وجهة نظر

منهاج التربية الإسلامية الجديد: كثافة المداخل الصوفية وانحسار قيم الانفتاح

ثمة أكثر من خيار لتحليل المنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية، إذ يمكن تحليله بالقياس إلى الخلفية المعيارية، أي في ضوء التوجيهات الملكية الداعية إلى مراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية، ويمكن أيضا تحليله في سياق مقارن، وذلك بالقياس إلى المنهاج والمقرر السابق، وملاحظة الثوابت والمتغيرات، كما يمكن تحليله أيضا في ضوء مشترطاته ومنطلقاته في علاقتها بالمرجعيات المؤطرة (الميثاق، الرؤية الاستراتيجية).

وسنكتفي في هذا التحليل الأولي بتفعيل الخيارين الأولين على أن نرجئ الخيار الثالث لمناسبة أخرى.

بتفعيل الخيار الأول، أي اختبار مدى وفاء هذا المنهاج للتوجيهات الملكية المؤطرة لمراجعة مناهج وبرامج التربية الدينية، فيمكن أن نلاحظ تفاوتا متوترا بين دعم وتعزيز القيم ذات البعد العقدي والتربوي والصوفي، وبين تراجع معيب لقيم الانفتاح والتعايش والمشاركة، فقد تم التركيز في مقرر التعليم الثانوي التأهيلي على خدمة الهدف الأول(البعد العقدي والتربوي والصوفي) من خلال مختلف الدروس المندرجة ضمن التزكية والقسط والحكمة، في حين انحسرت وتراجعت بشكل كبير الدروس الخادمة للانفتاح والتعايش والمشاركة، وبقيت في حدود ضيقة (الدروس الخادمة لحق البيئة مثلا).

ويعمق تفعيل الخيار الثاني في تحليل هذا المنهاج الجديد (الخيار المقارن) هذه الملاحظة ويعززها، إذ تبين المقارنة الأولية أن المنهاج الجديد أحدث تغييرات جوهرية أدخلت دروسا جديدا، وحذفت عددا من الدروس السابقة، وحاولت الإبقاء على بعض الدروس السابقة لكن بوضعها في نسق خادم لأهدافه.

وهكذا يمكن أن نلاحظ حذف كل الدروس المرتبطة بالانفتاح والتواصل وتدبير الاختلاف في مقرر السنة الأولى باك، كما يمكن أن نلاحظ أيضا حذف كل الدروس المندرجة في المنهاج السابق ضمن وحدة التربية الإعلامية والتواصلية وبعض الدروس المندرجة ضمن وحدة التربية الصحية، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على انحسار وتراجع قيم الانفتاح والتعايش والمشاركة في المقرر المدرسي.

وقذ أخذ هذا الحذف مستويين:

1- مستوى يحمل خلفية سياسية: وفي هذا السياق يمكن أن نفهم حذف درس التشريع الجنائي من السنة الثانية باك، للحساسية التي يطرحها موضوع الحدود والقصاص والتعزيرات.

2- مستوى يحمل خلفية بيداغوجية: وفي هذا السياق يمكن أن نفهم حذف دروس الإرث من السنة الأولى باك لوجود اختيار بيداغوجي يرى عدم مناسبة وجدوى هذه الدروس بالنسبة لهذا المستوى، كما نفهم ضمن نفس المستوى تقليص عدد من الدروس المعرفية أو دمجها كما حصل في السنة الثانية باك بالنسبة إلى الدروس التي كانت تندرج ضمن الوحدة الفكرية والمنهجية.

على أنه لم يتم تبين خلفيات حذف بعض الدروس المحذوفة مثل دروس الإرث، وهل ترجع لأسباب سياسية وحقوقية (قضية المساواة في الإرث) أم لأسباب بيداغوجية تتعلق بالجدوى أو الصعوبة أو عدم التناسب؟

ومن جهة الدروس الجديدة، والتي اندرجت ضمن مداخل التزكية والاقتداء والقسط والحكمة، فقد حملت بعدا صوفيا واضحا، ظهر حتى على مستوى اختيار السور القرآنية، إذ تم في مقرر التلعيم الثانوي التأهيلي اختيار سورة الكهف لكثافة التوظيف الصوفي لها (قصة الخضر عليه السلام) وسورة يوسف لتعميق قضية الرؤى والمنامات التي يركز عليها الصوفية (تفسير سيدنا يوسف عليه السلام للرؤى وتحققها في الواقع) وسورة ياسين لمركزية الآخرة والبعث والنشور في آياتها، كما ظهر هذا البعد في كل المستويات الأخرى، بما في ذلك مدخل القسط الذي كان يفترض أن يخدم البعد الحقوقي في الإسلام، إلا أنه مع هذا المقرر، انصرفت دروسه بالكامل تقريبا إلى التأصيل للأبعاد القيمية التربوية ولم يخدم البعد الحقوقي إلا بشكل نسبي جد محدود.

وتتعزز هذه الملاحظة بمتابعة دروس مدخل التزكية التي ركزت في مجملها على تعزيز البعد القيمي والحضور الضعيف للأثر المطلوب منه في الواقع، فباستثناء درس الإيمان والإلحاد وكذا درس الإيمان وعمارة الأرض، بقيت كل الدروس القيمية في مدخل التزكية تحمل دلالة صوفية مجردة عن آثارها في الواقع.

والأمر نفسه يتكرر مع دروس مدخل القسط، إذ هيمن عليها البعد القيمي الصوفي، وانحسر مجال التفاعل مع منظومة حقوق الإنسان إلا في الحد الأدنى القيمي والتأصيلي (حقوق الإنسان في خطبة الوداع) فغابت الدروس المقارنة بين حقوق الإنسان في الإسلام وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا والتي كانت تركز في المقرر السابق على تفاعل الإسلام مع الحقوق المدنية والحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، أي مع الأجيال الثلاثة من حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا، وحضر بعد واحد في هذه الحقوق هو حق البيئة، فيما أخذ درس التسامح طابعا تربويا بدمجه مع قيمة العفو مما أضعف دلالته الحقوقية والفكرية التي ركز الخطاب الملكي على تعميقها باقتران مع مفهوم التعايش وليس العفو.

أما الدروس المندرجة ضمن مدخل الاستجابة، فقد حملت الرؤية التقليدية نفسها التي تحصر الفقه في العبادات والأحوال الشخصية، مع محاولة تناول المعاملات المالية في الإسلام ضمن سياق المقاصد والضوابط والأحكام لكن في سياق عام (في المقرر السابق كان هناك تفصيل يميز بين العقود العوضية والتبرعية، ويميز بشكل تفصيلي بين العقود المندرجة ضمن كل صنف مع إحاطتها بالأحكام).

أما دروس الاقتداء، فواضح من خلال تتبع تراتبها في المستويات والأسلاك التعليمية أن المقصود بها تعميق حضور السيرة ومركزية الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين الأربعة في تمثلات المتعلمين، بما قد يفهم منه تحصينهم من التشيع الذي تختلف منظومة الاقتداء فيه عن منظومة أهل السنة.

ويبقى البعد الثالث في تفعيل خيار المقارنة في التحليل الخاص بالاستمرارية، أي الدروس التي تم المحافظة عليها في المنهاج القديم، والتي تم التعامل معها بمستويين:

– مستوى التقليص في الحجم: كما هو الشأن في دروس الخصائص العامة للإسلام التي كانت تشمل في السابق الربانية والشمول والتوازن والاعتدال.