وجهة نظر

دروس وعبر من الدرس التركي

قال ربنا الكريم:

1-( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم):

التلاحم بين القيادة التركية المنتخَبة ديمقراطبا بشهادة العالم وبين الشعب المنتخِب بإرادة حرة فوت على دعاة الفتنة الفرصة، وتمكنت القيادة من حماية نفسها بوعي وإسناد من انتخبها ورضيها مدبرة لشؤونه، ولو كان الشعب متذمرا من قادته لاهتبل الفرصة لإسقاط شرعية قادته بإسناد دعاة الانقلاب. والفرق بين حماية الشرعية بإرادة حرة من الشعب وبين حماية الانقلاب بالحديد والنار – كما هو الحال في مصر- كالفرق بين الحق والباطل. وكالفرق بين الزبد وبين ما ينفع الناس( فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض)

– القيادات الرشيدة تبني مشروعيتها الحقيقية على خدمة الشعب وتبني هموم الناس والانشغال بقضاياهم اليومية، والشعب الواعي يُسْلس القياد لقادته عندما يأنس منهم الرشد والوفاء، ولا يخذلهم ولا يرتمي في أحضان الأعداء؛ خدمة للأجندة المهلكة للحرث والنسل

2- قال عز شأنه:( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا):

الجماعات والتنظيمات الغبية البليدة عندما يضيق أفقها ويختنق مشروعها ولا يتسع ليكون شاملا بشمول الإسلام ورحابته،تنتعش في أجواء الديمقراطية والحرية وتتضخم وتنتفخ عدديا وكميا فتحشد وتعبئ وتراكم، ولا تنخرط في الواقع بتدرج وحلم وأناة وإصرار، وتصويب للأخطاء باستمرار؛ تعيش تميزا وهميا صوريا، فتجازف وتصرف الجهد في المعركة الخطأ وتسجل الأهداف بعد الدقيقة التسعين عندما يفرغ الملعب، أو في حالات الشرود عندما يصفر الحكم، فتلهث وراء السراب ولا تجني غير الخراب( كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا) أو( كسراب بِقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد اللهَ عنده فوفاه حسابه)،وينطبق هذا على جماعة كولن ومن يتقاسم معها الرؤية( عفوا عدم الرؤية) إذا صح ضلوعها في محاولة الانقلاب.

– عمى البصيرة وهو ما تعبر عنه “قناة البصيرة” بتغييب موازين الشرع وأولوياته ومراتب أحكامه ومقاصدها يترتب عنه ضيق في الأفق، وبخس للجهود، وتسطيح للفهم والادراك، وكل ذلك ينتج ردود أفعال متهورة وارتماء ممقوتا في أحضان أولياء النعمة، وأعداء الملة ببراغماتية مفضوحة لا تستند إلى نقل صحيح ولا عقل صريح.

-تفاعل المجتمع المغربي مع الحدث التركي متابعة وترقبا واستشرافا لنتائج المحاولة اليائسة البئيسة أبان عن وجود اصطفافين:

أ- اصطفاف مع المنطق وتوازن التقدير وركون إلى الحق والعدل وهذا التوجه توجس خيفة من نجاح المحاولة بل هرع للتوّ للاستغاثة بالعلي القدير ألا يمكن للظالمين المعتدين.

ب- واصطفاف محكوم بالحنق الايديولوجي والعداء المستحكم للتجربة التركية ومصادر قوتها واعتزازها بهويتها وتدرجها بديمقراطية معتبرة في تصريف مشروعها، وهذا التوجه كما احتفى ودعم بالواضح أو بغير المباشر انقلاب مصر تشوف وطار قلبه شوقا لتكرار السيناريو في تركيا، لكن الله قضى أمرا كان مفعولا، وشتان بين من استغفل الشعب وقمعه بالحديد والنار، وانقلب على شرعية وليدة بُعيد استبداد وتحكُّم دام أزيد من ثلاثين سنة،مازال المجتمع والمؤسسات وأطراف وازنة في الدولة لم يستسيغوا دقة المرحلة وأفق الانتقال فاستمالهم الطغيان بسند خارجي مفضوح وأُخذ الشعب على حين غرة-ولا بد أن يصحو ولو بعد حين- ؛ وبين من قطع شوطا في ترسيخ قواعد الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة، وتنمية البلد وخدمته وتبني هموم الشعب.
فالمحمي بالحديد والنار والقمع ونفاق المنتظم الدولي كالزبد الذاهب جفاء، والمحمي بالإرادة الحرة، والصدق في الخدمة والوفاء للعهود والمواثيق والعدل وإشراك البلد في خيراته وثرواته كالذي يمكث في الأرض.

3- بين الدعوي والسياسي خيط ناظم قلّ من التنظيمات والهيآت من يُحكم الموازنة بينهما، ويفوض لكل مجال واختصاص صلاحياته وطريقة اشتغاله، فيحافظ الداعية على قدر من الاستقلالية في تصريف الخطاب الدعوي الممتاح من المرجعية الإسلامية بفهم منضبط، ونظر سديد، ويحافظ السياسي على ممارسة العمل السياسي بمهنية واحترافية ووفق قواعد الممارسة السياسية الناضجة، وموازين القوى في معترك التدافع؛ بنفَس رسالي قوامه خدمة مشروع الإصلاح والتغيير، بوسائل السياسة وأدواتها ومؤسساتها جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد ؛ ومن شأن هذا المسلك أن يوحد الغايات والأهداف الكبرى، دون أعراض جانبية، ودون تداخل في الوظائف والاختصاصات تنطمس معه الرؤية وتتشابك المهام. ومن جهة أخرى دون فصام نكد بين التربية والدعوة، وبين الاهتمام بالشأن العام، أو بتعبير آخر؛ متابعة أحوال الناس في معاشهم، بالموازاة مع الاهتمام بأحوالهم في معادهم. وفق صورة متكاملة متعاضدة متآلفة في الرؤية والمقاصد والغايات، متباينة في طرق الاشتغال ووسائل العمل، وهذا يفتح بالتأكيد أفقا واسعا للتعاون على الخير مع الغير من أهل الفضل والاستقامة ، بغض النظر عن انتماءاتهم التنظيمة وميولاتهم السياسية.

والله من وراء القصد