المبادرة الأطلسية والتكامل المغربي الموريتاني

أعلن الملك محمد السادس ، في الخطاب الملكي ل 6 نوفمبر 2023 الذي ألقاه بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء عن المبادرة الأطلسية التي شكلت تحولا استراتيجيا في المسار السياسي والتنموي للمملكة وكذا في خلق أرضية اقتصادية صلبة لتعزيز التكامل بين المغرب وموريتانيا .
1- الرؤية الإقليمية للمبادرة الأطلسية
يمكن القول بأن إنجاز ميناء الداخلة يشكل العمود الفقري للمبادرة الأطلسية ، حيث أن إنجاز هذا الميناء الضخم والأكبر في أفريقيا يندرج في إطار رؤية إقليمية تجمع ما بين الابعاد التنموية والتكامل الاقليمي .
أولا-ميناء الداخلة والانفتاح على الواجهة الأطلسية
يتوفر المغرب بالواجهة الأطلسية على عدة موانئ وظيفية بالدار البيضاء، والمحمدية، والجرف الأصفر والميناء الجديد لآسفي التي أنجزت لاستيراد وتصدير منتجات طاقية وصناعية وفلاحية. غير أن بناء مركب مينائي بالداخلة، يعتبر ضمن التصور الملكي مشروعا إستراتيجيا لا يقتصر فقط على تنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة بل يعد ضمن الإستراتيجية الملكية الإفريقية بوابة لولوج منطقة غرب إفريقيا(1).
-ميناء الداخلة كرافعة تنموية جهوية
يشكل هذا المشروع الضخم ،الذي تم وضع تصوره في 2016، رافعة اقتصادية في التنمية الاقتصادية، الاجتماعية والصناعية للأقاليم الجنوبية وآلية إدماجية لهذه الأقاليم في النسيج الوطني في إطار الجهوية المتقدمة . وفي هذا السياق أكد العاهل المغربي في خطاب بتاريخ 6 نونبر 2013، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، حرصه « علـى ضـمـان شـروط النجاح لهذا النموذج الطمـوح، القائم على الإبداع وروح التشارك، حيث سيتم تزويده بآليات ناجعة للحكامة المسؤولة، فضلاً عن كونه يندرج في إطار الجهوية المتقدمة، التـي تخـول اختصاصات واسعة للمجالس المنتخبة. ويظـل هـدفنـا الأسمى، جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بعدهـا الجيو-استراتيجي، كقطـب جـهـوي للربط والمبادلات بيـن أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء». وبالتالي فهذا النموذج المقترح يتوخى إرساء دينامية سوسيو-اقتصادية جديدة للتنمية، حاملة للنمو، ومـدرة لفرص الشغل، بالمشاركة الفاعلة لمواطني الأقاليم الجنوبية. وهـو يستهدف تنميـة مستدامة، تقـوم على التوازن بين خلق الثروات وتوفير فرص الشغل، والإعداد المستدام للتراب، وحماية البيئة، وإنعاش الثقافة، واستفادة الساكنة المحليـة مـن ثـروات المنطقة. ولتجسيد عملي لهذا المشروع أعلن العاهل المغربي بتاريخ 6 نونبر 2015 تخصيص ميزانية قدرها 77 مليار درهم (ما يعادل 8 ملايير دولار أمريكي)، بهدف تسريع التنمية والاندماج الاجتماعي والاقتصادي في الصحراء (النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية) الذي شمل مشاريع مهيكلة، على غرار الطريق السريع تيزنيت-العيون-الداخلة وميناء الصيد في لمهيريز ، و تشييد مركز استشفائي جامعي في العيون ومجمع للتكنولوجيا في فم الواد وميناء الداخلة الأطلسي.( 2)وهكذا سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي في الدفع بالدينامية التنموية والطفرة الاقتصادية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية عموما وجهة الداخلة – وادي الذهب على وجه الخصوص، في جميع القطاعات الإنتاجية (الصيد البحري والتجارة والسياحة والصناعة والفلاحة وغيرها). إذ من المتوقع أن يكون لهذه البنية التحتية المينائية وقع إيجابي كبير على النسيج الاجتماعي لمدينة الداخلة وسائر أنحاء الجهة، لاسيما من حيث دعم قطاع التشغيل، عبر خلق فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لمواكبة هذه الدينامية الاقتصادية المتنامية ، من خلال توفره على منطقة صناعية ولوجستيكية، ومنطقة لتعزيز الرواج والتبادل التجاري، وأخرى خاصة بتثمين أنشطة الصيد البحري، حيث من المنتظر أن يستقبل الميناء بواخر تجارية كبرى وأخرى تختص بالصيد في أعالي البحار، مما سيساهم في تعزيز موقعه ضمن الطوط الملاحة الدولية.
– ميناء الداخلة والانفتاح على البوابة الافريقية الأطلسية
يبدو أن مشروع ميناء الداخلة الأطلسي لا يشكل فقط رافعة اقتصادية لتنمية جهوية للأقاليم الجنوبية المسترجعة، يل يندرج ضمن رؤية استراتيجية ملكية شمولية تسعى إلى توطيد الروابط الاقتصادية بين المغرب وعمقه الإفريقي، وأن يشكل واجهة بحرية للاندماج الاقتصادي وقطباً للإشعاع القاري والدولي.(3)إذ يبرز ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يعد أحد المشاريع الهيكلية الكبرى المدرجة في إطار النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، كورش استراتيجي من شأنه تعزيز وترسيخ البعد الإفريقي للمملكة و دعم وتمتين الروابط الاقتصادية والتجارية التي ينسجها المغرب مع عمقه الإفريقي، ليشكل بذلك رافعة أساسية للتكامل الاقتصادي والإشعاع القاري والدولي للمملكة.إذ من المرتقب أن يساهم هذا المشروع الاستراتيجي بقوة في إبراز جهة الداخلة – وادي الذهب، باعتبارها بوابة لبلدان القارة الإفريقية ومركز جذب لمستثمرين مغاربة وأجانب مهتمين بالتصدير إلى إفريقيا، لاسيما في إطار منطقة التبادل الحر القارية.إذ سيأخذ مشروع ميناء الداخلة الأطلسي بعين الاعتبار أهمية الارتباط بالطريق السريع الذي سيربط بين تيزنيت والداخلة ومنها إلى الحدود المغربية – الموريتانية وباقي بلدان القارة الإفريقية، مساهما بذلك في دعم توجه المملكة نحو توطيد علاقات التعاون جنوب – جنوب.( 4) وقد ظهر هذا التوجه واضحا من خلال الخطاب الذي ألقاه الملك بمناسبة الذكرى 45 للمسيرة حينما أكد أن ” ميناء الداخلة سيشكل آلية وانطلاقا من هذه الرؤية، ستكون الواجهة الأطلسية، بجنوب المملكة، قبالة الصحراء المغربية، واجهة بحرية للتكامل الاقتصادي، والإشعاع القاري والدولي.فإضافة إلى ميناء طنجة -المتوسط، الذي يحتل مركز الصدارة بين موانئ إفريقيا، سيساهم ميناء الداخلة الأطلسي، في تعزيز هذا التوجه. وسنواصل العمل على تطوير اقتصاد بحري حقيقي، بهذه الأقاليم العزيزة علينا؛ لما تتوفر عليه، في برها وبحرها، من موارد وإمكانات، كفيلة بجعلها جسرا وصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.”
2- المبادرة الأطلسية والتكامل المغربي الموريتاني
يمكن القول أن الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني للمغرب(5) ستفتح آفاقا جديدة للتعاون بين البلدين، بالاستفادة من فرص اقتصادية وشراكة إستراتيجية توفرها المبادرة الأطلسية، وتنفيذ مشروع نقل الغاز النيجيري إلى أوروبا. فهذه الزيارة تأتي في ظل تحولات إستراتيجية كبرى في القارة الأفريقية وفي العالم العربي والإسلامي، مما يعطيها أهمية بالغة لتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز التكامل الاقتصادي بين البلدين . ولعل ما يدعم نجاح هذه المبادرة عدة عوامل من بينها:
-كون البلدين الجارين من خلال موقعهما الجغرافي وروابطهما التاريخية والثقافية يشكل كل واحد منها للآخر عمقا إستراتيجيا سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.
– الترابط الاقتصادي والتجاري بين البلدين يشكل عاملا أساسيا في تعزيز العلاقات الثنائية ، ومصدر مكاسب إستراتيجية للطرفين، لا سيما أن المغرب نجح في تحقيق تقدم كبير بمجالات مثل الزراعة والطاقة المتجددة والبنية التحتية، ويمكن أن يكون شريكا إستراتيجيا لموريتانيا في دعم خططها التنموية. إذ يعتبر المغرب أول مستثمر أفريقي بموريتانيا في قطاعات متنوعة مثل الاتصالات والبنوك وتحويل وتثمين منتجات الصيد البحري والزراعة، وإنتاج الإسمنت ومواد البناء وتوزيع الغاز المنزلي، بالإضافة إلى توزيع المواد البترولية.كما يعتبر المغرب أول مورد في أفريقيا لموريتانيا بحوالي 50% من البضائع المستوردة، و73% من مجمل واردات موريتانيا من البلدان المغاربية، إذ تتكون الصادرات المغربية إلى موريتانيا من 80% من المواد الغذائية والزراعة والمواد المصنعة وآلات ومعدات النقل، كما تشكل الخضراوات والفواكه 20% من إجمالي تلك البضائع.
– كون البلدين ينعمان بالأمن والاستقرار في منطقة متوترة ويسعيان معا إلى تغليب منطق التنمية والرفاه على منطق الصراع والتجاذب، كما يشكلان موضوعيا في حال تطور علاقتهما البينية منطلقا أساسيا لتبديد عناصر تعثر تحقيق اندماج مغاربي، وتعزيز الموقع التفاوضي لشمال أفريقيا بمواجهة القوى الدولية المختلفة.
-بالإضافة إلى ذلك فمبادرة المغرب للانفتاح على الواجهة الافريقية الأطلسية والانخراط في مشاريع تنمية متكاملة ليست فقط مع موريتانيا بل مع دول أخرى، تحظى بدعم قوى عظمى كالولايات المتحدة والدول الأوروبية والصين، وربما روسيا، نظرا لأهمية المشاريع المشتركة كمشروع أنبوب الغاز الأطلسي وميناء الداخلة الأطلسي، حيث أن هذه المبادرات ستعزز التكامل الإقليمي، وتسهم في تنمية اقتصادية مستدامة، وتُبرز دور البلدين كمحور استقرار في غرب وشمال إفريقيا، وتثبيت دعائم الاستقرار بالمنطقة من خلال مساعدة بلدان الساحل في الولوج إلى المحيط الأطلسي. (6)
وبالتالي ، تعتبر مبادرة الشراكة الأطلسية فرصة كبيرة لتقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين. فمن الناحية الاقتصادية تشكل المشاريع الطاقية الكبرى أحد أبرز محاور التعاون الثنائي، إذ تمثل الفرص المرتبطة باستغلال موارد الغاز الطبيعي والنفط في موريتانيا عامل جذب إستراتيجي للتعاون مع المغرب. كما أن مشروع أنبوب الغاز الأطلسي بين نيجيريا والمغرب، الذي يمر عبر عدة دول غرب إفريقية، يعد مبادرة طموحة تعكس رؤية إقليمية للتكامل الطاقي. هذا المشروع لا يهدف فقط إلى نقل الغاز من غرب إفريقيا إلى أوروبا، بل يسعى أيضًا إلى دعم التنمية الاقتصادية للدول المشاركة فيه، ومنها موريتانيا، التي يمكن أن تستفيد من العوائد الاقتصادية والبنية التحتية المرافقة له. إلى جانب ذلك يرتبط هذا المشروع بمشروع “Grand Tortue Ahmeyim”، الذي يعد أحد أكبر مشاريع الغاز في المنطقة، ما يفتح الباب أمام تكامل اقتصادي طاقي بين البلدين يسهم في تحقيق التنمية المستدامة. فهذه المبادرة ،التي تعكس رؤية المغرب كشريك إستراتيجي لدول القارة الإفريقية، وتسهم في تعزيز دوره كجسر بين إفريقيا وأوروبا، ستسهل على موريتانيا، التي تمتلك إمكانيات كبيرة في مجال الصيد البحري والتجارة، الاستفادة من هذه المبادرة لتعزيز قدراتها التصديرية وتنويع اقتصادها. كما أن التقارب الإستراتيجي بين المغرب وموريتانيا لا يقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل يمتد إلى المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والامنية. فالروابط الثقافية والتاريخية بين البلدين توفر أرضية صلبة لتعزيز التعاون في مجالات التعليم والبحث العلمي والتبادل الثقافي. وعلى المستوى العسكري والأمني يتوقع أن يشهد هذا التعاون تطورًا في مجالات حيوية، مثل الأمن السيبراني واستخدام التكنولوجيا المتقدمة في المراقبة والاستطلاع، وهو ما سيمكن البلدين من تعزيز قدراتهما الدفاعية ومواجهة التحديات المستقبلية. كما أن تنسيق الجهود لمكافحة التهديدات غير التقليدية، مثل الإرهاب العابر للحدود والتغيرات المناخية التي تؤثر على الأمن الغذائي والمائي، سيعزز مناعة المنطقة أمام الأزمات.فمن المتوقع أن يتم استثمار التعاون العسكري كمحرك لبناء شبكة أوسع من الشراكات الإقليمية، تشمل دول الساحل وغرب إفريقيا، بهدف إنشاء منظومة أمنية متكاملة. كما أن التركيز على التدريب المشترك وتبادل الخبرات سيضمن جاهزية القوات المسلحة للبلدين لمواجهة السيناريوهات المستقبلية.وبالتالي تشكل العلاقة الإستراتيجية بين المغرب وموريتانيا حجر الزاوية في بناء منظومة أمنية إقليمية فعالة قادرة على مواجهة التحديات المعقدة التي تواجه منطقة الساحل والصحراء.
وعموما فالعلاقات المغربية-الموريتانية تمثل نموذجًا حيويًا للتكامل الإقليمي الذي يجمع بين التاريخ العميق والمصالح الإستراتيجية المتشابكة. فقد رسخ المغرب وموريتانيا لعقود خلت أسس تعاون يقوم على شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد، تمتد من الجوانب الثقافية والدينية إلى الملفات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ما يجعلها تجربة متميزة تجمع بين التاريخ، الحاضر والمستقبل:
-فعلى المستوى الأمني، تتقاطع مصالح المغرب وموريتانيا في مجالات حيوية تعكس التحديات المشتركة التي تواجههما. فالموقع الجغرافي للبلدين، الذي يربط بين منطقة الساحل والصحراء وشمال إفريقيا جعلهما في قلب التحديات الأمنية التي تشمل الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية. هذه التحديات تفرض تعاونًا مستمرًا بين البلدين لتعزيز الأمن الإقليمي، خاصة في ظل تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. والمغرب، بخبرته في مجال مكافحة الإرهاب وموقعه كمرجع دولي في إدارة التهديدات الأمنية، يقدم نموذجًا للتعاون مع موريتانيا التي تواجه تحديات مشابهة في تأمين حدودها الشاسعة. التنسيق الاستخباراتي بين البلدين، إلى جانب التدريب المشترك وتبادل الخبرات، يعزز من قدرتهما على التصدي لهذه التهديدات بشكل فعال ومستدام.
– أما على المستوى الاقتصادي واللوجستيكي ، فالمغرب، الذي يحتل موقعًا إستراتيجيًا كبوابة بين إفريقيا وأوروبا، يعمل على تقديم نموذج متقدم للتكامل الإقليمي من خلال مشاريع بنية تحتية كبرى، مثل الموانئ والممرات اللوجستية. وموريتانيا، من جانبها، يمكن أن تستفيد من هذه الديناميكية لتعزيز تجارتها البحرية وتنمية قدراتها اللوجستية، ما يدعم تكاملها مع الاقتصاد العالمي.
-بينما على المستوى السياسي ،فيشكل التقارب السياسي بين البلدين الجارين ركيزة أساسية لتعزيز الاستقرار الإقليمي. لكن هذا التقارب ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار خصوصية وحساسية الوضع السياسي الموريتاني الذي يتأرجح ، منذ اندلاع النزاع العسكري والدبلوماسي بين المغرب والجزائر كقوتين اقليميتين في المنطقة المغاربية، بين الحياد والانحياز مما كان له تأثير مباشر على استقرار النظام السياسي الموريتاني تمثل في الانقلاب على نظام المختار ولد داداه من طرف نظام بديل اختار التنازل عن الأراضي المغربية التي تم تفويتها للجانب الموريتاني بموجب اتفاقية 1974. لكن سرعان ما تم الانقلاب على هذا النظام البديل من طرف نظام ولد معاوية الذي سلك سياسة شبه متوازنة اتجاه الطرفين ساهمت في تسهيل إنشاء اتحاد المغرب العربي الذي عرف شللا سياسيا ومؤسساتيا بعد أربع سنوات من تأسيسه بسبب تداعيات النزاع والتنافس الإقليمي بين قاطرتي هذا التكتل الإقليمي الذي أصيب بشلل تام بحكم تراكم الخلاف بين الجزائر والمغرب. والذي كان من الممكن تجنبه من خلال تكامل تدريجي بين مكونات هذا التكتل ، خاصة بين موريتانيا والمغرب . وبالتالي ، فيمكن للمبادرة الأطلسية أن تساهم في تعزيز هذا التكامل في الوقت الذي يمكن للجزائر أن تقيم تكتلا ثنائيا مع تونس أو ثلاثيا مع ليبيا يكون الغرض منه بالاساس تعزيز التكامل الاقتصادي بين هذه الدول بدون أي خلفية سياسية في الهيمنة . ومتى تعزز التكامل الاقتصادي المغربي الموريتاني والتكامل بين كل من الجزائر وتونس وليبيا يمكن آنذاك التفكير في خلق تكتل موسع بين الدول الخمس. وفي انتظار ذلك ينبغي أن يقعد المغرب تكامله مع موريتانيا لكن بدون أي ضغط سياسي يعتبر ضرورة تخلي النظام الموريتاني عن حياده الإيجابي لدعم هذا التكامل. فصانع القرار المغربي حتى في عز ضغوطه على شركائه الأوروبيين للخروج من المنطقة الرمادية متسلحا بورقة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ، لم يقم بالضغط على الشركاء الافارقة كنيجيريا التي أبرم معها أكبر مشروع طاقي أو اثيوبيا الحاضنة لمقر الاتحاد الافريقي وغيرها ، بل قام العاهل المغربي بزيارات لدول افريقية ما زالت لم تعترف بعد بمغربية الصحراء. وحتى في استقبال الملك محمد السادس للرئيس الموريتاني في زيارته الخاصة التي تحولت إلى زيارة رسمية ، لم يتم اشتراط تلك الشروط التي فرضت على رئيس الوزراء الاسباني أو الرئيس الفرنسي ماكرون في ضرورة مساندة المبادرة المغربية في الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية المسترجعة. فالسلطات المغربية تدرك الوضع الخاص والحساس لموريتانيا في رقعة الشطرنج المغاربية ، حيث تركز بالأساس بتنمية الاستثمارية والاقتصادية والاجتماعية بين البلدين وإنجاز المعابر التي تسهل التبادل التجاري مع دول غرب افريقيا عن طريق موريتانيا .
وبالتالي فالعلاقات المغربية-الموريتانية تمثل نموذجًا واعداً للتعاون الإقليمي الذي يجمع بين الرؤية الإستراتيجية والمصالح المشتركة، من خلال إنجاز مشاريع كبرى كأنبوب الغاز الأطلسي ومبادرة فتح المجال الأطلسي لدول الساحل الإفريقي وجنوب الصحراء والتي يشكل فيها الجار الموريتاني بوابة المغرب الافريقية، و نموذجًا للتعاون الإفريقي الذي يمكن أن يعزز الاستقرار والتنمية في القارة بأكملها. فهذا التعاون يمكن أن يؤسس لمبادرات مشتركة تعزز من دور البلدين كركيزة أساسية لموازين القوى في المنطقة، سواء من خلال لعب دور محوري في تعزيز الأمن الإقليمي أو عبر إطلاق مشاريع كبرى تخدم التكامل الإفريقي. كما أن هذه المبادرة الملكية بفتحها المجال الأطلسي أمام دول الساحل الإفريقي ودول جنوب الصحراء، ستؤدي إلى تمكين الدول الإفريقية من الوصول إلى الأسواق العالمية عبر الأطلسي، ما يساهم في تعزيز تجارتها ودعم اقتصادها المحلي.
هوامش
1- يعد ميناء طنجة المتوسط مركزا محوريا لإعادة الشحن بالنسبة لتدفقات البضائع العالمية. ويقدم خدمات بحرية تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا والأميركتين.ويمثل «طنجة المتوسط» قطبا لوجيستيا موصولا بأكثر من 174 ميناء عالميا، بقدرة استيعابية لتسعة ملايين حاوية، وسبعة ملايين راكب، و700 ألف شاحنة، ومليون سيارة، و15 مليون طن من المحروقات.
الملك يدشن ميناء طنجة المتوسط للركاب هسبريس – الأربعاء 30 يونيو 2010 –
2- أكدت “جون أفريك” في مقال بعنوان “المغرب.. ميناء الداخلة الأطلسي، محطة إستراتيجية بالنسبة لغرب إفريقيا”، أنه على الواجهة المتوسطية، وبعد نجاح طنجة المتوسطي، الذي أضحى أول ميناء للحاويات في الحوض، ستتعزز الريادة المغربية قريبا من خلال انطلاق أنشطة ميناء الناظور غرب المتوسط.
Jeune afrique 17/7/2021
3- سيتم إنشاء ميناء بالمياه العميقة على الساحل الأطلسي لجهة الداخلة – وادي الذهب، وفقا للمكونات الثلاثة التالية: ميناء تجاري على عمق 16م ، ميناء مخصص للصيد الساحلي وفي أعالي البحار، وميناء مخصص لصناعة السفن.وسيشيد هذا الميناء بمحاذاة منطقة اقتصادية تمتد على مساحة تقدر بـ 1650 هكتار، وتهدف إلى تقديم خدمات صناعية ولوجستيكية وتجارية عالية الجودة.
سعد أبو الدهاج ميناء الداخلة الأطلسي.. ورش استراتيجي لترسيخ البعد الإفريقي للمملكة
Map expressالإثنين, 3 مايو, 2021 –
4-بهذا الصدد، قال المدير الجهوي لوزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الاخضر والرقمي، بوشعيب قيري، إن مشروع الميناء الأطلسي، الذي يأتي في سياق منظومة من المشاريع التي تستهدف تأهيل جهة الداخلة – وادي الذهب، يشكل منصة للدفع نحو تطوير أنشطة الصيد البحري وتقوية المبادلات التجارية، لاسيما مع الدول الإفريقية
ن م
5-كان الملك محمد السادس قد استقبل الرئيس الموريتاني بالقصر الملكي في الدار البيضاء قبل أيام، وأشار بيان للديوان الملكي إلى أن “اللقاء يندرج في إطار علاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين، وأواصر الأخوة الصادقة بين الشعبين الشقيقين”، مضيفا أن “قائدي البلدين ثمنّا التطور الإيجابي الذي تعرفه الشراكة المغربية الموريتانية في جميع المجالات”.وتُعَد هذه الزيارة هي الأولى للرئيس الموريتاني منذ توليه الحكم في بلاده سنة 2019.يؤكد المغرب وموريتانيا حرصهما على تطوير مشاريع إستراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بأفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الأفريقي-الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، كما جاء في بلاغ الديوان الملكي المغربي.
6-الروداني “الأطلسي والجوار الإستراتيجي: دور العلاقات المغربية-الموريتانية في صياغة مستقبل المنطقة”
هسبريس الثلاثاء 24 دجنبر 2024 –
اترك تعليقاً