منتدى العمق

تسقيف سن الإستوزار وتمثيل الأمة

إن سنّ القوانين يُعتبر أحد الأركان الأساسية في بناء السياسات العمومية، فمن خلاله يتم إرساء أسس الإصلاح، التنظيم، والتطوير، وهو المدخل الأهم لترشيد الحياة العامة وضمان نجاعة تدبير الشأن العام. لكن الملاحظ أن الكثير من القوانين التي تمّ سنّها في العقود الأخيرة اتجهت نحو تقييد فئة الطاقات الشابة، من خلال رفع سن التقاعد، وتسقيف سن التوظيف، خصوصًا في القطاع العمومي، وعلى وجه الخصوص قطاع التعليم. هذه الإجراءات تُبرَّر غالبًا بالرغبة في “ترشيد النفقات” و”إصلاح صناديق التقاعد”، لكنها في العمق تعكس اختلالات بنيوية أعمق، وفشلًا مزمنًا في التخطيط والحكامة والمحاسبة.

فالسؤال الجوهري الذي يُطرح هنا: إذا كانت السياسات السابقة قد أدت إلى هذه الأزمات، فلماذا لم يُحاسب المسؤولون المباشرون عنها؟، أليست المحاسبة جزءًا من الديمقراطية؟ أليس من الأجدر أن تَطول الإصلاحات من كانوا سببًا في الأزمة، لا أن تُحمّل كلفتها للفئات الشابة والموظفين الجدد؟

إن تسقيف سن التوظيف في التعليم مثلًا، أدى إلى إقصاء آلاف من الشباب المؤهلين، الذين استثمروا سنوات من عمرهم في التحصيل الأكاديمي والتكوين، ليجدوا أنفسهم خارج دائرة الفرص. والأجدر أن ذلك يتم في الوقت الذي تعاني فيه المدارس العمومية من خصاص مهول في الأطر التربوية.

وفي المقابل، لا تزال مناصب المسؤولية العليا، كالوزارات والبرلمان والمجالس المنتخبة، مفتوحة بشكل شبه مطلق أمام نفس الوجوه القديمة، التي استهلكت فرصتها ولم تُقدّم ما يكفي من الإصلاحات الجوهرية. وهنا تبرز المفارقة: لماذا لا يُناقش تسقيف سن الاستوزار وتمثيل الأمة بنفس الجدية؟

إن تسقيف سن تقلد المناصب السياسية العليا من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في الحياة السياسية المغربية، لعدة اعتبارات:

1. فتح المجال أمام طاقات شبابية جديدة للمساهمة في تدبير الشأن العام، بما تحمله من كفاءة، وحيوية، واطلاع على قضايا العصر؛
2. إعادة الثقة بين الشباب والسياسة، في ظل تزايد مشاعر الإقصاء والتهميش، مما قد يُعيد للفضاء العمومي ديناميته ومصداقيته؛
3. محاربة الريع السياسي والتوريث الحزبي، والقطع مع منطق احتكار السياسة من طرف أسماء تُعاد وتُكرّر في كل محطة انتخابية أو حكومية؛
4. رفع مستوى الكفاءة العلمية والمعرفية للمنتخبين والوزراء، علمًا أن عددًا كبيرًا من الشباب المغربي الحاصلين على شواهد عليا ما زالوا يُواجهون شبح البطالة والتهميش.

إن الدعوة إلى تسقيف سن الاستوزار وتمثيل الأمة ليست انتقاصًا من قيمة التجربة أو السن، بل هي محاولة لتجديد النخب، وضخ دماء جديدة في مؤسسات الدولة، والقطع مع العبث السياسي الذي عمّق الفوارق، وأجهز على آمال الكثيرين. نحتاج اليوم إلى قانون إطار لتجديد النخب، قائم على الشفافية والكفاءة والتداول الحقيقي على السلطة، لا على المحاباة والقرابة والولاءات الحزبية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *