وجهة نظر

انقلاب تركيا :أليس في العالم رجل ديمقراطي ؟

سقط القناع عن القناع وظهر للجميع أن الغرب وبعض العربان صعب عليهم تعريف الديمقراطية وتمثلها،-كما استصعبواتعريف الإرهاب- فجأة ألغي تراث اليونان وفكر الأنوار في الموضوع وأجبرونا ثانية على استحضار نظرية المؤامرة التي كثيرا ما كفرنا بها،بينما هم بمؤسساتهم الإعلامية وخرجاتهم السياسية وساستهم الاقتصادية ومواقفهم المتخاذلة، كالتي تتبعناه بصدمة واندهاش بعيد تحليق طائرات الانقلابينفي مدن تركية حوالي الساعة الثامنة مساءا يوم أمس، 15 يوليوز 2016، وكأن الأمر دبر بليل لأن أردوغان استعصى عن الترويض فلا التطبيع ولا العلمنة ولا الإيمان العملي بقواعد اللعبة الديمقراطية كاملة غير ناقصة كان كافيا، فسقف المطالب عال والحد الأدنى في الكرامة وإن كانت ممزوجة بالواقعية مرفوض مرفوضمرفوضيا أولاد وطني .

الانقلاب الخامس في تاريخ تركيا منذ عام 1960، السنة التي قررت فيها المؤسسة العسكرية حشر نفسها في المجال السياسي، عوض التفرغ التام لحماية الحدود في وجه العدو وما أكثره نظرا لموقع البلاد الاستراتيجي المهم جدا، ونظرا أيضا لعمقهم التاريخي العثماني وفتوحاتهم التي يبدو أن أوروبا لم تستسيغها حتى الان، ناهيك عن مزاحمتها للقوى التقليدية في الأسواق العالمية، والمواقف الرجولية لرجل تركيا الأول مع قضايا عدة أبرزها فلسطين، وبلدان مابعد الربيع العربي كمصر أو تلك التي تحاول أن تصنع ثورتها بنفسها رغم جبروت الحاكم، وصمت الجوار وتنكر أصدقاء الشعب السوري نموذجا أقصد قتلة الشعب السوري نارا أو صمتا .

لا أحب شخصنة دولة أو نظام في شخص لتجربتنا المريرة في البلاد العربية مع الأمر،لكن في هذه الحظة التاريخية يجوز لنا أن نقول أن تركيا طيب رجب أردوغان وما أصبح يمثله من تجربة نموذجية في الممارسة السياسة، وسرعة تحقيق القفزات الاقتصادية والمواقف الاقليمية و الدولية والتنمية الشاملة عموما،بات عبئا وغير مرحب به في دوائرعدة عجميةإمبريالية أو عربية تابعة خنوعة على السواء، وقد اتضح ذلك جليا في الطريقة التي تعاطى بها بعض الإعلام في الساعات الثلاث الأولى من المحاولة الانقلابية الفاشلة.

هذه المؤسسات الإعلامية التي كانت متحمسة للانقلاب العسكري أكثر من فتح الله غولن وباقي الانقلابين، بسرعة البرق لم تقدم الخبر وتحلل بعض جوانبه في انتظار اكتمال المشهد، وإن كان هذا حق أريد به باطل، ببساطة لأن وقوف العسكر في وجه عملية ديمقراطية يعني في أوليات العلوم السياسية انقلاب عسكري مكتمل الأركان،وهذا التعريف لا يسقط بالساعات ولا بالعقود بل تحدثت عن ما بعد أردوغان وتعمقت في نقاش الأسباب والمسببات التي جعلت الشعب التركي يثور على حد تعبيرهم .

في تناغم تام بين السياسي والإعلامي باستثناء دولة قطر كل دول العالم -على حد علمي – اكتفوا بأنهم يتابعون بقلق ما الت إليه الأوضاع ويدعون (الجميع ) إلى ضبط النفس وعدم إراقة الدماء بما في ذلك “الناتو” التي تعتبر تركيا عضوا نشيطا فيه وبمافيهم هيئة الأمم المتحدة والدول المؤثرة عالميا ؟؟

هذا الخذلان وجد بالمقابل تماسكا سياسيا وشعبيا داخليا كسر أفق انتظار الحاقدين على التجربة، هناك حيث كانت كل الأحزاب التركية يمينا ويسارا من داخل الحكومة أو من خارجها حزبا واحدا تركيا وفقط،حتى تعود الديمقراطية التي تشربوها وفهموها بل واستوعبوها إلى مسارها الصحيح والطبيعي .

مقرف ومحير أن نجد دولا لها باع في الديمقراطية قامرت بالحكومة المنتخبة والشعب التركي الأبي في الساعات الاولى من الانقلاب بينما تقدم تقدم دروسا الان في حقوق الإنسان وتناديبضرورة توفير محاكمات عادلة للانقلابيين بعد أن أيقنت أن السيناريو المصري الانقلابي مستبعد أليست الديمقراطية وحقوق كل كوني لا يتجزأ يا عالم النفاق.

انطلاقا من هذه المواقف المؤثرة والملهمة داخليا،والمغرقة في الخذلان خارجيا بالنسبة لتركيا في علاقتها بحلفائها، علينا في المنطقة العربية التي تعيش على أرباع الانقلابات و أنصافها يوميا أن نعتبر ثانية وثالثا من أحفاد العثمانيين، وغيرهم من النماذج الحية المتقاربة مع واقعنا، وذلك عمليا بالمزيد من التماسك والدمقرطة الحقيقية والعدالة الاجتماعية والتعويل على أنفسنا لا الخارج، فالفرق كبير بين من يعول على الأخر والدبابة للجم مطالب شعبه في التحرر والانعتاق من براثين التفقير والتجيهلالممنهج كبشار مثلا، وبين شعب وقف أمام البندقية وفتح صدره للنار من أجل الدولة والمؤسسات والرخاء حتى لا يصادر صوته الانتخابي أولا ومن أجل عيون باني تركيا الحديثة والحداثية الطيب أردوغان ثانيا .