وجهة نظر

الشعوب من تحمي الأوطان.. من شر فاسد إذا فسد

لقد ضبط مخططو محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا – وهم مجموعة صغيرة من داخل الجيش كما صرَّح رئيسُ الوزراء التركي ” بن علي يلدريم ” – كلَّ شيء وحسِبوا لكل مسألة حسابَها ، وحدَّدوا الخطة بسرية عالية مراهِنين على عُنصُري الصدمة و الفُجأة مع اختيارٍ محسوب للحظة الانقضاض و لمواقعِ الضربات بشكل متناسق ، متجرِّدين في ذلك من أدنى حظ للوطنية ، فنسَّقوا مع أعداء الأمة التركية في الخارج والخونةِ من الداخل ، وأعدُّوا العدة و العتاد ، وتوكلوا على شياطينهم الذين وفروا لهم الملايير من الدولارات الأمريكية والروسية ، وضَمِنوا لهم التبريكات الدولية الجاهزة للتَّقاطُر تِباعا بمجرد أول إعلان عن نجاح الانقلاب . كما وضعوا كلَّ أبواقهم الاعلامية الرخيصة رهن الإشارة لتزييف الحقيقة مرة أخرى كما حدث في مصر .

وفعلا بدأت التسخينات الأولى لتصريف تلك المواقف ، عن طريق تسلل بعض التصريحات المتخاذلة تدريجيا عبر المنابر الإعلامية العميلة المرئية و المكتوبة مند اللحظة الأولى لبداية المحاولة الانقلابية الفاشلة ، تمهيدا لإعلان “نصرهم” المرتقب .

لكن ما لم ينتبه له الانقلابيون هو أن تركيا اليوم لم تتحول نحو الديمقراطية على مستوى الدولة والمؤسسات فحسب ، بل المجتمعُ كلُّه تحول في ذات الاتجاه ، و الشعبُ وصل ذروته في النضج السياسي حيث أصبحت الديمقراطية عقيدةً مشتركة راسخة عند كل أطيافه فردا فردا ، ومستعدون للدفاع عنها بغض النظر عن أعراقهم ومعتقداتهم وأحزابهم . ولذلك لم يتأخر حزب من الأحزاب التركية عن الإعلان عن رفضه القاطع للانقلاب عن السلطة المدنية التي أفرزتها صناديق الاقتراع ، ولم يتوانى الشعب عن الخروج بالملاين في كل المحافظات والمدن التركية لمواجهة الدبابات بصدورهم العارية و عزيمتِهم العالية مند اللحظات الأولى ، ويرابطون في كل الميادين وإنْ كَلفهم ذلك تقديم شهداء و جرحى من أجل الوطن .

هذا الجانب ، لم يغفله الانقلابيون في تخطيطهم ، بل لم يدركوه أصلا ! لبُعد طُغمتهم عن قلب المجتمع وعدم انصهارهم في همومه ولِتبعيتهم للغرب وارتِهانهم بالتقارير التي تأتيهم منه عن تركيا ، فضنوا أنهم سيعيدون تجربة السيسي على أرض تركيا و شعبِها ونُخبِها وسياسييها .

كما لم يُدرك هذه الحقيقة بعدُ بعضُ مثقفينا وسياسيينا بقطرنا الحبيب المغرب أو ربما قد أصابهم الخَرَف ، وهم يتسارعون مند اللحظات الأولى عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي بطرح تبريراتهم للوضع في تركيا تمهيداً لتوفيرِ أجواءِ تبييض الانقلاب على الديمقراطية .

لقد أعطت تركيا قاطبة درسا بليغا لكل أحرار العالم ، أن الديمقراطية خط أحمر لكل القوميين واليساريين والعلمانيين والثوريين والاسلامين ، وأن مبادئ الديمقراطية غير قابلة البتة للمساومة . فقد أخدوا الدرس من تاريخ انقلاباتهم و من مصر ، أن الانقلابات نار تُحرق الرطب و اليابس ، وأن الانقلابين حينما يستولون على السلطة ، لا تقبلون حتى بعُشُر الديمقراطية لِمن يوهمون أنفسهم بنصفها في أحضانهم .

لقد قدَّم شعب تركيا اليوم بإسقاطه لمحاولة الانقلاب ملحمةً للعالم ، أن الشعوب هي من تبني و تحمي بلدانها . وأنها لا تُقهر عندما تلتزم الإخلاص والصواب في أمورها فتمتلك القدرة والارادة :

فالإخلاص يختزل الإرادة التي تتجلى في حب الشعب تحصيلَ حريته و امتلاك أمره بيده و إرادة ذلك .
والصواب تجسده القدرة التي تتجلى في معرفته كيفية تحصيل هذا الأمر وامتلاك أسبابه .

وقد عرف الشعب التركي كيف يريد وكيف يصل الى ما يريد ، وتذوقنا معه حلاوة ثمرة هاتين الميزتين في هذين اليومين العظيمين 15/16 يوليوز 2016 من تاريخها الحديث .

فشكرا للشعب التركي العظيم على هذا الدرس ..