مجتمع

باحث يقدم دراسة ميدانية “مرعبة” عن انتحار النساء بشفشاون (صور)

قدم الباحث في التربية وعلم الاجتماع بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية، يونس الجزولي، نتائج دراسة ميدانية أنجزها عن ظاهرة انتحار النساء بإقليم شفشاون، باسطًا معطيات وصفها متدخلون في ندوة بالمضيق بـ”المرعبة”، مُعدِّدا دوافع النساء بهذا الإقليم لوضع حد لحياتهن بـ”الموت الاختياري”، كما اقترح 5 حلول للإسهام في محاصرة الظاهرة.

جاء ذلك في ندوة علمية بمدينة المضيق، مساء أول أمس السبت، نظمها المجلس العلمي المحلي بعمالة المضيق الفنيدق، بشراكة مع جمعية السلام للدفاع عن الوحدة الترابية وحقوق الإنسان فرع مرتيل، وجمعية شباب تطاوين للأعمال الاجتماعية والثقافية والرياضية، بمشاركة 6 محاضرين يمثلون مؤسسات دينية وتربوية وبحثية وسياسية.

ونبه الباحث إلى أن التقرير الأخير لمنظمة الصحة العالمية بمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار يوم 10 شتنبر الجاري، يظهر أن المغرب يُعد من بين 5 دول في العالم يرتفع فيها معدل انتحار النساء على نظرائهم الرجال، إلى جانب الصين وليسوطو وبنغلاديش ورومانيا، مشيرا إلى أن منظمة الصحة اعتمدت على إحصائيات رسمية بالمغرب لسنة 2016.

“أرقام مخيفة”

وكشف الجزولي عن نتائج دراسته الميدانية حول ظاهرة انتحار النساء بإقليم شفشاون، مشيرا إلى أن بحثه شمل بالخصوص جماعات الدردارة وبني دركول وبني سلمان التي عرفت حالات انتحار مرتفعة للنساء، حيث اعتمد أساسا على الملاحظة المباشرة، ثم المقابلة الموجهة مع أهالي المنتحرات في مستوى أول، ولقاء مع حالات فاشلة للانتحار، وفي مستوى ثالث مع حالات مرشحة للانتحار، غير أن الحالة الأخيرة لم يتم رصدها بعد.

وأوضح المتحدث أن عدد حالات الانتحار على الصعيد الوطني بلغ 1014 حالة سنة 2016، من بينهم 613 امرأة و400 رجل، وذلك بناء على إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وهو ما يجعل نسبة انتحار النساء بالمغرب تفوق 60 في المائة، وذلك في ظاهرة جديدة سماها بـ”جَنسنَة أو تأنيث الانتحار”، خاصة مع ارتفاع الاكتئابات والاضطرابات النفسية، وتلاشي قيم التضامن التلقائي في القرى، ما يجعل المتأزم نفسيا يواجه قدره لوحده، وفق تعبيره.

وأشار إلى أن إحصائيات الانتحار بشفشاون جد مخيفة وفي تصاعد مستمر، تجعل المدينة فعلا “عاصمة الانتحار بالمملكة”، لافتا إلى أن مرصد الشمال لحقوق الإنسان رصد خلال سنة 2017، 35 حالة انتحار بشفشاون و10 حالات بطنجة و5 بتطوان، مقابل 22 حالة بشفشاون سنة 2018، و8 حالات بطنجة، موضحا أن الانتحار بمدينة تطوان لم يصل بعد لمستوى الظاهرة ويبقى مجرد حالات معزولة.

ورغم أن هناك غيابا لدراسات كمية وكيفية تحاول رصد أسباب استعجال النساء للموت الإرادي بإقليم شفشاون، يضيف الباحث ذاته، فإن أرقام الانتحار بهذا الإقليم تظل “مرعبة”، لافتا إلى أن السنة الجارية عرفت 30 حالة انتحار إلى حدود الساعة، مقابل 41 حالة سنة 2016، و38 حالة سنة 2017، و29 حالة العام الماضي 2018.

دوافع “الوداع”

وعن الأسباب الحقيقية التي تدفع النساء بشفشاون لوضع حد لحياتهن، عدَّد الجزولي مجموعة من العوامل المحتملة، على أرسها ضعف الوازع الديني وانتشار الأمية إلى جانب الأسباب السوسيو-اقتصادية، مشددا على أن السبب الأول بالإقليم هو الأمية، خاصة لدى النساء القرويات اللواتي يجهلن حقوقهن ويتعرضن لسلطة الرجل ويخضعن له ماديا واقتصاديا في ظل هيمنة الفكر الذكوري بالبوادي.

ويرجع السبب الثاني إلى دوافع نفسية، حسب الجزولي، إذ أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للنساء بشفشاون تجعل نفسيتهن في تأزم مستمر بسبب تجاهل الرجال لمعاناتهن وعدم الاهتمام والاستماع لمشاكلهن، ما يُفقدهن الأمل في الحياة، إضافة إلى حالات الزواج المبكر وإرغام الفتيات ضحايا الاغتصاب على الزواج من المغتصب، ما يخلق لهن عقدا نفسية تتطور مع الوقت.

ويكمن الدافع الثالث، وفق المتحدث، في العامل السوسيو-اقتصادي، إذ أن النشاط الزراعي الرئيسي بشفشاون هو زراعة القنب الهندي الذي كان يدر أموالا طائلة لأصحابه، ورغم ذلك لم تكن النساء القرويات تستفدن من تلك المداخلين وهن من يتحمل القسط الأكبر من المشاق في هذه الزراعة أكثر من الرجال، إلا أنهن لا يستفدن ويظلن تابعات للرجل ماديا بسبب الضوائق المالية.

واعتبر الباحث في التربية وعلم الاجتماع بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية، أن الدوافع العاطفية تشكل سببا رابعا للظاهرة، في ظل “عولمة القرى مع دخول الأنترنت وسهول الإبحار فيه، وعرض المسلسلات المدبلجة التي تقدم الانتحار على أنه إنجاز ويعبر عن مستوى عالٍ من الحب تجاه الآخر”، حسب قوله.

يشار إلى أن إقليم شفشاون شهد 29 حالة انتحار خلال السنة الماضية 2018، و30 حالة خلال السنة الجارية 2019 إلى حدود شهر شتنبر الجاري، وهي أرقام تثير الكثير من التخوفات والتوجس من أن تتحول هذه المدينة الهادئة إلى “عاصمة الانتحار” بالمملكة، فيما كانت القضية قد وصلت إلى قبة البرلمان خلال السنة الماضية.

6 مقترحات

وقدم الجزولي 5 مقترحات اعتبرها خطوات عملية للإسهام في تطويق هذه الظاهرة، مشددا على ضرورة انفتاح الجامعة على محيطها وعلى المؤسسات المحلية وإرسال وفود طلابية لإجراء أبحاث حول الظاهرة بوسائل الاستقصاء الاجتماعي، وعدم الاعتماد على التقارير الإدارية التي لا تعطي للظاهرة روح الحقيقة، وفق تعبيره.

ودعا الباحث في مقترحه الثاني، المجالس العلمية المحلية إلى التفكير في برامج متكاملة ومستمرة لمحاصرة الظاهرة وإشراك الواعظات في تحسيس الفتيات خاصة بالثانويات ومراكز الإنصات، قائلا إن “تكوين المرشدات وحفظ القرآن أمر مهم، لكن وجب على هذه المجالس الانفتاح على علم الاجتماع والظواهر الاجتماعية قصد الخوض بشكل أعمق في فقه الواقع”، وفق تعبيره.

وطالب المتحدث في ثالث مقترح، إلى تعزيز البنيات الصحية وإحداث مستوصفات نفسية ومؤسسات الإنصات بأطر مؤهلة، والتركيز على تحسيس البنات بخطورة الظاهرة في مستوى رابع، مشددا على ضرورة نهج سياسة تنموية محلية فعالة تأخذ بعين الاعتبار وضعية المرأة واستقلاليتها المادية كحل خامس.

ونبه الجزولي إلى أن الانتحار ينقسم إلى 5 أنواع، حسب عالم الاجتماع الشهير دوركايم، وهي الانتحار الفردي أو الأناني وسببه عزلة تامة عن المجتمع تتأزم معه الوضعية النفسية للمنتحر، والانتحار الإثاري الذي هو عبارة عن انتحار جماعي تلبيةً لجماعة ما (نموذج لعبة الحوت الأزرق)، والانتحار اللامعياري حينما تضطرب معايير المجتمع، ثم الانتحار القدري ضمن نموذج العبيد الذين يظنون أن القدر يدفهم إلى الانتحار.

انتحار كل 40 ثانية

وكان المرصد الصحي العالمي التابع لمنظمة الصحة العالمية، قد صنف المغاربة ضمن الشعوب الأقل انتحارا في العالم، وذلك بتسجيل 2.5 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة في صفوف الرجال، و3.6 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة في صفوف النساء، فيما أفادت بيانات المرصد أن الجزائر تسجل 4.5 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة في صفوف الرجال، و1.8 في صفوف النساء، فيما تسجل تونس 4.4 حالة انتحار في صفوف الرجال، و2.2 في صفوف النساء.

وجاءت ضمن الدول الأكثر انتحارا لدى الرجال في العالم، روسيا بـ48.3 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة، ثم لتوانيا بـ47.5 حالة، وكازاخستان بـ40.1 حالة، ودول أخرى بالاتحاد السوفياتي سابقا وبأمريكا اللاتينية والشمالية، بينما جاءت ضمن الدول الأكثر انتحارا في صفوف النساء بالعالم، أوغندا بـ18.7 حالة انتحار، تليها نيجيريا 17.1 حالة انتحار، ثم الهند 14.5 حالة، فتشاد 13.8 حالة، سيراليون 14.2 حالة، ليبيريا 13 حالة، الكوت ديفوار 13 حالة، زمبابوي 11.1 حالة.

وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الانتحار ثاني أهم سبب للوفاة بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاما، مضيفة أنه في كل عام يضع ما يقارب 800000 شخص نهاية لحياته، هذا فضلا عن الكثيرين ممن يحاولون الانتحار، مشيرة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمنع الانتحار في 10 شتنبر، إلى أن المعدل العالمي الموحّد حسب السن للانتحار في عام 2016، بلغ 10.5 لكل 100000، موضحة أن هناك شخصا يفقد حياته كل 40 ثانية جرّاء الانتحار.

يُشار إلى أن هذه الندوة التي أقيمت بمقر المجلس العلمي لعمالة المضيق-الفنيدق، شارك فيها كل من توفيق الغلبزوري رئيس المجلس العلمي المحلي، خليل مرون عميد مسجد إفري بفرنسا، منير هدوبة مدير الأكاديمية الدولية للتدريب والاستشارات النفسية والأسرية، عبد السلام الدامون رئيس الهيئة الاستشارية مع المجتمع المدني بمجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، عبد الرزاق جلال ممثل الفيدرالية الإقليمية لجمعية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، إضافة إلى الباحث يونس الجزولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *