وجهة نظر

إنه الانقلاب

تاريخ الشعوب تراكمات وتجارب كما هو حال الديمقراطيات المواطنة ،التي تبوئ المواطن داخل نسقها الصدارة على مستوى صنع القرار والانخراط في تنزيله. إلا أن مسار التراكم للوصول للديمقراطية المواطنة شاق وعسير ويحدث أن يعرف المسار انقلابا يعود به إلى وهم الديمقراطية النخبوية التي يستفيد من مزاياها جزء من الكل وعلى حساب هذا الكل، لأنه كلما توجهنا نحو ديمقراطية مواطنة تشاركية على مستوى القرار والسلطة إلا وضاقت حلقة الديمقراطية النخبوية، وعليه ترتفع أصوات التحكم وان اختلفت ؛حيث يمكن له أن يتجلى عسكريا دمويا كما هو حال مصر ،وكما كان يخطط في تركيا، كما يمكن لهذا الأخير أن يكون خفيا ( شبح ) وقوته في خفائه كما هو حال بلدنا ،والذي ينهج فيه التحكم استراتيجية الإلهاء والانقلاب الناعم على الديمقراطية الناشئة، انقلاب على إرادة المواطنين التي عبروا عنها من خلال مطالب الحرية والعدالة والمساواة والتشارك كمتلازمات للديمقراطية المواطنة كما حرصوا على تنزيلها من خلال دستور ضامن لها.

اليوم الكل مطالب بالتصدي للانقلاب على إرادة وتجربة البلد ورفض التحكم الذي يهدد المسار الديمقراطي للبلاد، ويعمل على استرجاع آليات التخلف الديمقراطي عبر التحكم في الخطاب السياسي ونمذجته وتضليل الإرادة الشعبية ـ العازمة على مواصلة مسيرة الديمقراطية المواطنة والتشاركية ـ وتزييفها.

إن من يهاجم اليوم الأحزاب السياسية ويعمل على إضعافها أكثر وتسويقها ككائن انتهازي ومصلحي في مقابل تبرئة تيار سياسي بعينه إنما يخدم بذلك أجندة التحكم الذي يهدد استقرار الوطن واستمرار النظام عبر عزمه الرجوع بالبلد للوراء لما قبل 20 فبراير،حيث أنه لا يمكن أن نتصور اليوم علاقة ناظمة بين المواطن والنظام السياسي بعيدة عن مسلمة أن نكون شركاء لا أجراء وما دون ذلك من علائق إنما يعتبر انقلابا على المسار الديمقراطي وانتكاسة لصيرورة نضال المواطن من أجل الحرية والعدالة والكرامة؛ عدوه في ذلك قوة وسلطة وعنف التحكم الذي يقامر اليوم بمصلحة الوطن واستقراره ورموزه عبر تقويته للجناح المناهض للإصلاح من داخل بنية النظام السياسي ـ لايمكن أن نتصور اليوم أن تسريب الشريط المصور لوزير الخارجية وأمين عام حزب التجمع الوطني للأحرار صلاح الدين مزوار رفقة مستشار وصديق جلالة الملك بالملهى الليلي ،من تدبير حزب سياسي أو ما شابه ذلك، بقدر ما هو تجلي واضح لصراع الأجنحة داخل العلبة السوداء للنظام السياسي ـ .

نحن اليوم كشركاء لا أجراء؛ شركاء في الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية ،شركاء في مواصلة المسار الديمقراطي على أمل أن نكون شركاء في محاصرة التحكم الذي يتقوى يوم بعد يوم على حساب تشتيت جهود الديمقراطيين في هذا البلد، والهاء المواطنين بمعارك هامشية تحول مسار جهودهم وتدفعهم لخلق عدو وهمي قد يتجلى في حزب سياسي أو زعيم نقابي أو ما شابه ذلك، في الوقت الذي يجب أن تكون جهودهم موجهة صوب كشف التحكم ورفضه قبل أن يتمكن هذا الأخير من خنقهم.