وجهة نظر

انعكاس عوائق التواصل داخل القسم على التحصيل الدراسي

أسابيع قليلة تفصلنا على موعد الدخول المدرسي الجديد، وسيبدأ الحديث عن المشاكل العديدة التي يعاني منها القطاع التربوي، ولاشك أن من بين هذه المشاكل التي تظهر لنقاش، سنجد عوائق التواصل بين المدرس والمتعلم. فما المقصود بالتواصل لدى الأخِصائيين في التربية ؟ و ماهي أنماط التواصل داخل القسم و انعكاساته على مردودية المتعلميين؟

ورد في معجم علوم التربية على أن التواصل لغة هو الإبلاغ والإطلاع و الإخبار، أي نقل خبر ما من شخص إلى آخر وإخباره به و إطلاعه عليه، ويعني وحدتي التوصل والتوصيل كما أنه يفيد التبليغ، و يعني أيضا نقل معارف ومعلومات من مرسل إلي متلقي بواسطة قناة، و يستلزم النقل من جهة وجود شفرة، ومن جهة ثانية تحقق عمليتين : ترميز المعلومات و فك الترميز.

أما التواصل البيداغوجي وهو بيت المقصد في هذا الحديث، فهو يعني كل أشكال وسيرورات و مظاهر العلاقة التواصلية بين المدرس والمتعلم، ويتضمن نمط الإرسال اللفظي و الغير اللفظي والمجال و الزمان، ويهدف من خلاله المدرس تبليغ و نقل التجارب و الخبرات و المعرفة، في ظل التدريس بالمقاربة بمبدإ الكفايات، بعيدا عن التلقين مع مراعاة اختلاف الفروقات المعرفية بين المتعلمين وفي هذا الصدد يقول أفلاطون” أن التربية تهتم بتكوين أفرادا يصنعون المجتمع لِدا يجب معاملة كل فرد حسب إمكانيته”، عكس ما كان سائدا حينما كنا نُلقن المعرفة للمتعلمين بشكل عمودي، حيث كان الأستاذ مالكا للمعرفة و يشتغل بطرق تقليدية، و بهذا نجد أنفسنا أمام نموذجين لتواصل أحدهم تقليدي والآخر حديث :

أولا- النموذج التواصلي التقليدي

وهو نموذج ينتمي إلى التدريس بالطرائق التقليدية، و يتسم بطبيعته السلطوية العمودية في التواصل بين المعلميين و المتعلميين، ومن أهم ما يميز هذا النوع من التواصل التربوي هو إعطاء أوامر للمتعلميين بالقيام بالواجبات، يقول فرايري”إن المربي عوض أن يحاول التواصل مع التلاميذ، فهو يقوم فقط بإيصال الخطاب (الودائع) يطلب من التلاميذ حفظها و ترديدها بشكل شغف، إنه التصور البنكي لتربية “، حيث يتحول المتعلمين إلى حُفاظ ومصنفين، وما ينتج عن ذلك من قمع لرغباتهم وحاجياتهم، من خلال إغلاق كل قنوات التواصل التي كان يستطيع منها المتعلم أن يعبر عن مشاعره ومواقفه بحرية.

ثانيا- النموذج التواصلي الحديث

و هو غالبا ما يصفه الباحثون بالفعال لأنه أثبت نجاعته وجعل من المتعلم محورا للعملية التعلمية، وفتح قنوات التواصل بين المدرس و المتعلم التي أُغلقت في النموذج التقليدي، ويِِؤمن بأن التعلم لا يمكن أن يتم بشكل إيجابي إلا أذا لم يحتكر المدرس قنوات التواصل، بل و يجب أن يعتبر هذا المدرس نفسه فردا من جماعة القسم، كما يولي النموذج الحديث دورا كبيرا لتواصل المدرسة بالأسرة، وانفتاحها على محيطها.

انعكاس ضعف التواصل على العملية التعلمية

إن من انعكاسات عوائق التواصل بين المدرسين و المتعلمين تدني التحصيل الدراسي لديهم، فما المقصود هنا بالتحصيل الدراسي ؟ قد ورد في كتاب، علم النفس التربوي وتطبيقاته، لكاتبه محمد جاسم لعبيدي في الصفحة 293، أن “التحصيل الدراسي هو إتقان جملة من المهارات والمعارف التي يمكن أن يمتلكها الطالب بعد تعرضه لخبرات تربوية في مادة دراسة معينة أو مجموعة من المواد” . كما تعرفه “موسوعة علم النفس والتحليل النفسي” بأنه: بلوغ مستوى الكفاءة في المدرسة أو الجامعة، وتحيد ذلك باختبارات التحصيل المقننة أو تقديرات المدرسين، أو الاثنين معا”.

ولا شك أن الباحث في العوامل المساهمة في خلق هذه العوائق التواصلية داخل الأقسام التربوية يجدها متنوعة، نذكر منها اللغة، ففي العملية التواصلية بالقسم يجب الحرص على انتقاء الألفاظ والمفاهيم بعناية ودقة مع مراعاة مستوي النمو المعرفي للمتعلمين حسب ما حدده جون بياجي ( الحسي الحركي، وما قبل العمليات الفعلية أو الواقعية، و العمليات الشكلية التجريدية)، والتأكد من وصول الفهم بالتطبيق العملي مع مراعاة تنويع الأساليب و الوسائل و المعينات الديداكتيكية من موارد وأدوات ووسائط بُغية تيسير التواصل مع المتعلمين و مساعدتهم على الإدراك والفهم، حسب ما يقتضيه ديداكتيك كل مادة أو مكون من مكونات المادة.