وجهة نظر

لماذا تعددت صيغ نقابات التنسيق الرباعي؟

يجمع العاملون في وزارة التربية الوطنية على أن الإضرابات التي يشهدها القطاع منذ مصادقة المجلس الحكومي يوم 27 شتنبر 2023 على النظام الأساسي الجديد لا يشبهها أي إضراب آخر، على الأقل خلال العقدين الأخيرين، سواء على مستوى نسب المشاركة والفئات المجسدة له وللخطوات الموازية التي تضمنتها، أو على مستوى الجهات التي دعت إليه.

ويقف وراء هذه الإضرابات، التي يبدو أنها ستدخل أسبوعها الرابع، أزيد من 22 تنسيقية ونقابة الجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي التي تم استبعادها من الحوار القطاعي بعد رفضها توقيع اتفاق 14 يناير، قبل أن تنضم إليه النقابات الأخرى عبر فروعها في مختلف مناطق المغرب، وهو ما يدل على أن النقابات التي كانت تقود في السابق نضالات الشغيلة أصبحت من المفروض عليهم النضال.

ومن الطبيعي جدا أن يثير هذا الوضع قلق النقابات، خاصة المستفيدة من الدعم الحكومي، ومعها باقي مؤسسات الدولة، فكان لزاما عليها أن تعمل على وضع حد لما يمكن وصفه بالتمرد على المؤسسات الكلاسيكية (النقابات)، لذلك خرجت الجامعة الحرة للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب لتدعو منخرطيها للتوقف عن المشاركة في الاحتجاجات التي تخوضها التنسيقيات لفسح المجال أمام الحوار الذي يشرف عليه رئيس الحكومة.

وهو نفس السبب الذي دفع الجامعة الوطنية للتعليم التابعة لمركزية الاتحاد المغربي للشغل، والتي حصلت على الرتبة الأولى في انتخابات اللجان الثنائية الأخيرة، الموقع الذي يفرض عليها أن تتصدر المشهد وتقود النضالات لا أن تكون تابعة تارة و”مفرملة” تارة أخرى، (دفعها) إلى دعوة أعضائها إلى منح فرصة لإنجاح “المفاوضات الجارية الآن” والالتزام بقراراتها وعدم الانسياق وراء كل الدعوات التي لا علاقة لها بها وتعليق الأشكال النضالية.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن إصدار بلاغين من نقابتين ضمن التنسيق الرباعي هو بداية انهيار تحالف ظل متماسكا لأزيد من سنتين، إلا أن تصريحات الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المتابعة للكنفدرالية الديمقراطية للشغل لوسائل إعلام وطنية تقول عكس ذلك، وتؤكد على أن التنسيق لا يزال مستمرا وأن هناك عملا مشتركا بين النقابات بشأن الخطوات المرتقبة.

لكن، لماذا انفردت النقابة الوطنية للتعليم (كدش) بإعلان الإضراب يومي 15 و 16 نونبر الجاري في وقت توارت فيه النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل عن الأنظار واختارت نقابة مخاريق ونقابة حزب الاستقلال أن تظهرا إلى العلن وتحرضا منخرطيها ضد الإضراب، الجواب عن هذا السؤال بسيط إذا استحضرنا الغاية من هذه الخطوات التي جاءت بعد لقاء جمع النقابات الأربع يوم الخميس 9 نونبر 2023، والمتمثلة في إحداث شرخ وسط التنسيقيات وإضعافها، عملا بمبدإ “الغاية تبرر الوسيلة”.

فليس من المنطقي أن تخرج النقابات كلها بنفس القرار وتدعو إلى وقف الاحتجاجات، لأن ذلك سيؤدي حتما إلى المزيد من النفور من هذه المؤسسات النقابية والارتماء في أحضان التنسيقيات التي أصبحت الملاذ الأخير للعديد من الفئات التي ظلت تناضل بصيغ مختلفة لسنوات طويلة من اأجل تحقيق مطالبها، وبالتالي فقرار الخروج بصيغ مختلفة من داخل التنسيق الرباعي أمر لابد منه.

وفي هذا السياق يأتي بيان النقابة الوطنية للتعليم الداعي لإضراب وطني الأسبوع المقبل والذي استبق بيان التنسيق الوطني لقطاع التعليم، وهو أكبر تنسيق ينضوي تحت لوائه بالإضافة إلى نقابة الـFNE أزيد من 20 تنسيقية من ضمنها تنسيقية المفروض عليهم التعاقد، في محاولة لجر هذا التنسيق وتنسيقات أخرى إلى خوض الشكل الاحتجاجي للكدش، أو على الأقل جر التابعين للنقابة، وهو ما سيؤدي إلى تقليل النسب الكبيرة التي حققها الإضراب خلال الأسابيع الماضية.

ومن المحتمل أن ينجح هذا السيناريو بالنظر إلى سلاح الاقتطاع والإجراءات الأخرى التي أشهرتها السلطات الحكومية في وجه المضربين، فضلا عن القاعدة الواسعة التي تتمتع بها النقابة الوطنية للتعليم، أثبت جزء منها في محطات سابقة التزامه بتوجيهات القيادة الوطنية.

وعلى سبيل الختم، ومن خلال التجارب الاحتجاجية الماضية، أرى أنه من الواجب أن تعمل الحكومة، وهي التي اعترفت أن النظام الأساسي يحتاج إلى تجويد، من خلال وزارتها على إبداء حسن النية من جانبها من خلال الكشف عن برمجة زمنية معقولة من أجل الاستجابة للمطالب المشروعة والعادلة لرجال ونساء التعليم والتي يأتي في مقدمتها إدخال تعديلات حقيقية على النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، وآنذاك فقط يمكن أن نطالب الفئات الغاضبة بالعودة إلى العمل، وإلا فالأمر مرشح نحو التصعيد والمعركة لن يخرج منها طرف رابح بل الجميع خاسر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *