منتدى العمق

الرد على شبهة جذور البيدوفيليا في الفقه الإسلامي

كنت دائما أقول لمن الحولي، ممن يشاركونني هم الفكر ومتاعبه، وخاصة الذي يهتمون منهم بمجال العقائد والأديان، ورد الشبهات وكشف الشخصيات، أقول لهم: إن دعاة الشبهات والمروجين لها في زماننا هذا، وخاصة من يسكنون بلاد الإسلام، أنهم قعد بهم العجز عن الإتيان بشبه جديدة، وهم إنما يرددون شبهات القرون الغابرة، وأن أحسنهم طريقة لا يزيد على أن يكون مترجما وحاملا ومروجا لشبهات المستشرقين والملحدين، وأن السواد الأعظم من شبهات هؤلاء لا تزيد على أن تكون شبهات حول المسائل الجنسية المحضة، وأنت تعلم يا صاحبي أن كل إناء بما فيه ينضخ.

وقد أطلعني اليوم أحد الأصدقاء المقربين، على مقال لأحدهم، قد جمع فيه شبهات حول استباحة الفقه الاسلامي للبيدوفيليا، وقبل أن أقرأه قلت في نفسي: إن الكاتب أستاذ وباحث ورجل أكاديمي إذا عرض لمسألة بالبحث وضعها في سياقها المكاني والزماني، وكان حريصا شديد الحرص في جمع المادة من مصادرها وتتبع شواردهامن مظانها، ثم فرز سقيمها من صحيحها، لينتهي به الأمر وهو يضع لنا كل ما صح فيها، رضيه الأستاذ الكريم أو أنكره، ثم بعد كل هذا وذاك يحللها تحليلا علميا مراعيا السياقات المكان والزمان، ودلالات الألفاظ، لكن ظهر أن إحساني الظن بالأستاذ الكريم كان مجرد أضغاث أحلام، وأن مقاله الطويل العريض لايزيد على أن يكون كلمات نقلها من هنا وهناك، و فقرات تقممها من كتابات مختلفة منتشرة في الشبكة العنكبوثية، وبطريقة يخجل من فعلها طالب بالسنة الأولى في الجامعة، فضلا عن أستاذ أكاديمي باحث، وكل هذا سنبينه للناس ولن نستدل على الأستاذ إلا بما جاد به علينا قلمه.

قال الأستاذ : ” نجد في كتب الفقهاء المؤسسة للفقه الاسلامي بمختلف مذاهبه بابا أطلقوا عليه نكاح الصغيرة”

و بما أن الأستاذ قد إطلع عليها وأحاط بالاقوال في المسألة حسب ما توحيه إلينا جملته، فإننا ننتظر أن يمدنا بأسماء هذه الكتب” المؤسسة” للفقه الإسلامي، وخاصة السنية منها، لأنه حرص كل الحرص ألا يذكر إلا أسماء علماء السنة، حتى نستفيد من علمه، ونقف بأنفسنا على هذه الأقوال التي في الكتب، و خاصة أنه في باقي مقاله الطويل العريض نقل أقوالا ولم يكلف نفسه مشقة الاحالة على مصادرها.

و في انتظار أن يتواضع الأستاذ و يتنازل، ويقدم لنا ما طلبناه منه إبتداء، وكل ما سنطلبه منه في هذا المقال، وفي غيره إذا تيسر إنشائه، فإنه طلب على سبيل الإلزام، لانه مادام قد قرر الخوض في هذا البحر الهائل والخضم الهائج، فعليه الصبر والتحمل، وفي انتظار أن يقدم لنا ما طلبناه، فإنه وجب علينا أن نكشف للقاريء تدليسا صدر من الأستاذ، وهو أن العنوان يتكلم عن البيدوفيليا، والأستاذ في البداية تكلم عنها، ثم لما عرج على الحديث عن الفقه الإسلامي ذكر الزواج، وهناك فرق بين الإغتصاب وبين الزواج، وهنا جدير و حقيق بي أن أضع الناس في الصورة التي تناول منها فقهاء الإسلام هذا المبحث، وذلك أن الزواج في الإسلام ليس له سن معين، وذلك لحكمة وهي أن من له بداية له نهاية، وحين انتهى بنا الأمر إلى أن نجعل للزواج سنا يبدأ منها، أصبحت مجتماعتنا تنفر من كل من تجاوز ذلك السن ولم يتزوج، وأصبحت الغالبية الكثيرة تنظر إليه نظر اشمئزاز وإعراض، و هذا نعلمه من الواقع و باستقرائه.

كما أن الإسلام فرق بين الزواج أو عقد النكاح وبين الوطيء، فلم يجعل للزواج سنا ولكنه جعل للوطء شروطا تتغير وفق الزمان والمكان والأعراف والمصالح، والفقهاء تكلموا من هذه الناحية، وقد تفرقت أقوالهم في شروط الوطء، و كان تفرقهم فيها نظرا لما ذكرناه من العوامل الزمانية والمكانية والعرف وغير هذا من الظروف التي يراعونها في كلامهم و يبنون عليها تأصيلاتهم، وسنضرب مثالا حتى يفهم القاريء هذا الأمر، وهو أن من يعيش في وسط صحراوي تكون له بنية جسمانية مغايرة لمن يعيش في وسط ساحلي أو جبلي، و هذا التغير في البنيات الجسمية يؤدي بالضرورة إلى تغير القدرات، و نزيد في الوضوح ونقول: إن رجلا عاش في زمن الإمام مالك، رضي الله عنه، وسط صحاري الحجاز له قوة جنسية تفوق من يعيش الأن على سواحل المحيط الاطلسي أو الهندي، فعمرو بن العاص الصحابي الجليل تزوج و هو إبن إحدى عشرعاما، و في زماننا قد يجتاز الباكلورية وهو لم يبلغ بعد، والأمثلة كثيرة، والذي قلناه عن الرجال ينطبق على النساء.

و الفقهاء تكلموا وفق هذا المنطق، على حسب البنيات الجمسية السائدة في كل مكان وزمان، ولهذا لم ينقطع هذا النقاش بينهم إلى يوم الناس هذا.

كما أن الفقهاء، وعلى اختلاف أقوالهم، اشترطوا للوطء موافقة البنت بعد بلوغها، فاذا رفضت كان عقد النكاح باطلا، وقد يقول الأستاذ الفاضل، إن فلانا و فلانا من الفقهاء لم يقولوا بجواز استئذانها بعد بلوغها، فأقول له: لا تعذبنا بجهلك، وذلك أن كل من يريد الكلام في علم معين، أو في ثقافة أمة ما، فعليه أولا النظر في مناهج بحثها وأساليب تفكيرها والقواعد التي تقوم عليها، ولو أنه كلف نفسه فعل هذا الأمر العلمي، لأدرك أن العلوم الإسلامية لا تسلم لقول فلان أو علان، إلا أن يقدم الدليل على قوله، ويدفع بالبرهان على رأيه، وإلا فإنه يعتبر من آحاد الرأي، والمنكر المخالف من القول، فلا يعتبر به ولا يبنى عليه، وهذا يرد ما إدعاه الأستاذ الفاضل من أن الفقهاء إنما تكلموا على القدرات الجسدية دون النفسية، ولو أنه بحث ونظر، لأدرك هذا الأمر، ولكنه من الأمور الدقيقة التي يحتاج استنباطها إلى مقومات فكرية عالية .

كما أن فلان أو علان، ممن ذهبوا إلى القول الى عدم إشتراط الإستئذان، إنما فعلوا ذلك لأن الحديث الشريف لم يبلغهم.

و لهذ الذي قدمناه، فإن الأستاذ حين يقول: “أكدوا فيه بنوع من التأصيل الشرعي جواز اغتصاب الطفلات بمضاجعتهن باسم الزواج” فهو هنا يجعل من نفسه أحد الرجلين، فإما أنه جاهل بما يقول وأن كلامه مجرد نقل هنا أو هناك من غير بحث او دراسة، أو أنه مدلس، ونحن نقول بالإحتمال الأول إحسانا بالظن، لأنه لو راجع ما كتب وما قيل لعلم تفريقهم بين العقد و الوطء، والشروط التي وضعوها، و على ماذا بنيت تلك الشروط.

و نحب أن نذكر الأستاذ الكريم بأمر، هو يعلمه نظرا لإهتماماته بالأمور الجنسية وتعلقه بها وهيامها في البحث فيها، وهو أن البنات في الغرب يفقدن بكراتهم ويحملن وبرغبتهن وسعيهن، وهن في سن اثنى عشرة سنة، ومن غير زواج وهذا معلوم في البلاد الغربية، هذا مما لا يملك الأستاذ سبيلا لإنكاره، بل لا يقدر على أن يذكره حتى بينه و بين نفسه فلا داعي للتباكي والعويل والنياحة على أمر يدخل ضمن البحث العلمي.

ومن أساليب التدليس التي زين بها الأستاذ الفاضل مقاله، هو أنه بدأ الكلام عن شيوع البيدوفيليا في العصور القديمة، فقال: “غير أنّ هذه الظاهرة كانت أمرا طبيعيا في العصور القديمة، فسواء في الثقافة الفارسية القديمة أو عند اليونان أو حضارات ما بين النهرين كانت العلاقة الجنسية بين الرجال البالغين والصبية اليافعين لا تعتبر أمرا منكرا، بل تدخل عندهم ضمن متع الحياة وخاصة لدى الطبقات الأرستقراطية الراقية”

ثم بعدها، ومن غير سابقة ولا ابتداء، يقول: “نجد في كتب الفقهاء المؤسسة للفقه الاسلامي بمختلف مذاهبه بابا أطلقوا عليه نكاح الصغيرة”، وهدفه من هذا أن يصور هذا الأمر على أنه كان سائدا في العصر الإسلامي، كما كان سائدا في العصور البائدة التي تسبقه، فهو يحاول إيهام القاريء أنه مادام الفقهاء تكلموا في هذا الأمر إلا وهو شائع عندهم، و الأستاذ في كل هذا مصر على أن يعذبنا بجهله، و قلة إطلاعه، ولو له ذرة علم، لعلم أن الفقهاء أحاطوا بجميع الأمور التي تخص الحياة البشرية في جميع نواحيها، وقد كان من مناهجهم أن يناقشوا أمورا لم تحدث قط، بل إنهم ناقشوا أمورا وقتلوها بحثا، وهم يعلمون أنها لن تحدث مادامت السموات والأرض، ومثال ذلك نقاشهم لمسألة ” حكم من نطق الشهادتين ولم يعمل خيرا قط”، و هذه من الأمور التي يستحيل وقوعها، لأن الإنسان يعمل الخير ولو لم ينطق الشهادتين، كما أنه هناك مدارس أطلق عليها اسم “أرأيت” أو ” الأرأيتيين”، وذلك أنهم كانوا يعرضون لمناقشة أمور لم تقع بعد، فيتصورون وقوعها، وبحثون فيها ويقتلونها بحثا، وهذا مثل ما يمسى في العلوم البحتة ب”الفرضية” في المنهج التجريبي، لكن عقل الأستاذ محصور في حدود معينة لا يتجاوزها ويأبى أن يحيد عنها
و تستمر الرحلة

* كاتب مغربي, باحث في العقائد و المدارس الفكرية، والاستشراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *