منتدى العمق

مونديال قطر.. دروس وعبر

وأنت تشاهد المباريات التي خاضها المنتخب المغربي خلال هذا المونديال كغيره من المنتخبات بدون شك سيتأكد لك أنها ليست مجرد مباراة لكرة القدم، إنها رقعة ميدان لتصفية حسابات حضارية وتاريخية بقيت عالقة كان سلاحها البنادق والدبابات والصواريخ وأصبح سلاحها مدرب وفريق وكرة وقميص.

إنها رقعة ميدان لغسل ما بقي عالقا عبر التاريخ من أدران بين الشعوب والأمم؛ على هذه الأرض من يستحق الهزيمة وعليها ما يستحق الانتصار. صراع اللاعبين ليس صراع أشخاص عاديين بقمصان وأحذية، إنه صراع رموز وممثلين عن كل جانب، على هذه الأرض تصفى الحسابات العالقة عبر زمن غادر انتهزه البعض لتدمير البعض، مباراة لكرة القدم فرصة لتعويض الهزائم انتصارات والخيبات آمالا والنكبات نهضات. إن اللاعبين ليسوا أشخاصا عاديين إنهم قطعة من أحلامنا و وممثلي آمالنا وحاضرنا ماضينا وآلامنا، هم رموز لنا ولكل أوجاعنا… إن صراعهم هو صراع الماضي مع الحاضر وصراع حضارات، وما لم تستطع الخطابات والدبابات والمفاوضات والحروب قوله عبر قرون يستطيع اللاعبون قوله بكل ديمقراطية وبكل جرأة وسلاسة وواقعية في بضع دقائق. إنهم بلغاء في تعبيرهم وتعبيرهم فصيح لا غبار عليه، اللاعبون سياسيون صادقون، لا يوارون الحقيقة بل يصنعونها ويصرحون بها بكل صدق ودون سابق إنذار ويواجهونك مع الواقع تستأنس به، اللاعب لا يعرف الخبث ولا يتهيأ لقول الحقيقة، اللاعب جاء لإبرازها والبوح بها دون حواجز او خوف…

يستطيع اللاعب في بضع دقائق أن يربح المعارك التي لم يفلح جده السياسي أو الدبلوماسي أو العسكري في ربحها لمئات القرون.

إنها ليست مجرد لعبة يا سادة. على أرض الميدان يعاد ترتيب الأنظمة العالمية وترتيب السياسات والاستراتيجيات من جديد، إنها حرب على أرض ملعب، أصبح ميزان القوى اليوم يتأسس على الواقع الكروي للبلاد، قل لي ما هو منتخبك أقول لك من أنت. بإمكان كرة القدم اليوم أن تفعل في العالم وفي الشعوب وفي العلاقات ما لم تفعله السياسات والأنظمة والمخططات. فليست كرة القدم بالبساطة التي ينظر إليها عامة الناس إنها تدبير لموازين القوة على نار هادئة.

كره القدم حرب حضارية باردة ومخطئ من يعتقد أنها مجرد لعبة بسيطة لا ينبغي أن نحملها ما لم تحتمل.

على أرض الميدان تحيا شعوب وتنكسر شعوب

على أرض الميدان تصفى الحسابات السياسية والتاريخية العالقة في أذهان الشعوب والمدونة في تاريخ الحضارات.

على أرض الميدان تتنفس الشعوب صعداء الهزائم المتغلغلة في أعماقها والمتوغلة في كبريائها لقرون.

على أرض الميدان تتراجع شعوب عن كبريائها وغطرستها لتفتح المجال لشعوب أخرى صاعدة.

وأنت تشاهد مباراة لكرة القدم ارفع رأسك فأنت مغربي، افتخر بنفسك فأنت العربي والأمازيغي والإفريقي…

وأنت تشاهد مباراة لكرة القدم ارفع رأسك فأنت مغربي، افتخر بنفسك وامسح اسمك الرمادي و انقشه بماء الذهب من جديد.

أخطأت ذات يوم قلت لأحد أصدقائي لا تتغيب عن حصصك الدراسية لأجل مشاهدة مباراة لكرة القدم، واليوم أسحب كلامي وأقول له قد تكون مشاهدة مباراة لمنتخبنا المغربي اليوم أفيد وأهم. من مباريات كرة القدم التي يخوضها لاعبو المنتخب الوطني نستلهم الدروس والعبر. لقد علمنا اللاعبون والمدرب دروسا هي الأغلى في الحياة: منهم تعلمنا أشياء كثيرة قد لا نتعلمها في مكان آخر.

شاهد منتخبك المغربي وتعلم منه الصبر والتضحية ونكران الذات، شاهد منتخبك المغربي وتعلم منه الروح والعزيمة المغربية والقتالية الشرسة التي لا تتنازل عن حقها ولا تتهاون في الدفاع عن مجدها وكبريائها. نعم علمتمونا الشموخ. علمتمونا أن نحمي هذا الوطن وندافع عنه بكل القوى والجهود كل من موقعه.

إنها ليست مباراة لكرة القدم يا سادة إنها حرب من أجل الكرامة والعزة إنها معركة لرد الاعتبار، إنها مناسبة لحماية التاريخ وكتابة الحاضر بكل مجد واعتزاز.

معكم تذكرنا الهمة المغربية الراقية وتذكرنا الشموخ والكبرياء، إن انتصاركم تفريج لهمومنا أحزاننا، إن انتصاركم إنصاف لنا من ظلمات التاريخ، إن انتصاركم تاج فوق رؤوسنا، بفضله مسحتهم الغبار عن أمة ألمت بها الهزائم من كل حدب وصوب. انتصاركم اليوم انتصار للعروبة للأمازيغ للأفارقة لدول الجنوب للماضي للتاريخ وللحاضر والمستقبل.

منكم نستلهم الدروس والعبر يا أسود منكم تعلمنا أن المستحيل ليس مغربيا ولا عربيا ولا إفريقيا، لا شيء يصعب على هذه الأمة العريقة المجيدة وهي أمة قادرة على التفوق والتقدم والازدهار، يجب فقط الإيمان بذلك والثقة في الذات ورد الاعتبار للإنسان المغربي والعربي والإفريقي، وإرجاع الثقة لذاته ولنفسه فقد تعاقبت عليه الحروب النفسية القاتلة التي دمرته وجعلته يشعر عبر التاريخ بالدونية والاحتقار والانحطاط والعكس هو الحقيقة تماما.

الإنسان المغربي إنسان قوي وقوي جدا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان، إنه إنسان عبقري ولديه طاقات وقدرات خارقة. لكنه للأسف يعاني من التهميش والاحتقار والنظرة الدونية التي ورثها جيلا عن جيل، وكرستها بعض الجهات بطرق كثيرة ومختلفة. ومباريات كرة القدم التي خاضها المغرب هذا الشهر تثبت العكس وتصحح المفاهيم وتجدد الرؤيا وتمسح الغبار وتزيل الغبش وتخلع السديم الذي لطالما أغمض أعيننا وطمس قوتنا وجعلنا نستكين إلى العجز والضعف…

افتخر فأنت مغربي أنت إنسان قوي وشجاع ولك القدرة الخارقة على تحقيق كل أحلامك وتكسير كل الصعوبات والعراقيل التي تواجهك.

لا أعرف شعبا يستطيع التكيف مع جميع الظروف غير الشعب المغربي، إنه الشعب الذي يصنع ظروفه ويواجه صعوباته ويثبت ذاته ليستمر بكل أنفة وشموخ وعزة. تعلمت من منتخبنا المغربي ألا شيء يقهر هذا الشعب غير الله عز وجل، تعلمت أنه شعب قوي بحلمه وتعاونه ووحدته وقيمه ودينه.

تعلمنا من هذا المنتخب الشيء الكثير، هو من علمنا أن الحلم حق مشروع لكل إنسان. من حقك أن تحلم كما تشاء وأن تؤمن بذاتك وتدافع عن حظوظك كما تشاء. مهما كان خصمك لا تحتقر نفسك، مهما كان عدوك لا تستهن بذاتك وانظر إلى ذاتك بكل صدق وثقه وتقدير، ولا تعط فرصة لخصمك ليفرض عليك قناعته بذاته فإن الذي يجعله ينتصر عليك هو احتقارك ذاتك وتعظيمك ذاته، هذه هي بداية انتصاره عليك. هو موجود فعلا وأنت كذلك موجود قائم بذاتك، ولك كل الاحتمالات التي لديه إلا أنك تتنازل عنها وتضيفها الى احتمالاته فيتقوى عليك وينتصر.

تعلمنا من الأسود ان نؤمن بذاتنا ونعطي فرصة لها كي تحلم وتوجد وتحقق ذاتها

تعلمنا من الأسود أن الإيمان بالحلم والتشبع به أولى الخطوات نحو تحقيقه

ومن لا حلم له لا وجود له ولا معنى لوجوده أصلا

الأحلام هي النور الذي يجعلنا نشعر بمعنى الحياة ، والأحلام هي البوصلة التي تقود حياتنا نحو الاتجاهات الصائبة ومن لا حلم له تصير حياته سرابا لا معنى لها يسير في كل الاتجاهات دون ان يلوي على شيء

الأحلام هي المحرك لوجودنا وآمالنا ولأعمالنا هي مفتاح أفراحنا وبلسم جراحنا

لقد علم المغرب العالم عبر المونديال…

العبقرية المغربية التي وحدت القلوب تسطع من جديد…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *