومنصة “كلنا معك” التي أنشئت بالتعاون مع رئاسة النيابة العامة ومؤسسات أخرى إضافة إلى المبادرة الأخيرة التي أطلقتها صاحبة السمو الملكي الأميرة للا مريم.
واعتبرت الزهر أن القانون رغم ما جاء به من مستجدات لا يزال يواجه عراقيل وصعوبات عند التبليغ، أبرزها الخوف من الانتقام أو فقدان مصدر العيش بسبب الاعتماد الاقتصادي على المعنف، إلى جانب التنازل خوفا على سمعة الأسرة.
ونبهت الزهر إلى أن تعقيدات المساطر والإجراءات القانونية وعدم الثقة في المؤسسات الأمنية تشكل عوائق إضافية أمام النساء الراغبات في التبليغ مما يحد من فعالية القانون في حماية الضحايا مع التوضيح أن مراكز الإيواء غير كافية وخدمات الدعم النفسي ضعيفة كما أن بعض النصوص القانونية تفتقر إلى الوضوح وتحتاج إلى تعديلات خاصة فيما يتعلق بشروط تنفيذ التدابير الوقائية.
وأشارت الزهر إلى أن الشكوى في السياق الثقافي والاجتماعي المغربي لا تزال تعتبر عائقا في كثير من الحالات مما يضعف من أثر القانون في الواقع المعيشي للنساء المعنفات.
عراقيل متعددة
من جانبها، أكدت نجية تزروت، رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، أن العنف الأسري ضد النساء في المغرب يشهد تصاعدا مقلقا وتطورا في أنماطه، حيث لم يعد مقتصرا على العنف الجسدي أو اللفظي، بل أصبح يشمل أيضا العنف الاقتصادي والنفسي والرقمي والجنسي داخل الإطار الأسري. وشددت على أن التستر المجتمعي والصمت المفروض على النساء يساهمان في تطبيع هذا العنف وتكريسه، مما يزيد من هشاشة الضحايا ويحد من قدرتهم على طلب الإنصاف
وأوضحت تزروت أن النساء المعنفات يواجهن عراقيل متعددة عند طلب الحماية أو التبليغ، أبرزها الخوف من الانتقام بسبب غياب حماية فعلية، والضغط الأسري والمجتمعي الذي يدفعهن إلى السكوت، إضافة إلى ضعف التنسيق بين المتدخلين وصعوبة الولوج إلى العدالة، فضلا عن غياب موارد الاستقبال والإيواء، والنظرة التمييزية التي قد تصدر عن بعض الفاعلين الأمنيين أو القضائيين، مما يفاقم من معاناتهن ويحول دون تحقيق العدالة
وبينت تزروت أن القانون 103.13، رغم كونه خطوة مهمة في مسار محاربة العنف ضد النساء، إلا أنه لا يوفر حماية كافية ويشمل ثغرات واضحة، من بينها غياب الصرامة في العقوبات ضد المعتدين داخل الأسرة، وضعف آليات الوقاية والحماية الفورية، وغموض بعض المفاهيم القانونية، إلى جانب غياب البعد النوعي في تطبيق القانون. ودعت إلى مراجعة هذا النص من منظور شمولي وحقوقي، والعمل على إصدار قانون إطار يضمن حماية فعلية وناجعة للنساء المعنفات
وحذرت تزروت من تفشي ظاهرة “التشرميل الأسري”، التي باتت تستهدف تشويه الضحايا وترهيبهن عبر التشهير الرقمي والتشويه المتعمد، معتبرة أنها أصبحت شكلا ممنهجا من أشكال العنف الأسري الأكثر تطرفا، والذي يمس السلامة الجسدية والنفسية للنساء. ولفتت إلى أن هذه الممارسات لا تعكس فقط تصاعد العنف، بل تكشف أيضا عن تحول خطير في أدواته وأساليبه، مما يستدعي تدخلا عاجلا وحازما من مختلف الفاعلين لحماية النساء وضمان كرامتهن
اترك تعليقاً