منوعات

موظفو مندوبية المقاومة يشتكون تحويل الكثيري المؤسسة لـ”جحيم حقيقي”

كشفت شهادات حصلت عليها جريدة “العمق” من داخل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير التي يرأسها الاتحادي مصطفى الكثيري، عن أمور مرعبة تقع داخل المندوبية، حيث تحدث هؤلاء عن وجود “قهر وظروف عمل مأساوية ومهينة داخل القطاع”.

وأبرز هؤلاء أن ظروف العمل المزرية داخلية المندوبية وصلت حد سقوط ضحايا بين وفيات الموظفين (ثلاث ضحايا على الأقل)، وحالات واسعة من الاكتئاب الحاد بين الموظفين والموظفات، فيما يعاني العديد من أزمات وأمراض نفسية أدت ببعضهم لفقدان قدراتهم العقلية، بالإضافة إلى معدلات غير عادية لطلبات عالية من التقاعد المبكر.

وعبّر هؤلاء ممن تتحدث إليهم جريدة “العمق”، عن استغرابهم من تجاهل الحكومة لما يقع بالمندوبية رغم ما يصل من أصداء وتقارير سيئة وملفات فساد دون تدخلها لوقف هذا النزيف، خاصة وأن المعني بالأمر مسؤول تجاوز 84 عاما، وجاور ست حكومات كاملة، وبقي على رأس القطاع منذ 22 سنة ولا يزال، دون أن يُزحزحه أحد من مكانه.

الأشخاص في وضعية إعاقة .. قصص مأساوية

يعاني الموظفون في وضعية إعاقة داخل المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير من ظروف عمل صعبة، إذ بالإضافة إلى إعاقتهم الجسدية يواجه هؤلاء “ظروف عمل لا إنسانية ووضعا إداريا داخل مؤسسة عمومية سمته القهر والمعاناة اليومية بشكل فظيع دون أدنى مراعاة لوضعهم الخاص، مما أضحت معه حياتهم واقعا لا يطاق لهم ولا لأسرهم”، وفق ما كشفته مصادر لجريدة العمق.

وأشارت المصادر إلى أن الأشخاص في وضعية إعاقة بعد سنوات من النضال والاحتجاج لإدماجهم في أسلاك الوظيفة من أجل الخلاص براثين الفقر والبطالة، سقطوا في “جحيم ومسلسل رعب حقيقي يومي داخل صفوف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، فما وجدته هذه الفئة داخل هذه المؤسسة من أوضاع ومعاملة سيئة و تجاهل تام لوضعيتهم الخاصة وانعدام أبسط التجهيزات والوسائل الخاصة بهم يضاعف حجم الألم ويجعل ما كان حلما ذات يوم يتحول لقطعة من الجحيم والعذاب، فبعد أن استبشروا واستبشرت أسرهم خيرا بعدا توظيفهم، سيصطدمون بواقع آخر وبإدارة مؤسسة لا يوجد في قاموسها حيز لأي شيء اسمه الإنسانية”.

فمن خلال شهادة توصلت بها الجريدة، فقصة محمد (اسم مستعار) ضمن أربعين موظفا ممن تم توظيفهم في المندوبية السامية للمقاومة ضمن مشروع لإدماج هذه الفئة سنة 2021 والذي تبنته وزارة الأسرة والتضامن ورئاسة الحكومة، تمثل دليلا على مدى ما تتعرض له هذه الفئة داخل المندوبية من إقصاء وتهميش، إذ غم أن هذا الموظف يعيش ظروفا في غاية القساوة وغير قادر على أداء التزاماته الخاصة اليومية البسيطة وهو بحاجة لمساعدة ومرافقة دائمة، إلا أنه تم تعيينه بعيدا عن أسرته بـ 500 كلم.

فأم محمد التي كانت تعتني به في مأكله وملبسه تعاني من مرض في القلب ولم تعد لها قدرة على تحمل مساعدته بسبب بعد المسافة، ورغم أنه “قدم طلبات واستعطافات للإدارة لكن لا حياة لمن تنادي، فكل الأبواب موصدة اتجاهه رغم كل الاستجداءات والتظلمات”، وفق تعبير مصادر العمق.

وحالة محمد ليست هي الوحيدة، فهناك أيضا موظف من منطقة عين اللوح تم تعيينه في منطقة الريصاني التي تبعد 400 كلم عن مقر سكنه، ثم حالة أخرى من مراكش تم تعيينها في بني ملال (200 كلم)، وحالة أخرى من مراكش كذلك عينت في سطات 200 كلم، ثم حالة أخرى من نفس المدينة تم تعيينها في منطقة تزارين نواحي زاكورة (350 كلم)، وأخرى من سيدي سليمان تم تعيينها في مدينة وزان (300كلم)، ثم حالة من الجديدة تم تعيينها بالدار البيضاء، هذه الأخيرة تعاني من إعاقة بصرية وتجبر على التنقل اليومي بسائق خاص أو أحد والديها وهو ما أدخلها في حالة اكتئاب حادة زادها في ذلك تنمر ومعاملة رئيسها المباشر الذي لم يراع لا ظروفها الخاصة ولا حالتها الصحية مع الإعاقة.

وكشفت مصادر الجريدة أن هذه الفئة تتعرض لعملية ابتزاز قذرة واتجار في وضعياتهم داخل الإدارة بطلها مسؤو نافذ بالمؤسسة، مقابل إيجاد حلول لهم ولوضعياتهم وذلك بالسماح لهم بالانتقال إلى حيث مقرات سكن عائلاتهم، وهي الفضيحة التي هزت أركان المؤسسة لكن تم طمس القضية حيث تمت إقالة المسؤول المعني بشكل صامت درء للفضيحة دون أدنى محاسبة.

حالات نفسية ووفيات تراجيدية

أدى “التسلط” الذي يتم به تسيير المندوبية إلى دخول عشرات المسؤولين والموظفين، خاصة داخل الإدارة المركزية، في دوامة من تعاطي مضادات الاكتئاب الحادة نتيجة الضغوط النفسية الرهيبة، وظروف العمل القاسية، وانعدام أدنى شروط العمل، حيث يتم تداول حاليا داخل المندوبية، أن أربعة أسماء لموظفين، على الأقل، إما فقدوا عقولهم أو في حالة متقدمة من الاضطراب العقلي والنفسي نتيجة ظروف العمل أو قرارات تعسفية وظالمة ضدهم.

ويعد رئيس قسم التشريع والمنازعات السابق، أحد أبرز الأمثلة، إذ دخل في حالة اضطراب نفسي وعقلي خطيرة جدا أدخلته المستشفى وعجلت بتغييره بآخر، ثم حالة أخرى لموظف وصلت حالته لدرجة مهاجمة الموظفين بأدوات حادة داخل مقرات العمل، فكان رد فعل الإدارة هو عرضه على المجلس التأديبي لأكثر من مرة بدل أن يعرض على الطبيب، أما موظف آخر فقد تم نفيه لنواحي “الداخلة” بالصحراء المغربية رغم أنه يقطن بمدينة الرباط مما أدخله أزمة نفسية حادة جراء ذلك وهو حاليا يعيش شبه مشرد.

ورغم أن الأمثلة المذكورة ما تزال على قيد الحياة، فإن حالات أخرى دفعت حياتها ثمنا نتيجة هذه “الظروف السامة داخل القطاع”، وفق تعبير مصادر الجريدة، مشيرة إلى أن “وفاة السائق الشخصي للمندوب السامي مصطفى لكثيري خلال السنة الماضية شكلت صدمة لجميع العاملين بهذه المؤسسة، وذلك بالنظر للطريقة التي فارق بها الفقيد الحياة والتي يتحمل فيها المندوب السامي مصطفى لكثيري المسؤولية الكاملة، ذلك أن الفقيد كان يعاني من ظروف صحية حرجة وكان ملازما للفراش بعد عملية جراحية معقدة”.

وأكدت مصادر الجريدة أن “المندوب أجبره على الالتحاق الفوري بالعمل أو فصله، وذلك دون أي اعتبار لحالته الصحية، ولم يشفع للفقيد أنه أفنى حياته في خدمة المؤسسة وفي مصاحبة المندوب السامي في مختلف جولاته وزياراته لمختلف مناطق البلاد، إذ رغم تحذيرات الأطباء واستجداء الأبناء له للراحة وملازمة الفراش لكن تهديدات المندوب السامي بقطع مورد رزقه أجبرت الفقيد على الانصياع لطلب المسؤول الأول على القطاع مكرها فهو المعيل الوحيد لأسرته، لكن كان للقدر رأي آخر فوقع السيناريو الأسوأ، حيث أنه أول رحلته تلك بعد مرضه ستكون هي الأخيرة، حيث خلال سياقته بالمندوب السامي في رحلة استجمامية للأخير ستتدهور حالته الصحية كما سبق وأن حذره بذلك الطبيب، وسيتعرض لجلطة عجلت بفراقه الحياة مخلفا وراءه أسرة وأبناء”.

ولم يكن الفقيد هو الضحية الوحيدة لجبروت “رب مندوبية المقاومة”، وفق تعبير مصادر الجريدة، بل سبقته حالات مأساوية كان للمندوب مسؤولية مباشرة فيها، حيث حدث الأمر نفسه مع رئيس قسم الدراسات التاريخية السابق والذي توفي نتيجة مضاعفات مرض في القلب نتيجة عن الضغوط الرهيبة والمعاملة القاسية والمهينة التي تعرض لها المسؤول قبل وفاته، حيث تم اعفائه من منصبه وهو داخل للتو لغرفة العمليات لإجراء عملية معقدة على القلب فلم يستطع استيعاب تلك المعاملة والطريقة المهينة مما تسبب له بمضاعفات عجلت بوفاته.

ولم يكن الفقيد آخر الضحايا، فقد كشفت مصادر الجريدة أن كاتبة المندوب السامي الخاصة السابقة توفيت هي الأخرى نتيجة مضاعفات نفس المعاملة ونفس السلوكات، مشيرة إلى أن هذا الأمر هو “جزء من حجم وهول ما يقع داخل أسوار هذه المؤسسة التي لم يعد لوجودها أصلا أي داعي، والتي جثم على أنفاسها مصطفى لكثيري منذ عشرين عاما حتى أصبحت ضمن ممتلكاته الخاصة، وهذا يدق ناقوس الخطر ويدعوا للتدخل العاجل والفوري من قبل أعلى المسؤولين في البلد للحيلولة دون سقوط ضحايا جدد وتفاقم الوضع أكثر، خاصة وأن هذا الوضع يعاني منه جميع الأطر وكبار المسؤولين من المؤسسة والتي وصلت حتى حد توجيه الإهانات العلنية”، وفق تعبير مصادر الجريدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *