تعطيل الحوار الاجتماعي يغضب النقابات.. و”CDT” تحذر من تأجيج الاحتقان

أثار تأجيل جولة شتنبر من الحوار الاجتماعي قلقاً بين المنظمات النقابية المغربية، وعلى رأسها الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي اعتبرت أن الخطوة “محاولة من الحكومة لتمرير القانون التنظيمي للإضراب خارج منهجية التوافق، التي تقرر نهجها”.
وعبرت الكونفدرالية عن استنكارها لهذا التجاهل، وأشارت إلى أن الحكومة كانت قد تعهدت في اتفاق 30 أبريل 2022 بضرورة عقد جولتين من الحوار الاجتماعي في شتنبر وأبريل من كل عام، والتوصل إلى توافق حول القوانين الاجتماعية قبل عرضها على البرلمان.
وأكدت عن رفضها تمرير هذا المشروع خارج منهجية التوافق التي تنص على ضرورة مشاركة كافة الأطراف المعنية، كما دعت إلى عقد جولة عاجلة من الحوار الاجتماعي لمناقشة مشروع قانون المالية والقضايا الاجتماعية العالقة، مؤكدة أن تجاهل الحكومة لهذه المطالب من شأنه أن يؤجج الاحتقان الاجتماعي ويعيد الحراك إلى الشارع.
ودعت الكونفدرالية كافة القوى السياسية والنقابية والمدنية إلى توحيد الجهود لمواجهة ما وصفته بـ”الهجوم على المكتسبات الاجتماعية”، خاصة فيما يتعلق بالحق في الإضراب، الذي تعتبره من أهم الحقوق التي يجب الدفاع عنها.
وتعهدت الحكومة المغربية على لسان رئيسها، عزيز أخنوش، تنفيذا لمخرجات اتفاق أبريل، بإخراج القانون التنظيمي المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب نهاية 2024، من خلال الاتفاق على المبادئ الأساسية لهذا القانون التنظيمي، لاسيما فيما يتعلق ب ضمان انسجام مشروع القانون التنظيمي مع أحكام الدستور، ومع التشريعات الدولية المتعلقة بممارسة حق الإضراب.
ورغم هذه التعهدات، فقد عمدت الحكومة إلى برمجة اجتماع للجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب يوم الأربعاء 23 أكتوبر 2024، حيث ستتم مناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
في هذا السياق، لفت الباحث في العلوم السياسية، عبد الله الهندي، أن عدم انعقاد جولة شتنبر من الحوار الاجتماعي “يعكس أزمة ثقة متزايدة بين الحكومة والنقابات العمالية في المغرب”، مضيفا أن الحوار الاجتماعي يُعدّ إحدى الركائز الأساسية لتحقيق استقرار سياسي واجتماعي في البلاد، ومشيرًا إلى أن أي تجاهل لمطالب النقابات يمكن أن يؤدي إلى تصاعد الاحتقان الاجتماعي، مما قد يدفع نحو موجة جديدة من الحركات الاحتجاجية في الشارع.
وأوضح الباحث، في تصريح لجريدة “العمق”، أن موقف النقابات ليس مجرد تعبير عن رفض لقانون الإضراب، بل هو تعبير عن رفض ما يُنظر إليه على أنه تراجع عن التزامات الحكومة السابقة بالتوصل إلى توافقات مع الشركاء الاجتماعيين قبل تمرير قوانين حساسة تمس حقوق الطبقة العاملة، لافتا إلى أن “القانون التنظيمي للإضراب ليس مجرد تشريع قانوني، بل هو جزء من إطار أوسع لتنظيم العلاقة بين العمل ورأس المال في المغرب، ويجب أن يُبنى على أساس الحوار والتفاهم المشترك بين جميع الأطراف المعنية“.
وأكد المتحدث ذاته أن “تمرير القانون خارج منهجية التوافق قد يعزز الشعور بالإقصاء بين النقابات ويزيد من التوترات السياسية والاجتماعية، لاسيما في ظل التحديات الاقتصادية التي قد تواجه البلاد”.
وكان يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، قد أكد أن المفاوضات حول مشروع القانون التنظيمي للحق في الإضراب مع النقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، مستمرة بشكل حثيث حتى التوصل إلى توافق نهائي، يتم بعده الرجوع إلى اللجنة البرلمانية في مجلس النواب لاستكمال المناقشة التفصيلية واعتماد صيغة متوافق عليها للقانون، موضحا أن هذا المطلب أكدت عليه جميع الفرق البرلمانية خلال مناقشة القانون في يوليوز الماضي.
جاء ذلك في تصريح صحفي للسكوري عقب اجتماعه الشهر الماضي، مع ممثلي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلا: الاتحاد المغربي للشغل (UMT)، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب (UGTM)، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT)، بالإضافة إلى ممثلين عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM) والكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية.
في غضون ذلك، انتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان “تقييد” مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15، لحق الإضراب ومنع بعض أنواعه، وأوصى بتوسيع دائرة الجهات التي يحق لها ممارسته، وتوسيع تعريف “الحق في الإضراب”.
ويعرف مشروع القانون الإضراب باعتباره “كل توقف جماعي عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة، من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشرة للأجراء المضربين”.
ولاحظ المجلس في مذكرة له حول مشروع القانون، أن الأخير سمح ضمنيا بالإضراب الجزئي (المادة 15)، لكنه منع بعض أنواع الإضرابات مثل الإضراب التضامني والإضراب بالتناوب (المادة 12)، بالإضافة إلى منع احتلال أماكن العمل (المادة 27).
واعتبر المجلس أن تحديد مفهوم الإضراب وطرق وأساليب ممارسته على النحو الذي ورد في مشروع القانون، قد يؤدي إلى تقييد غير مباشر لفئات كبيرة من الأجراء، بحكم طبيعة عملهم ووسائل الضغط المشروعة المتاحة لهم كاستراتيجيات تكتيكية للتفاوض الجماعي.
ولاحظ تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي “تغليب البعد الزجري” في مشروع قانون رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، ونبه إلى إشكالات في تعريف المشروع للإضراب.
وأشار المجلس، في رأي له بشأن مشروع قانون الإضراب، أصدره بعد إحالة من رئيس مجلس النواب، إلى تغليب البعد الزجري على الإطار التشريعي “الغاية منه أساساً هي تنظيم حق الإضراب وإحاطته بالضمانات القانونية الضرورية لممارسته”.
وتابع المصدر ذاته أن مشروع القانون خصص له 12 مادة من أصل 49 للزجر، “مما يرجح المقاربة التقييدية، ويخلق انطباعاً غير إيجابي وتوجساً تجاه المبادرة التشريعية برمتها”.
اترك تعليقاً