منتدى العمق

علماء السياسة المعتمدين تلفزيونيا ومعضلة ضعف التحليل

مغربنا يتغير.. ويجب أن يتغير دور الشباب

يتجاوز عدد المحللين السياسيين والاقتصاديين والماليّين المئات. يصطفون في كواليس الإذاعات وقنوات التلفزيون ليرددوا ما قالته المذيعة أو المذيع خلال قراءة التعليق عن حدث أو أحداث. يعيدون قراءة ما ورد من معلومات في المواقع، ويعيدون تحليلات تم تناولها في قنوات أجنبية. ولأن الذكاء الاصطناعي أصبح يغنيهم عن البحوث والعلم، فقد أصبحوا يسائلون هذا الذكاء الاصطناعي داخل الاستوديوهات لمدهم بكل المعطيات المحينة، فيصنعون منها جبة تغطي العالم بكل الأحداث والمعطيات. ويصرون على أن يتم تقديمهم بصفتهم، التي توجد على بطاقات أعدوها في إطار تدبير العلاقات العامة، التي تعلي من شخصياتهم التي يتدفق العلم من أسفلها. وظهروا عراة حين تحركت آليات التظاهرات عبر شبكات يحمل “ز 212”. أرادوا أن يربطوا خطابًا في شكل جديد بتدخلات خارجية، فأصيبوا بخيبة أمل حين عبر الشباب عن تعلقهم بكل مقدسات الوطن، وإصرارهم على تحصينه ضد تجار السياسة، والدين، والتجارة، واقتصاد الريع، وضد مفسدي تدبير المرافق العمومية المتعلقة بالصحة والتعليم والعقار، والبنوك، وشركات التأمين، ومؤسسات الأدوية، والمصحات الخاصة، وسوق الأغنام والأبقار والصيد البحري، وحتى السياحة.

لا يمكن فك “شفرات” الخطاب الرسمي دون رسم خريطة تبين حجم المستفيدين من خيرات الوطن. قال لي أحد من أعرف تجدرهم في منطقة “جبالة” إن أحد من كانوا يمتهنون حرفة “السراح” الملف بتربية ماشيتهم، تحول إلى مستشار جماعي، ثم إلى رئيس مجلس ترابي، ثم إلى مالك أراضي ذو سطوة وتحكم في القرار. ولن أشك في أن أجهزة الدولة الأمنية قد غابت عنها تحولات كائنات، وانتقالهم من محطة الفقر إلى موقع القرار في صناعة واقع جديد يبدع في خلق أسس جديدة لتولي السيطرة على أرض الأهالي. اختلطت الأمور بفعل سيطرة أموال المخدرات، لكي تصنع واقعًا جديدًا يخلق كثيرًا من أصحاب الثروات. وسيظل “كعب اشيل” لدى كثير من الأحزاب هو ذلك العدد ممن اشتروا التزكيات، وساهموا في تضخيم أموال بعض الأحزاب، وبعض قيادييها، واستمروا في غيهم عبر الاغتناء بالمال الحرام. يوجد الكثير من المنتخبين في سجون البلاد، ومن ضمنهم شباب غير مؤهلين، ظنوا أن الغطاء الحزبي سيحجب عنهم تعاطيهم للرشوة. حزنت حين سقطت فتاة شابة في فخ الارتشاء، وبمبلغ صغير، لم تقدم على فعلتها حتى اقتنعت، عبر ممارسات من سبقوها، أن المنصب يشكل مصدرًا للحصول على الأموال.

وسيظل المدافعون عن الأحزاب، التي نخرها الفساد، ذوي قدرة خيالية على تبرير الأفعال الإجرامية. وسيبقى الهدف لدى البعض حماية المواقع والسعي إلى إضعاف كل آليات المراقبة سواء كانت من المجتمع المدني، أو من الوزارات والمحاكم. وستستدعي قنوات التلفزيون الرسمية كل من هب وذب لتأثيث ساعة من الأخبار. ولا يصل ذلك الخبير في التحليل السياسي والمجتمعي والاقتصادي والمالي إلى درجة خبراء الطقس الذين يتم تأخير فقرتهم لكي تختتم نشرة الأخبار التي تحمل كثيرًا من المعطيات العلمية المليئة بالافتراضات المنهجية. لقد حان وقت تغيير تعامل التلفزيون مع التعليق على الأخبار عبر اختيار الخبراء الحقيقيين، وهم كثيرون في بلادنا. الخبير من يحمل بحوثه وتجربته لتصل، عبر التلفزيون والمذياع، إلى المواطنين، وليس ذلك الذي يقتصر كلامه على ما تفعله “الحيوانات المجترة”، ولهؤلاء أوجه طلبًا لفهم الاجترار علميًا. وسيظل الصحافي المتابع لأحداث بلاده أكبر ممن يدعي أنه الدكتور العالم بخفايا الأمور وظاهرها، وهو للجهل أقرب، ومن مواقع الحدث أبعد. أشكر شباب جيل زد الذي حقن المجتمع بوعي جديد يريد أن يحمي الوطن، والذي يجب عليه أن يشارك بقوة في حماية الوطن من المفسدين عبر الحضور الكبير في كافة المؤسسات التي تدبر قضايا الوطن. وأول معركة يجب أن يتم ربحها هي التسجيل في اللوائح الانتخابية. أريد وأتمنى أن يصل الشباب الملتزم بقضايا الوطن إلى البرلمان وإلى تسيير كل المجالس الترابية. وهذه بداية خلق مغرب جديد يصنع الحلم ويحققه بفضل خروج شبابه من الوجود الافتراضي إلى الحضور الفاعل في التغيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *