في مقالها المنشور بموقع العمق المغربي تحت عنوان: “موجات الحرارة تغرق الاقتصاد العالمي في الركود: التضخم مناخي وإيكولوجي بالأساس”، تحاول السيدة نزهة الوافي الربط بين التغيرات المناخية والركود الاقتصادي العالمي، في طرح يبدو للوهلة الأولى مثيرًا للاهتمام، لكنه سرعان ما ينكشف عن مجموعة من الهفوات المفاهيمية والمنهجية التي تستحق الوقوف عندها.
1. مصطلح غير علمي: “التضخم المناخي”
“لكن هل هذا التضخم اقتصادي محض أم أن عمقه إيكولوجي ومناخي بالأساس؟”
هذه الجملة تُجسد الخلل المفاهيمي الأبرز في المقال. فالتضخم، كما هو متعارف عليه في علم الاقتصاد، يُقاس بارتفاع المستوى العام للأسعار نتيجة عوامل نقدية أو هيكلية أو عرضية. أما ربطه بالمناخ دون تقديم إطار نظري أو تعريف علمي لمصطلح “التضخم المناخي”، فهو إسقاط غير دقيق، لا وجود له في الأدبيات الاقتصادية المعتمدة.
2. تعميم غير مؤسس: “الاقتصاد العالمي في ركود”
“بينما تستمر درجات الحرارة في الارتفاع، يستمر الاقتصاد العالمي في الركود كما ذهبت لذلك العديد من التحليلات الاقتصادية.”
هذا التعميم يفتقر إلى أي سند إحصائي أو مرجعي. فبينما تعاني بعض الدول من تباطؤ اقتصادي، تشهد أخرى نموًا في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الخضراء. غياب الإشارة إلى تقارير اقتصادية أو مؤشرات مثل الناتج المحلي الإجمالي أو معدلات البطالة يُضعف من مصداقية هذا الادعاء.
3. تبسيط مخل: “أسعار الأضاحي وحرارة الصيف”
“قلة العرض لرؤوس الأغنام في عيد الأضحى المبارك لأول مرة وارتفاع أسعارها وأسعار الأغذية على سبيل المثال لا الحصر.”
رغم أن المناخ يؤثر على الإنتاج الزراعي، فإن ربط الأسعار بعامل واحد فقط يُعد تبسيطًا مخلًا. فأسعار الأضاحي تتأثر بعوامل متعددة تشمل العرض والطلب، السياسات الفلاحية، الدعم الحكومي، وحتى المضاربات الموسمية. تجاهل هذه العناصر يُظهر ضعفًا في التحليل الاقتصادي.
4. غياب التحليل الكمي
“أدت الكوارث المتعلقة بالظواهر المتطرفة والمناخ وندرة المياه إلى تكبد العالم خسائر يومية تتجاوز 200 مليون دولار خلال الخمسين عامًا الماضية.”
رغم ورود أرقام من تقارير دولية، إلا أن المقال لا يُوظفها في بناء تحليل اقتصادي متماسك. لا توجد مقارنات، ولا نماذج، ولا حتى ربط بين هذه الخسائر ومؤشرات الاقتصاد الكلي أو الجزئي. الاكتفاء بالاقتباس دون تحليل يُحول المقال إلى خطاب تعبوي أكثر منه دراسة علمية.
5. خلط في المفاهيم: “الهجرة المناخية”
“أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار والنصف بحلول عام 2050.”
هذا الطرح يُغفل التعقيد البنيوي للهجرة، التي ترتبط بعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية. فالهجرة المناخية، رغم أهميتها، لا تُفسر وحدها ديناميات التنقل السكاني في المغرب، خصوصًا في ظل غياب بيانات دقيقة أو دراسات ميدانية تدعم هذا الادعاء.
6. دعوة بلا خطة: “التحول الأخضر في المغرب”
“وجعل التغير المناخي تحديًا وفرصة في آن واحد… وتسريع مسار التنمية المستدامة.”
رغم وجاهة الدعوة إلى التحول الأخضر، إلا أنها تفتقر إلى تصور عملي. لا يُحدد المقال القطاعات المعنية، ولا يناقش التحديات التمويلية أو المؤسسية، ولا يُقدم أي نموذج ناجح يمكن الاقتداء به. إنها دعوة عامة لا تُسعف صانع القرار في بناء سياسة فعالة.
خلاصة
المقال يُثير قضايا مهمة، لكنه يُقاربها بأسلوب إنشائي يفتقر إلى الدقة المفاهيمية والتحليل الكمي. استخدام مصطلحات غير دقيقة، تعميمات غير مؤسسة، وتبسيط مخل للظواهر الاقتصادية، كلها عناصر تُضعف من قوة الطرح وتُحول المقال إلى خطاب تعبوي لا يُسعف في فهم العلاقة المعقدة بين المناخ والاقتصاد.
إذا أردنا فعلاً فهم تأثير المناخ على الاقتصاد، فعلينا أن نُخضع الظواهر للتحليل الكمي، ونُميز بين الأسباب المباشرة وغير المباشرة، ونُحسن استخدام المصطلحات. فالمناخ يؤثر على الاقتصاد، نعم، لكن التضخم ليس “إيكولوجيًا” بالأساس، بل اقتصادي في جوهره.