أخبار الساعة

هكذا تعاني الجماعة الإسلامية في بنغلاديش

في انتخابات 1970 فاز حزب رابطة عوامي بزعامة مجيب الرحمن والد الشيخة حسينة بالانتخابات التشريعية في باكستان في ديسمبر 1970، وكانت هذه أول انتخابات بعد حكم عسكري دام نحو 22 عاما. فاز “رابطة عوامي” بالأغلبية المطلقة؛ إذ حصل على (162) مقعدًا من مجموع (313) مقعدًا، عدد مقاعد الجمعية الوطنية، وجاء في المرتبة الثانية حزب “الشعب” الذي يتزعمه “ذو الفقار علي بوتو”، بينما لم تحصل الجماعة الإسلامية إلا على 3 مقاعد فقط.

دعا زعماء الجماعة الإسلامية حينها (أبو الأعلى المودودي وغلام أعظم) إلى تمكين مجيب الرحمن وحزبه من الحكم، ولكن بوتو لم يلق بالا لنداء الجماعة، فاقترح أن يكون رئيسان للوزراء، هو في باكستان الغربية ومجيب الرحمن في باكستان الشرقية.

بدأت الاحتجاجات في باكستان الشرقية (بنجلاديش) في شهر مايو ١٩٧١، واعتقل مجيب الرحمن، فشرع الجيش في قمع حزب رابطة عوامي؛ فأخذ قادته بالفرار إلى الهند، ومعهم الماركسيون اللينينيون، فأعلن استقلال بنجلاديش، وتدخلت الهند في الحرب، بينما كان الإسلاميون والشيوعيون الماويون ضد الانفصال ويرفضون تدخل الهند؛ لأنها البلاد ستصبح بعد الاستقلال تبعا لها.

انفصلت بنجلاديش بمساعدة الهند في ١٦-١٢ -١٩٧١ فاعلن مجيب الرحمن دولة علمانية ومنع الدستور قيام أحزاب على أساس ديني، فحل الجماعة الإسلامية، وحرم غلام أعظم (أمير الجماعة الإسلامية من جنسيته واعتقل كثير من زعماء الجماعة بتهمة مساعدة الجيش الباكستاني.

أقيمت محكمة لمحاكمة ١٩٥ ضابطا من الجيش الباكستاني بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وأقيمت محكمة أخرى لمحاكمة المتعاونين مع الجيش الباكستاني وقدم أكثر من ٣٠٠٠٠٠ للقضاء.

بعد اتفاقية شيملا بين باكستان والهند وبنجلاديش، ألغيت محكمة جرائم الحرب وأفرج عن ٩٣٠٠٠ جندي باكستاني، من ضمنهم الضباط 195.

تم العفو على كل من تعاون مع الجيش الباكستاني باستثناء الذين ارتكبوا جرائم قتل أو اغتصاب أو نهب أو حرق، فقدم إلى المحاكمة أكثر من 2000 شخص، لم يكن منهم أي عضو من الجماعة الإسلامية.

في عام ١٩٧٥ قتل الشيخ مجيب الرحمن وعائلته، في انقلاب عسكري، بينما نجت ابنته حسينة وأخت كانتا تدرسان بالخارج، كما قتل في الإنقلاب قياد حزب رابطة عوامي.

في ١٩٧٧ عادت الجماعة إلى ممارسة النشاط السياسي، ورجع البروفيسور غلام أعظم من منفاه بالسعودية إلى بنجلاديش في ١٩٧٨
شاركت الجماعة في كل الانتخابات منذ ١٩٧٩وحصلت على مقاعد في البرلمان.

في الفترة من ١٩٨٣ إلى ١٩٩٠ شاركت الجماعة مع الحزب الوطني ورابطة عوامي في احتجاجات ضد حكم الجنرال حسين محمد إرشاد، فاضطر إرشاد إلى التخلي عن السلطة، فأجريت انتخابات في ١٩٩١ بإشراف حكومة مؤقتة غير حزبية حصلت فيها الجماعة الإسلامية على ١٨ مقعدا والحزب الوطني بقيادة خالدة ضياء، أرملة الرئيس السابق ضياء الرحمن على ١٤١ من مجموع ٣٠٠ مقعد، فتحالفت مع الجماعة دون أن تشارك الجماعة في الحكومة.

اعتقلت حكومة خالدة ضياء البروفيسور علام اعظم- أمير الجماعة الإسلامية- بتهمة أنه دون جنسية بنجلاديشية، فرفعت الجماعة الأمر إلى القضاء، فحصل أعظم على الجنسية؛ بموجب قانون أبناء الأرض، يعني أنه ولد في أرض بنجلاديش.

رفضت خالدة ضياء فكرة حكومة مؤقتة غير حزبية للإشراف على الانتخابات، فاستقال أعضاء الجماعة، ومنهم مطيع الرحمن نظامي من البرلمان، كما استقال كذلك برلمانيو عوامي ومنهم الشيخة حسينة، وخرجوا للشوارع يتظاهرون ضد حكومة خالدة، فأدعنت، وخسرت الانتخابات، التي فاز بها حزب رابطة عوامي بقيادة حسينة في ١٩٩٦، فـأصبحت حسينة رئيسة للوزراء أول مرة.

طيلة خمس سنوات التي ظلت فيها حسينة في السلطة لم تمس الجماعة الإسلامية بسوء.

لكن شعر خلال هذه الفترة أن حسنية تعمل على وضع البلاد تحت الوصاية الهندية، عرفانا بمساعدة الهند لوالدها، فتحالفت الجماعة مع الحزب الوطني ضد رابطة عوامي واستطاعا الفوز في انتخابات ٢٠٠١ وشاركت الجماعة لأول مرة في الحكومة.

لم يقبل العلمانيون والشيوعيون والهند وأعداء الإسلام، ما آلت إليه الأمور، فخططوا وانتظروا الفرصة، فلما لم يجدوا ما يتهمون به وزراء الجماعة؛ لأنهم نظيفوا اليد، وهذا باعتراف وسائل إعلام أجنبية، رجعوا أربعين سنة إلى الوراء، أي إلى أحداث 1971 ليلفقوا قصصا عن جرائم حرب اقترفها قادة الجماعة الإسلامية، وبدأوا في الترويج لها.

في عام ٢٠٠٦ انتهت فترة حكومة الحزب الوطني والجماعة الإسلامية، فحرك حزب رابطة عوامي وحلفاؤه من الشيوعيين الفوضى في الشوارع، فتدخلت أمريكا والأمم المتحدة والهند وبريطانيا في الشؤون الداخلية لبنجلاديش، فتولى الجيش زمام الأمور وألغى الانتخابات، ونصب رئيس وزراء صوري، بينما كان كان قائد الجيش، معين الدين، هو الحاكم الفعلي للبلاد.

ظل الجيش يمسك بزمام الأمور لمدة سنتين، بعدها سلم الحكم للشيخة حسينة وحلفاؤها في انتخابات مزورة. فبدأت حسينة تعد العدة للبقاء في السلطة بأي ثمن، والقضاء على الهوية الإسلامية لبنغلاديش، وعلمنتها، وجعلها تحت الوصاية الهندية ومن أجل هذا لا بد لها من تخظي ثلاث عقبات:

الجيش الذي يكن العداء للهند، والجماعة الإسلامية باعتبارها أقوى خصم سياسي، والمناهج التعليمية، التي تحافظ على الهوية الإسلامية لبنغلاديش.

بدأ المخطط باستهداف الجيش، وذلك بتصفية أكثر من خمسين ضابطا، وطرد عدد آخر، ممن يرفضون السيطرة الهندية على البلاد، ولا يدينون بالولاء لحزب رابطة عوامي، ثم انتقلت حسينة لضرب الجماعة الإسلامية، وذلك بإعدام قادتها التاريخيين الذين أعادوا أطلاق نشاطها السياسي بعد 1971.

حتى الآن تم إعدام ٤ من قادة الجماعة، منهم أميرها مطيع الرحمن نظامي، ومات ٢ في السجن، منهم أميرها السابق البروفسور خلال أعظم، وقد يحكم على أربعة قادة آخرين رهن الاعتقال بالإعدام كذلك، ومنهم مؤسس البنك الإسلامي مير قاسم علي.

وقد عينت حكومة حسينة رئيسا شيوعيا على رأس المحكمة التي اسمتها “المحكمة الدولية لجرائم الحرب” وقد اضطر هذا الرئيس للاستقالة بعد ما عرف بـ “فضيحة سكايب” فقد نشرت مجلة الايكونوميست البريطانية نحو 200 ساعة من المحادثات بينه وبين صديق له وهو شيوعي أيضا، يقيم في بروكسل كان يعد الحكم بإعدام قادة الجماعة حتى قبل بدء المحاكمة، ورغم هذه الفضيحة عينت حسينة رئيسا جديدا للمحكمة.

عمدت حسينة كذلك إلى حشد شهود الزور، وقد افتضح الأمر لما نشر علي يوتيوب فيديو مسرب لأحدهم يدعى شمس الحق نانو، فأنكر أنه المتحدث في هذا الفيديو، لكن بعرض الفيديو مع فيديوهات أخرى له على خبير أمريكي في تحليل نبرة الصوت، فضحه وأكد أن الفيديو المسرب، والذي يعترف فيه بأن حسينة طلبت منه الإدلاء بشاهدته بالاعتماد علىى الترهيب والترغيب، يعود لنانو.

وما زالت حسينة متمادية في استهداف الجماعة الإسلامية، فقد أصدرت حكومتها قرارا بمصادرة بيوت من أعدموا، كما تعتزم منع الجماعة من حقها في العمل السياسي، وتحاول وضع يدها على أكبر وأنجح بنك في بنغلاديش، البنك الإسلامي الذي أسسته الجماعة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

وكانت سلطات بنغلاديش قد أغلقت قناة “ديغنتا” التفلزيونية التابعة للجماعة.

وتعمل حكومة رابطة عوامي على تغيير المناهج التعليمية، لعلمنة التعليم، وحذف كل ما يمثل الهوية الإسلامية لبنغلاديش منه.

وفي إطار حربها على الجماعة الإسلامية تصر الشيخة حسينة واجد على اتهام الجماعة بكل العمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد، رغم عدم وجود أي أدلة تدينها، بل بالعكس فأحد منفذي هجوم الحي الدبلوماسي في دكا، والذي تلقى تعليما علمانيا واسمه روحان امتياز، هو نجل أحد زعماء حزب حسينة واجد، لكن الشيخة حسينة اتهمت “أبناء مجرمي الحرب” بتنفيذ الهجوم.