عنوانها التوازن والاستقلالية.. مركز يعدد الأبعاد الاقتصادية والأمنية والسياسية للشراكة المغربية الفرنسية

كشف مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، عن تقرير شامل حول الشراكة المغربية الفرنسية التي تم توقيعها بين الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مؤكداً أنها تمثل نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، تتجاوز التعاون التقليدي نحو بناء شراكة استراتيجية شاملة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ووفقاً للتقرير، الذي أعده رئيس المركز، علي الغنبوري، فإن هذه الشراكة تتميز بتبني رؤية جديدة تهدف إلى تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية لكل من المغرب وفرنسا، ما يتيح للمغرب توسيع نفوذه في إفريقيا وأوروبا، ويُمكن فرنسا من الحفاظ على دورها في إفريقيا وسط المنافسات الدولية المتزايدة.
استقلالية استراتيجية
يستعرض التقرير الأبعاد الاقتصادية التي تلعب دوراً حاسماً في هذه الشراكة، حيث أشار الغنبوري إلى أن العلاقة الاقتصادية بين المغرب وفرنسا تتمتع بتاريخ طويل من التبادل التجاري والاستثمارات الفرنسية، لكن التحولات الاقتصادية الحالية، ومع رغبة المغرب المتزايدة في تحقيق استقلالية اقتصادية وتخفيف الاعتماد على الشركاء التقليديين، أدت إلى تعزيز أهمية هذه الشراكة الاستراتيجية، موضحا أن المغرب يطمح اليوم إلى أن يصبح مركزاً إقليمياً للتجارة والصناعة بين إفريقيا وأوروبا، ما يرفع من قيمته كشريك دولي مهم.
ويضيف التقرير، أن التعاون الاقتصادي بين البلدين يعتمد بشكل رئيسي على قطاعي السيارات والطيران، إلى جانب الصناعات التكنولوجية الناشئة، ما يعزز من مكانة المغرب الاقتصادية إقليمياً، مشيرا إلى أن فرنسا تواجه تحديات جديدة في السوق المغربية نتيجة لبروز قوى اقتصادية جديدة مثل الصين وتركيا وإسبانيا، بالإضافة إلى الحضور الأمريكي القوي، ما يدفعها إلى ضرورة ابتكار نموذج تعاون يعزز من القيمة المضافة للشراكة مع المغرب، ويأخذ في الاعتبار سعيه لتنويع شراكاته.
دعم متبادل ومصالح مشتركة
من الناحية السياسية، يعتبر التقرير أن الدعم الفرنسي الواضح لموقف المغرب في قضية الصحراء يعزز من قوة الشراكة ويؤكد على التزام فرنسا بتوازن إقليمي إيجابي يصب في صالح المغرب، إذ تعتمد فرنسا على المغرب كشريك مستقر يمكنه دعم استقرار المنطقة المغاربية، وقد تبنت موقفاً داعماً لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل للصراع، ما يرسخ من قوة المغرب دبلوماسياً على الصعيد الدولي.
في المجال الأمني، أكد التقرير على أهمية التعاون المشترك بين البلدين في مواجهة التحديات الأمنية كالهجرة غير الشرعية والإرهاب، حيث يسهم المغرب بدور فعال في إدارة الحدود المتوسطية، لكن مع الحرص على تجنب التوصيف “كدركي” للمنطقة، ويشدد التقرير على أن الحل يكمن في سياسات تنموية شاملة تدعم استقرار إفريقيا، ما يساهم في خفض تدفقات الهجرة بشكل طبيعي عبر معالجة الأسباب الجذرية.
نحو شراكة مستدامة
ويرى المركز أن الشراكة بين المغرب وفرنسا تعتبر نموذجاً للتعاون الأوروبي الإفريقي، خصوصاً في ضوء التحديات العالمية المتزايدة التي تشهدها منطقة الساحل وشمال إفريقيا، حيث يسعى البلدان لتعزيز التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف، ودعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ويركز التقرير على أن نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة البلدين في إشراك الدول الإفريقية في هذه المساعي لتعزيز استقرار المنطقة بشكل فعال.
فيما يتعلق بالاقتصاد الأخضر، يشير التقرير إلى أن الشراكة المغربية الفرنسية تتطلع لتعزيز التعاون في مواجهة التغيرات المناخية، عبر الاستثمار في الطاقات المتجددة وحماية التنوع البيولوجي، وتطوير حلول بيئية مبتكرة خاصة في مجالات المياه والزراعة. وبهذا الصدد، يمكن للمغرب وفرنسا بناء موقف دولي موحد للدفع نحو الالتزام بالتزامات مناخية صارمة، ويطمح المغرب، الذي يعتبر رائداً في مجال الطاقة المتجددة، إلى أن تكون تجربته مثالاً يُحتذى به دولياً.
يؤكد المركز أن نجاح الشراكة المغربية الفرنسية يعتمد على قدرة الطرفين في تطوير نموذج تعاوني يأخذ في الاعتبار التحديات الإقليمية والدولية، ويسعى لتحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والاستقرار الإقليمي. إذا ما تحققت هذه الشراكة بفعالية، فستشكل نموذجاً يحتذى به في التعاون الدولي، يسهم في تعزيز استقرار المنطقة وبناء شراكة متوازنة ومستدامة تلبي تطلعات البلدين.
اترك تعليقاً