البوليساريو تحت مجهر الإرهاب .. قراءة في التوجه الأمريكي الجديد
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، يبرز التحرك الأمريكي الأخير بشأن مشروع قانون يهدف إلى تصنيف جبهة “البوليساريو” جماعة إرهابية كحدث مفصلي في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. هذا المشروع، الذي طرحه عضوان من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، لا يُعد فقط تطورًا تشريعيًا معزولًا، بل يعكس وعيًا متناميًا لدى صانعي القرار في واشنطن بخطورة تواجد جماعة مسلحة انفصالية في قلب منطقة الساحل والصحراء، حيث تتقاطع الهشاشة الأمنية مع مصالح القوى الدولية الكبرى.
من هنا، تتحدد الإشكالية المركزية لهذا المقال في السؤال الآتي:
ما دلالات التوجه الأمريكي الجديد بشأن تصنيف “البوليساريو” جماعة إرهابية، وما انعكاساته المحتملة على معادلة النزاع في الصحراء المغربية وعلى التوازنات الإقليمية في شمال إفريقيا؟
سنعالج هذه المسألة عبر ثلاث زوايا تحليلية:
1- الخلفيات القانونية والأمنية للتوجه الأمريكي الجديد
2- تداعيات محتملة على الجزائر باعتبارها الطرف الداعم للجبهة
3- المكاسب الاستراتيجية للمغرب
أولًا: الخلفيات القانونية والأمنية للتوجه الأمريكي الجديد
التفكير في تصنيف “البوليساريو” جماعة إرهابية ليس وليد اليوم، بل يتغذى على تقارير استخباراتية دولية تشير إلى تداخل نشاطات عناصر من الجبهة مع جماعات مسلحة تنشط في منطقة الساحل والصحراء، حيث تتقاطع شبكات الجريمة العابرة للحدود مع حركات التطرف العنيف.
يتيح القانون الأمريكي للكونغرس، من خلال مشاريع تشريعية مدعومة من الحزبين، إدراج منظمات أجنبية ضمن قائمة الكيانات الإرهابية إذا ثبت تهديدها للمصالح الأمريكية أو حلفائها. ومع تزايد المخاوف من علاقة “البوليساريو” ببعض رعاة الإرهاب، كإيران، تتعزز مبررات هذا التحرك، الذي لا يعكس فقط موقفًا أمنيًا، بل تحولًا في المنظور السياسي الأمريكي للنزاع في الصحراء.
أمنيًا، تُعد المنطقة الممتدة من جنوب الجزائر إلى مالي والنيجر وشرق موريتانيا إحدى أكثر البؤر توترًا في العالم، حيث تتلاقى شبكات تهريب السلاح والبشر بالمليشيات المتطرفة، ما يجعل أي كيان مسلح خارج سيطرة الدولة خطرًا استراتيجيًا على الأمن الجماعي.
لم تعد واشنطن تنظر إلى النزاع في الصحراء المغربية كمجرد ملف سياسي، بل كمصدر لتهديدات عابرة للحدود تؤثر على مصالحها الأمنية والاقتصادية في إفريقيا.
ثانيًا: الجزائر في مرمى الضغوط الدولية
تجد الجزائر، الداعم الرئيسي والعلني للبوليساريو، نفسها اليوم أمام تحدٍّ غير مسبوق. فإذا ما أُقِر هذا المشروع، فإن دعمها السياسي والمالي والعسكري للجبهة قد يُفسر دوليًا كتمويل لكيان مصنف إرهابي. الأمر الذي يفتح الباب أمام:
– فرض عقوبات اقتصادية وحتى دبلوماسية
– تعميق عزلتها في المحافل الدولية
– استخدام الملف كورقة ضغط في قضايا طاقية أو تحالفات استراتيجية.
الأخطر من ذلك أن المجتمع الدولي بدأ يربط بين سياسة الجزائر الخارجية وبين تهديد الأمن الإقليمي، وهو ما قد يُفضي إلى إعادة تقييم جذري لدورها في شمال إفريقيا، وذلك على ضوء عدة عوامل متشابكة:
– احتضانها لكيان مسلح غير معترف به دوليًا، مع تقارير تشير إلى تداخل نشاطات “البوليساريو” مع شبكات التهريب والإرهاب في الساحل، وعلاقاتها بجهات معادية للمصالح الأمريكية كإيران.
– فشل مقاربتها في حل أزمات الساحل رغم ادعائها القيام بدور الوسيط، ورفضها الانخراط الفعال في المبادرات الأمنية الإقليمية، مما يجعلها أقرب إلى جزء من الأزمة وليس من الحل.
– تنامي المنافسة الجيوسياسية في شمال إفريقيا، حيث يسعى الفاعلون الدوليون إلى إيجاد شركاء موثوقين في ملفات الطاقة، والأمن، واللوجستيك، وهي معايير أصبح المغرب يفي بها أكثر من الجزائر.
– مواقفها العدائية غير المتزنة تجاه بعض القوى الغربية، ما يضعها تحت مجهر الحذر الأوروبي والأمريكي، في ظل التوترات العالمية الراهنة.
إن هذه التراكمات لا تضعف فقط مصداقية الجزائر كفاعل إقليمي، بل تُقلص من وزنها الإستراتيجي في معادلات الأمن والتنمية في المنطقة، في وقت باتت فيه القوى الكبرى تبحث عن شركاء يضمنون الاستقرار لا يغذّون التوترات.
ثالثًا: المكاسب الاستراتيجية للمغرب
في المقابل، يمثل التوجه الأمريكي الجديد فرصة دبلوماسية واستراتيجية تاريخية للمملكة المغربية. بعد اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية سنة 2020، يأتي هذا التحرك الجديد ليمنح الرباط أداة قانونية قوية لتجريم البوليساريو، وكشف زيف السردية الانفصالية التي كانت تعتمد على خطاب “التحرر” و”تقرير المصير”.
من بين أبرز المكاسب المتوقعة:
– تقوية موقف المغرب في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، باعتبار البوليساريو طرفًا غير شرعي وغير قابل للتفاوض على قدم المساواة.
– تعزيز جهود التنمية والاستثمار في الصحراء المغربية، حيث إن انعدام التهديد الأمني يعزز جاذبية الأقاليم الجنوبية للمستثمرين.
– توسيع رقعة الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
– فتح المجال لتحالفات أمنية جديدة مع الولايات المتحدة ودول غربية تعتبر المغرب حليفًا موثوقًا في محاربة الإرهاب والهجرة غير النظامية.
هذا الزخم يجب أن يُترجم إلى تحركات مغربية ذكية ومدروسة، من خلال تكثيف التنسيق مع الدول الكبرى، ومواصلة إقناع المترددين بأن الانفصال ليس فقط مشروعًا فاشلًا، بل تهديدًا أمنيًا عالميًا.
ختاما يعتبر التوجه الأمريكي الجديد نحو تصنيف البوليساريو منظمة إرهابية لا يُعد مجرد إجراء قانوني، بل رسالة سياسية وأمنية عميقة المدى تعيد تشكيل خريطة التحالفات في شمال إفريقيا. وبينما تجد الجزائر نفسها في موقف دفاعي صعب، يُفتح أمام المغرب أفق استراتيجي غير مسبوق لتعزيز سيادته، وتكريس ريادته كفاعل استقرار وتنمية في القارة الإفريقية.
المطلوب اليوم من صانعي القرار في الرباط هو التحرك الذكي والبنّاء لاستثمار هذا الزخم الدولي، وتحويل لحظة التوتر إلى فرصة لصناعة الإجماع حول مبادرته السيادية.
وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت: “في السياسة، لا شيء يحدث صدفة… وإذا حدث، فقد خُطط له ليكون كذلك.”
بتاريخ 27 يونيو 2025