منتدى العمق

تعزيز حقوق الإنسان في الوظيفة الأمنية: حماية المهاجرين نموذجا

إن التعاون بين المؤسسات الأمنية و هيئات حقوق الإنسان يثير شكلا مركزيا من اشكال التضافر و التفاعل الايجابي بين الدولة المؤسسية والتزاماتها الحقوقية، خاصة في الظروف التي تشهد تحديات متزايدة على مستوى الهجرة الدولية.

وفي هذا الإطار، احتضن معهد الرباط – إدريس بنزكري – لحقوق الإنسان، بتاريخ  14 أبريل 2025  لقاءا، بين المديرية العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تميز بوضع استراتيجية تنصرف إلى إعادة توجيه الوظيفة الأمنية نحو مقاربة أكثر إنسانية واندماجية، تراعي كونية حقوق الإنسان وشموليتها، دون المساس بأدوار الدولة في الحفاظ على النظام العام.

و يأتي تنظيم هذا الملتقى، المخصص لموضوع “حماية حقوق المهاجرات والمهاجرين”، ضمن دينامية إصلاحية أشمل تسعى إلى تخطي الخلاف التقليدي بين سؤال الأمن ومطلب الحقوق، وهو خلاف يطرح بشكل كبير موضوعا محوريا في الأدبيات النظرية، تحديدا في سياق جدلية الصراع  بين الأمن و الحرية، والتي تفترض وجود علاقة تناقضية بين تعزيز الأمن العام وضمان الحريات الفردية. غير أن مقاربة هذا اللقاء تتجاوز هذا المنظور الثنائي، منتهجة مفهوم “الأمن الإنساني” الذي نشأ في تسعينيات القرن الماضي ضمن محاضر و تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي يقوم على فكرة مفادها أن الأمن لا يقتصر على حماية الدولة من التهديدات، بل يشمل أيضا ضمان كرامة الأفراد وحقوقهم الأساسية، بمن فيهم الفئات الهشة كالمهاجرين.

هذا المسعى المشترك بين المديرية العامة للأمن الوطني والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، يقع على الأغلب ضمن تصور الحوكمة التشاركية، التي تعمل على إشراك الفاعلين غير الأمنيين، كالمؤسسات الحقوقية، في صياغة السياسات العمومية ذات البعد الأمني. هذا التوجه الذي يجد دعامته النظرية في أعمال الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس حول “الفعل التواصلي”، والتي يؤكد فيها على ضرورة بناء التوافق المؤسساتي من خلال الحوار المنطقي الرشيد والانسجام المتبادل، بدل منطق التوجيه القسري والسيطرة.

وقد أوضح السيد والي الأمن أحمد ايت الطالب الذي كان من بين المشاركين خلال هذه الورش على أن هذه الدورة تهدف إلى توجيه ودعم قدرات الممارسين في مصالح العمل الميداني وادماج ثقافة حقوق الإنسان في مناهج التدريب الامني، لتكون مرجعا توجيهيا لعمل موظفي الامن الوطني، خاصة في القضايا المتعلقة بالمهاجرين.

كما أكدت السيدة أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، على هذا التوجه، من خلال الإشارة إلى مواصلة التكوين في مجال حقوق الإنسان، واستهداف الفاعلين الأمنيين.

وعليه يبدو لنا أن هذه الرؤية التنظيمية تسعى إلى تأهيل الموارد البشرية معتمدة في ذلك على ما يسمى بالتنشئة الحقوقية، وهي العملية التي يتم فيها غرس قيم القانون وحقوق الإنسان في سلوك الفاعلين داخل المنظومة الأمنية، حتى تصبح جزء من هويتهم المهنية، وليس فقط إلى معايير خارجية مفروضة عليهم.

وفي جانب أخر، فإن ما يكسب هذا اللقاء طابعا بنيويا هو اعتباره جزءا من دورة تكوينية ثانية، ما يعد إشارة على تراكم الجهود بدل الاكتفاء بالمبادرات الظرفية.

إن مثل هذه المشاريع حتى وإن بدت مقيدة في مداها الزمني أو الجغرافي، إلا انها تساهم في تحولات عميقة على المدى البعيد، من خلال إعادة تشكيل الثقافة التنظيمية للمؤسسة الأمنية.

أما من منظور السوسيولوجيا السياسية، فإن تخصيص هذه الدورة لحماية المهاجرين يعكس فهما متقدما لتقاطع الهويات والهشاشة الاجتماعية، كما تطرحه نظرية العدالة التقاطعية التي طورتها كيمبرلي كرينشو. فالمهاجرون لا يواجهون فقط صعوبات قانونية تتعلق بوضعهم الإداري، بل أيضا تمييزا قد يكون قائما على أساس العرق، اللغة، الدين، أو الوضع الاقتصادي، ما يستدعي مقاربة شاملة تعالج جذور الإقصاء، وليس فقط مظاهره.

كما أن استحضار حقوق المهاجرين ضمن أجندة التكوين الأمني، يرتبط أيضا باشكالية الشرعية المؤسسية، التي تشير إلى مدى قبول المواطنين والمهاجرين على حد سواء. و بإجراءات السلطة و تدخلاتها التي ترتبط بشكل وثيق ومباشر بشعورهم بعدالة ومشروعية تلك المؤسسات. وبالتالي، فإن احترام حقوق الإنسان لا يمثل فقط التزاما قانونيا، بل ضرورة استراتيجية لضمان الاستقرار والثقة المجتمعية.

في ضوء هذه المقاربات، يتضح لنا أن هذا اللقاء لم يكن مجرد نشاط تدريبي عابر، بل يحاكي تجسيدا وتصويرا ملموسا لتحول تدريجي نحو أمن حقوقي بدل الأمن التقليدي القائم على الردع.

غير أن استدامة هذه الدينامية تظل رهينة بمدى اندماج هذه المقاربات في صلب السياسات الأمنية الوطنية، وبوجود آليات للرصد والتقييم والتأثير الفعلي على الممارسة الميدانية.

وتأسيسا على ما تم ذكره، يتبين بوضوح على ان المديرية العامة للأمن الوطني ملتزمة بتطوير وتحسين آليات العمل الأمني، وأن التحدي الذي تخوضه لا يقتصر على تنظيم اللقاءات والدورات التكوينية فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تأسيس ثقافة مؤسساتية قائمة على مبادئ حقوق الإنسان. كما تطمح إلى تأمين هذه الأنشطة وإعادة تشكيلها عبر سلوك عملي ملموس، يتمثل في تراجع بعض التجاوزات الفردية وتعزيز مؤشرات احترام حقوق الإنسان، لا سيما بالنسبة للفئات الهشة.

كما يلاحظ على أن المديرية العامة للأمن الوطني لا تقيس نجاحها فقط بوجود عناصر الشرطة في الشارع، بل أيضا في تحقيق شعور حقيقي بالأمان والكرامة لكل فرد، سواء كان مهاجرا أو مواطن أصلي، في ظل دولة الحق والقانون. وبالتالي، تعمل المديرية على ضمان تقديم بيئة آمنة ومتوازنة تعزز الثقة بين الأجهزة الأمنية والمجتمع، مع الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين في جميع الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *