وجهة نظر

اعتراف عالمي مبكر واعتراف وطني متأخر.. هكذا انتظرت تطوان 28 عاما لتنال “جنسية التراث الوطني”

غريب أمر تصنيف التراث المعماري في بلدنا

بعد مرور 28 عاما من تصنيفها تراثا عالميا، المدينة العتيقة لتطوان تصنف تراثا وطنيا

نشر مؤخرا في الجريدة الرسمية، عدد 7439 بتاريخ 15 سبتمبر 2025، القرار رقم 1892.25 الصادر بتاريخ 25 يوليوز 2025 لوزارة الشباب والثقافة والتواصل الذي يقضي بتقييد المدينة العتيقة لتطوان في عداد الآثار الوطنية.

القرار نص على “منع إحداث أي تغيير في المكوّنات التراثية أو في الشكل العام للمدينة العتيقة لتطوان إلا بعد إشعار وزارة الشباب والثقافة والتواصل بستة أشهر على الأقل قبل تاريخ الشروع في الأشغال، وذلك طبقًا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل”.

ولا يسعنا كمختصين في التراث المعماري إلا أن نثمن هذه الخطوة، ونشكر المحافظ الجهوي للتراث بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة الذي تقدم بطلب التقييد بتاريخ 15 غشت 2024.

لكن، في الوقت ذاته، نأسف للتأخر الكبير، سواء لطلب التقييد أو لإصدار القرار. ذلك لأنه مضت مدة طويلة بين القرار وتصنيف اليونيسكو، حيث صنفت المدينة العتيقة لتطوان تراثا عالميا منذ 1997، أي أن التصنيف الوطني جاء بعد مرور 28 عاما على التصنيف العالمي. والمنطق والواقع يقول إن التصنيف الوطني هو الذي يجب أن يسبق التصنيف العالمي. بل إن اليونيسكو بدأت تشترط عددا من إجراءات حماية التراث المرشح للتصنيف حتى تقبل ملف الترشيح، ومن هذه الإجراءات التصنيف الوطني والحماية القانونية من قبل وثائق التعمير، بالإضافة إلى الالتزامات التنظيمية من قبل الجماعات الترابية والأجهزة الحكومية، وهذا ما طلب منا حينما اشتغلنا على ملف ترشيح مدينة طنجة.،

وتأخر تصنيف مجمل تراب المدن العتيقة تراثا وطنيا له نتائج سلبية، بحيث تتعرض المعالم التاريخية الموجودة داخل أسوار المدن العتيقة، قبل التصنيف، للتحويل والتغيير وللهدم في بعض الأحيان، فنواجه حين تصنيف المدينة العتيقة لقلة عدد ما تبقى من المعالم الأثرية والتاريخية داخلها، فينحصر التصنيف فقط على الموقع وعلى الأسوار وتبعاتها من أبواب وأبراج إن لم تسلم هي أيضا من التدهور والإتلاف.

لذلك، وجب في نظري بحكم التجربة الطويلة في الاهتمام بالمدن العتيقة المغربية ومشاركتي في الدراسات والأعمال المتعلقة بحماية وتثمين عدد منها، القيام بالخطوات التالية بهذا الترتيب:

أولا، جرد كل المواقع والمعالم الأثرية الموجودة داخل المدن العتيقة

ثانيا، تصنيف هذه المواقع والمعالم، ترتيبا أو تقييدا، كلها أو جلها، في عداد التراث الوطني

ثالثا، تصنيف كل المجال الجغرافي للمدن العتيقة في عداد التراث الوطني، بما في ذلك الوحدات المجالية التابعة لها تاريخيا والواقعة خارج الأسوار، مثل القلاع والقصبات وبعض المواقع التاريخية والمعالم الأثرية

وبالرجوع إلى المدينة العتيقة لتطوان، لحد الآن لم يتم تصنيف أي معلمة داخل أسوارها في عداد التراث. بل حتى خارج الأسوار لم يتم تصنيف إلا ثلاثة مواقع، وهي:

1- “موقع تمودة” الذي تم ترتيبه في عام 2005، وهو يقع على بعد 5 كلم جنوب غرب تطوان بجانب الطريق الوطنية المؤدية إلى مدينة شفشاون. والموقع عبارة عن حصن روماني شيد خلال النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد، على أنقاض المدينة الأمازيغية الموريتانية التي أسست حوالي 200 ق. م

2- “حي الإنساتشي” وتم تقييده في عام 2015، وكلمة الإنساتشي بالإسبانية تعني التَوْسعة، وهو حي بني في مرحلة الاحتلال الإسباني خلال الفترة ما بين 1913 و1956

3- “جنان حصار” قيد في عام 2016، والمعلمة توجد بجوار حي بوجراح شمال مدينة تطوان. ويسمى أيضا جنان الخليفة لأنه كان قصر الأمير مولاي الحسن بن المهدي، الخليفة السلطاني على منطقة الاحتلال الإسباني بشمال المغرب، كما أن الأقاليم الصحراوية الجنوبية كانت تابعة لها، ويتعلق الأمر بأقاليم إفني وطرفاية والساقية الحمراء وواد الذهب.

وتطوان لست انفرادا، في قلة تصنيف معالمها الأثرية والتاريخية، بل كل المدن المغربية المصنفة تراثا عالميا: الرباط 43 معلمة، فاس 37 معلمة، مكناس 37 معلمة، مراكش 21 معلمة، الجديدة 15 معلمة والصويرة 5 معالم.

في حين، نجد مدينة طنجة، ومنذ سنوات تحافظ على الرتبة الأولى وطنيا من حيث عدد المعالم الأثرية المرتبة والمقيدة بما مجموعه 124 معلمة من عام 1934 إلى غاية 2024، 23 معلمة مرتبة و101 معلمة مقيدة.

وعليه، أدعو مثقفي مدينة تطوان والمجتمع المحلي التطواني والمحافظة الجهوية للتراث بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة (وأعرف الكثير منهم، ومنهم أصدقاء، وأعرف مؤهلاتهم العلمية وحبهم لمدينة تطوان)، أن يتعاونوا فيما بينهم على القيام بما يلزم لتصنيف المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية الواقعة داخل أسوار المدينة العتيقة لتطوان، بالرغم من أن القرار الجديد يهم المدينة العتيقة بالمجمل. ولائحة التراث المعماري بهذه المدينة العتيقة طويلة ومهمة تاريخيا ومعماريا وإنشائيا وفنيا، منها على سبيل المثال لا الحصر: أبراج المدينة (برج سوق الحوت، برج القصبة، برج الكحيلي، برج السقالة)، أبواب المدينة (باب سبتة، باب الجياف، باب المقابر، باب الرموز، باب العقلة)، جامع القصبة، الجامع الكبير، سقاية باب العقلة، الأضرحة والزوايا، نظام السكوندو المائي، التشورير الأفقي للأزقة…

 

قرار تقييد المدينة العتيقة لتطوان في عداد الآثار المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7439 بتاريخ 15 سبتمبر 2025

 

موقع تمودة الأثري بتطوان

 

جانب من حي الإنساتشي بتطوان Ensanche

 

قصر الخليفة بتطوان حيث يوجد جنان حصار

* بقلم أحمد الطلحي، خبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *