وجهة نظر

المضمون الانتخابي في المغرب من مسيرة ولد زروال إلى القاسم الانتخابي

تعتبر الانتخابات السياسية هي العملية والآلية التي يعبر من خلالها المواطن في البلدان الديمقراطية عن حريته في اختيار من يمثله في مجالس ومؤسسات الدولة وفق معايير النزاهة والشفافية المتعارف عليها عالميا.

وهذه الانتخابات يجب أن تكون حرة ونزيهة،ومستندة إلى أصول قانونية مقبولة ومتوافق عليها حتى تؤدي وظيفتها،وتحقق العلاقة بين  شكلها ومضمونها.وفي هذا الإطار فقد نصَّ الدستور الذي صادق عليه المغاربة سنة 2011م على أن أعضاء البرلمان يستمدون نيابتهم من الشعب،وأن أعضاء مجلس النواب ينتخبون بالاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات، كما نصَّ على أن القوانين المنظمة للانتخابات يجب أن تكون مطابقة لأحكام الدستور.

ولكن الواقع  يبين أن هناك هوة كبيرة بين المواد والنصوص القانونية التي جاء بها دستور 2011 وبين الظروف التي تنظم فيها الاستحقاقات التشريعية والمحلية،حيث نتذكر ما حدث في يوم 18 شتنبر سنة 2016 م،أي قبل أقل من شهر على الانتخابات التشريعية التي نظمت في المغرب خلال نفس السنة. فقد شهدت مدينة الدار البيضاء مسيرة مثيرة للجدل عرفت بمسيرة ولد زروال، ذلك الحدث الذي كان موجها ضد حزب العدالة والتنمية ولم تعلن أي جهة سياسية مسؤوليتها عن تنظيمه،ولم يعرف أغلب المشاركين فيه سبب حضورهم إلى مدينة الدار البيضاء.

وقد اتضح حسب شهادات المشاركين في المسيرة التي أساءت لصورة المغرب أن هيئات حزبية وشخصيات عامة،بالإضافة إلى بعض أعوان السلطة من شيوخ ومقدمين تابعين لوزارة الداخلية قد قاموا بالتغرير بمواطنين مغاربة  مستغلين سلطتهم ونفوذهم في تناقض تام مع الحياد الذي يجب أن تلزمه السلطة تجاه كل الأحزاب المتنافسة خلال جميع مراحل إعداد وإجراء العملية الانتخابية.وتكرس هذا الواقع بصورة واضحة بعد البلوكاج السياسي الذي أعقب إعلان نتائج انتخابات  2016 التي جدد فيه الناخبون ثقتهم في حكومة السيد عبد الإله بنكيران التي صالحت المغاربة مع السياسة،وفي حزب العدالة والتنمية من أجل مواصلة الإصلاح ومحاربة الفساد.

وبما أن السياسة تشبه إلى حد ما لعبة الشطرنج،فقد استطاع المخزن أو الدولة العميقة في المغرب إنهاء هذا البلوكاج السياسي بعزل رئيس الحكومة المنتخب عبد الإله بنكيران وتعيين شخصية جديدة من نفس الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية ،وهو الدكتور سعد الدين العثماني الذي قاد حكومة هجينة وضعيفة شاركت فيها أحزاب تمت معاقبتها في الانتخابات،مما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية التي تشير إلى أن الحكومة  يجب أن تعبر عن إرادة أغلبية الناخبين،ولعل ما حدث تنطبق عليه مقولة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي:” للأسف لا يمكن التخلص من الأوغاد عن طريق الانتخابات؛لأننا لم ننتخبهم أصلا”، ما دامت هذه الانتخابات لم تحترم إرادة الناخبين،ولم يُمَّكن المنتصر فيها من منصبه السياسي،بل أكثر من ذلك كانت مشاركة حزب العدالة والتنمية في الحكومة بداية أزمته الحالية،بعد هيمنة تيار الاستوزار على مؤسسات الحزب وتهميشه لرأي المعارضين الرافضين للمشاركة الحكومية، وقد تعمقت هذه الأزمة مع مرور الوقت،خاصة بعد مصادقة الحكومة على مجموعة من القوانين المخالفة لمبادئ الحزب واختياراته المذهبية المحافظة والداعية إلى حماية هوية الشعب المغربي وتخليق الحياة العامة،ومن ذلك قانون “فرنسة التعليم” أو ما سمي بالتناوب اللغوي، وقانون الكيف “القنب الهندي”،بالإضافة إلى اتفاقية التطبيع مع الصهاينة …

وإذا كانت مسيرة ولد زروال التي ارتبطت بانتخابات 2016 مؤشرا على مخططات الدولة العميقة التي مست العملية السياسة، وأضرت بالانتقال الديمقراطي في المغرب،فإن قانون القاسم الانتخابي الذي جاء في وقت تستعد فيه البلاد  للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها هذه السنة يعتبر مؤشرا أيضا على هذه التراجعات،فهذا القانون المتخلف في تنظيم الانتخابات الذي يساوي بين من شارك في الانتخابات ومن قاطعها،لا يوجد مثيل له في القوانين الدولية،حيث تنص (المادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب) على احتساب القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية بدل الأصوات الصحيحة التي كان معمولا بها قبل التعديل. والمثير للانتباه أن هذا القانون صوتت لصالحه أحزاب في المعارضة كالأصالة والمعاصرة، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية،كما صوتت له أيضا أحزاب في الأغلبية الحكومية كالتجمع الوطني للأحرار،والإتحاد الدستوري،والحركة الشعبية،وتمَّ رفضه من طرف حزب العدالة والنمية باعتباره متضررا من هذا القانون الذي يهدف إلى تقليص عدد مقاعده في مجلس النواب،وبالتالي المس بجوهر العملية الديمقراطية والتحكم في نتائج الانتخابات المقبلة.

ويتبين كذلك أن رئيس الحكومة الحالي لم تعد له أغلبية حكومية بعد تصويت معظم مكوناتها السياسة لصالح قانون القاسم الانتخابي،وهو مطالب بتفعيل مقتضيات الفصل 103 من الدستور الذي ينص على أنه “يمكن لرئيس الحكومة أن يربط لدى مجلس النواب مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت منح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة،أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه”.وهو الأمر الذي لا يستطيع رئيس الحكومة الحالي القيام به؛ لأنه حكومته تحت السيطرة ومتحكم فيها،ولا علاقة لها بالناخبين الذين صوتوا في انتخابات 2016. ولنا أن نتساءل:هل يعني الذهاب إلى صناديق الاقتراع مؤشرا على وجود الديمقراطية؟ كيف يمكن الحديث عن الديمقراطية ما دامت السلطة التنفيذية لا تعبر عن إرادة الناخبين ولا تحقق مصالحهم؟ وهل الأحزاب والنقابات المغربية قادرة على القيام بدورها في بناء ديمقراطية حقيقية يتنافس فيها الجميع على أساس برامج تهدف إلى تنمية المجتمع وتحقيق العدالة  والدفاع عن حقوق الإنسان؟

يقول الأديب والفيلسوف جون جاك روسو: “إن رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات؛ بل في وعي الناس”. ويقول المفكر اللبناني شكيب أرسلان أيضا في هذا الصدد:”يفكر الوطني في الأجيال القادمة،أما السياسي فيفكر في الانتخابات القادمة”.وعليه فإن الدولة ملزمة بضمان الحريات والحقوق الأساسية،ومن ذلك تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وفق دستور 2011 الذي صوت عليه المغاربة،باعتباره الأساس المتين للنموذج الديمقراطي التنموي بالمغرب،حيث دعا هذا الدستور إلى تعزيز آليات الحكامة الجيدة،وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد،وذلك عن طريق الفصل بين السلطات الثلاث،والارتقاء بالمكانة الدستورية لرئيس الحكومة الذي يعين من الحزب الفائز في انتخابات مجلس النواب؛تجسيدا لانبثاق الحكومة عن الاقتراع العام المباشر،بالإضافة إلى الدعوة إلى تفعيل دور المجتمع المدني وتحقيق الديمقراطية التشاركية،وتقوية دور الأحزاب والنقابات وتجديد النخبة السياسية حتى تقوم بدورها الفعال في تأطير وتمثيل المواطنين..

وعموما،فإن طريق المغرب نحو الديمقراطية يبدأ بانتخابات حرة ونزيهة، شكلا ومضمونا،يجري التنافس فيها بين برامج سياسية، وتحترم فيها معايير النزاهة والشفافية التي تلزم السلطات المشرفة على العملية الانتخابية بالحياد في جميع مراحلها،ويجب أن يستمر ذلك الحياد حتى بعد الإعلان عن نتائج هذه العملية؛ لأن ذلك هو الذي سيعزز ثقة الناخبين في الاقتراع ويوفر الشرعية والدعم للحكومة المنتخبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • الصحراوي
    منذ 4 سنوات

    مقال متميز ويشخص واقع الممارسة السياسية في بلادنا، ولذلك اذا كان اصحاب القرار يريدون بناء المغرب على أسس ديمقراطية متينة، فيجب عليهم احترام إرادة الناخبين.