الجنس عند ذوي الاحتياجات الخاصة.. جزء من تركيبة لا تقبل التجزيء

مريم المعطصم
داخل جدران ذاكرة محمد (اسم مستعار) تصطف خيبات أمل وقعت في الماضي القريب، نتيجة المجتمع الذي ” لا يرحم ذوي الاحتياجات الخاصة”. محمد الذي اختار عدم الكشف عن هويته الحقيقية، عاش مرحلة مراهقة مرهقة، كان يخشى الاقتراب من الجنس الآخر، خوفا من رفضهم ومن نظرتهم له وتجنبا لرأيهم في جسده الذي يفتقر لعضوين منذ ولادته. وكحل لإرضاء رغبته الجنسية ذهب “محمد” في يوم من الأيام إلى حيث لا يعرفه أحد ليأخد ما يريد بمقابل مادي ومن دون أن يكثرث إلى نظرة الطرف الآخر.
الجنس جزء من تركيبة الإنسان..ولكن
تتصدر الصحف في الكثير من المرات عناوين مثل “شاب من ذوي الإحتياجات الخاصة يغتصب طفلين داخل مسجد”، ” اعتداء على شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة”، ” اعتقال مدرب اغتصب فتاة قاصر من ذوي الاحتياجات الخاصة” وكلها جرائم مرتبطة بالجانب الجنسي عند الأشخاص من هذه الفئة، جنس يمارس عليهم بالعنف، وجنس يمارسونه في الظل ويتم كشفه في الواقع. واقع يطرح أكثر من علامة استفهام ويستوجب الوقوف عند هذا الجانب كما يتم الوقوف على باقي أجزاء تركيبة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة. هذا الأمر جعلنا ننزل إلى الميدان ونجلس مع هذه الفئة من المجتمع لنفهم عوالمها الداخلية وكيف تتعامل مع الجانب الجنسي الغريزي عندها، لننقل نظرتها للموضوع. إجابتهم في الغالب عن تساؤلاتنا كانت “عيب” “حشومة” ثم يغادرون. ولكن “محمد” الشاب الذي يعاني من إعاقة جسدية كشف لنا عن أسرار جنسية تبين مدى قسوة المعاناة التي تعيشها هذه الفئة في الظل خصوصا في فترة المراهقة، كما تحدث لنا أيضا عن طرق سلكها ليصل إلى سلامة نفسية تجاه الطاقة الجنسية لديه.
يقول محمد في حديث لـ”العمق”، “في بداية فترة المراهقة كان عندي خوف شديد من الاقتراب من الجنس الآخر، ولم تكن عندي جرأة، مع العلم أنني أعجبت بفتاة وأنا أدرس بالسنة الثالثة من التعليم الإعدادي أشد الإعجاب، وهي لم تكن من ذوي الاحتياجات الخاصة، استمررت في مراقبتها طيلة السنة دون أن أستطيع حتى أن أحدثها والسبب أنني كنت متخوفا من نظرتها إلي ورأيها عني باعتباري شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. كانت نفسيتي حينها مضطربة وكنت دائما أخشى الرفض من الطرف الآخر”.
وتابع محمد “الطريف في الأمر أنني بعد مرور سنوات اكتشفت من صديقتها المقربة بأنها كانت معجبة بشخصيتي هي كذلك. ولكن كما قلت لك الجانب النفسي عندي حينها كان مضطربا لأسباب أجهلها”، ثم استرسل مبتسما “معرفتي فيما بعد بأنها هي الأخرى كانت معجبة بي أعطاني جرعة من الثقة بنفسي وبجسمي الذي يفتقد للذراعين، فرأيها عني كان سببا في فك عقدة الخوف شيئا ما وصارت عندي جرأة في ربط علاقات صداقة مع زميلاتي في الدراسة. دون أن أتجاوزها إلى علاقات أخرى”.
صمت محمد لحوالي دقيقة كاملة ودخل في شرود غريب، ثم قال في تردد وهو يفرك يديه “لقد خالفت الشرع في يوم من الأيام.. (صمت) أخدت مبلغا ماليا مهما لأرضي الجانب الجنسي عندي، ذهبت إلى مكان حيث لا يعرفني أحد ورافقت امرأة لا أعرفها وهي لم تكن من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن لم يكن عندها مشكل، وأنا أيضا لم أكن خائفا من نظرتها ولم أكترث لرأيها، ماكان يهمني هو إشباع رغبتي الجنسية، ولكن كانت تلك هي المرة الوحيدة التي قمت فيها بمثل هذا الفعل”.
مع مرور السنوات، يقول المتحدث ذاته “فكرت في الزواج وذلك بعد تمكني من الحصول على عمل قار، وكانت الوالدة قد تكلفت باختيار فتاة لي، فتاة لم تكن من ذوي الاحتياجات الخاصة، أعجبت بها كثيرا، قمنا بحفل الخطبة، إلا أنها تراجعت عن فكرة الزواج بي في آخر لحظة بدعوى التخوف من نتائج العيش مع شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. الوالدة لم تتقبل الأمر بسهولة أما أنا فقد تعاملت مع الموقف بشكل مختلف نسيت فكرة الإرتباط وبدأت رحلة التعامل بذكاء مع طاقتي الجنسية”.
واصل محمد حديثه لـ”العمق”، “كنت أصب إهتماماتي على هواياتي، كنت أمارسها في أغلب أوقات فراغي وفي العطل، وكان أهمها السفر حتى أنني سافرت خارج أرض الوطم وزرت العديد من الدول”، وواصل وعلامات الارتياح بادية على وجهه “استمر الأمر معي على هذا المنوال إلى أن وقعت في حب فتاة من العائلة وبادلتني نفس الشعور بصدق وبدون أن تبدي تخوفا من وضعيتي ونحن اليوم نعيش بخير”.
تربية جنسية ورعاية شاملة..
“إن الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة مثلنا تماما لديهم طاقة جنسية لابد من معرفة كيفية التعامل معاها، ولكن للأسف في بعض الأحيان ننفي هذا الجانب عندهم، نقدم لهم الرعاية بمختلف أشكالها وننسى هذا الجانب، حتى أن بعض الوالدين يسهرون على راحة ابنهم أو ابنتهم لسنوات من عمرهم دون أن يناقشوا هذا الموضوع أمامهم خصوصا عندما يتعلق الأمر بالأنثى.”توضح زكية بورون؛ أخصائية ومستشارة نفسية تخصص ترويض نفسي وسلوكي وعلاج الإدمان.
وتواصل المتحدثة “أما بالنسبة لموضوع الإغتصاب الذي يُمارس على هذه الفئة فغالبا ما يصدر من الأشخاص المقربين منهم، لأن علاقاتهم تكون محدودة؛ علاقتهم تكون إما مع صاحب محل البقالة مع الأستاذ مع العم والخال والعائلة الصغيرة، وغالبا يُمارس عليهم الإغتصاب لأن الطرف المغتصب يرى بأنهم ضعفاء وبأنهم لن يتحدثوا في هذا الموضوع لأحد. وللأسف هذا ما يقع، لا يتحدثون وبالتالي في هذه الحالة لا يمكن الدفاع عنهم. أما الإغتصاب الذي يُمَارسه بعض الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة على الأطفال وأشخاص آخرين فلا مجال لنفي بأنه جريمة ولابد من العقاب ولكن أيضا لابد من الوقاية ومراعات الجانب الجنسي عند ذوي الاحتياجات الخاصة حتى لا نرى مثل هذه التجاوزات والأفعال داخل مجتمعنا”.
واسترسلت “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة أيضا يتحملون المسؤولية إذا ما كانت تربيتهم سليمة ورعايتهم تمت بالشكل الصحيح وبمراعاة كل الجوانب فيهم، فالشخص في وضعية إعاقة هو مسؤول عن تصرفاته حتى وإن كانت إعاقته ذهنية فالأشخاص الذين لا يستطيعون التحكم في أذهانهم هم فقط مرضى زهايمر، أما الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية فهم يستطيعون بطريقة من الطرق فهم تصرفاتهم و ما عليهم أن يفعلوه وما عليهم أن يتجنبوه”.
وأضافت بورون “عندما نحذر صاحب إعاقة ذهنية من النار وعدم الاقتربا منها فإنه فإنه يستوعب ذلك.. فرغم قلة التركيز لدى هذه الفئة فإنهم يستوعبون أن السرقة والاعتدء والاغتصاب أفعال مشينة لا يجب ممارسته أو القبول بممارستها عليهم.. هكذا يمكن تجنب مثل هذه المشاكل. وأيضا لابد من نشر الوعي بأن هناك عقاب ينفد على الجميع في حالة القيام بفعل الإغتصاب، وقبل ذلك علينا نشر أسس التربية الجنسية وما يمكن أن نفعله وما يجب أن يُرفض وكيف تتم العملية الجنسية وشروطها، علينا تعليمهم الأخلاقيات والمبادئ وذلك من خلال جميع المؤسسات داخل المجتمع؛ الأسرة والمدرسة والإعلام ومراكز الرعاية. كلنا مسؤولون داخل المجتمع”.
اهتمام و”تمييز إيجابي”
“تمييز إيجابي” هكذا وصف سعد الدين العثماني؛ رئيس الحكومة، “الإهتمام” الأخير الذي أولته الحكومة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إجراء مباراة وطنية ثانية لولوج الوظيفة العمومية خاصة فقط بهذه الفئة، تستهدف خلق 200 منصبت لهم بعد أن استهدفت توظيف 50 شخصا فقط في السنة الماضية. وقد شارك في هذه المباراة مواطنون من كل مدن المغرب بغض النظر عن نوعية الإعاقة التي لديهم، وذلك خلال هذا الشهر على أمل توظيفهم في السنة المقبلة.
اهتم المغرب في الأونة الأخيرة بتحقيق التربية والتعليم والتكوين للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ويعمل على تمكينهم بشكل تدريجي من الإدماج المهني ضمانا لإستقلاليتهم الاجتماعية والاقتصادية، لكن ذلك لم يكن كافيا إذ فئات كثيرة مازالت تجد صعوبة في ولوج المدرسة أو مركز خاص بذوي الاحتياجات الخاصة.
يذكر أن هذه الفئة تمثل نسبة كبيرة من المجتمع المغربي. فحسب آخر بحث وطني أجرته وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية سنة 2014 حول الإعاقة، يفيد بأن أكثر من مليونين من المغاربة في وضعية إعاقة. فمعدل انتشارها قد بلغ تحديدا 6,8 في المائة بمعنى أن أسرة واحدة من أربع أسر في المغرب معنية بالإعاقة أي 24,5 في المئة من مجموع الأسر لديهم حالات إعاقة.
اترك تعليقاً