منوعات

حسن طارق يكتب.. الدولة الأخرى !

كالعادة لم يكن من السهل أن يمر بلا أثر ، حديث عبدالإله بنكيران أمام شبيبة حزبه، نهاية الأسبوع الماضي، حول وجود “دولة حقيقية يرأسها الملك محمد السادس”، وإلى جانبها “دولة أخرى لا ندري من أين تأتي قراراتها ولا من أين تأتي تعييناتها”.

والمؤكد أن الكثيرين انتبهو إلى تزامن هذا الحديث مع الفقرات القوية الواردة في البيان الصادر في نفس اليوم، عن المجلس الوطني لحزب الاستقلال، حول الإختراقات التي تتعرض إليها الدولة المغربية، وهو البيان الذي أكد على “مسؤولية الدولة الواضحة والمتجلية فيما يحاك ضد الديمقراطية من خلال تسخير إمكانياتها اللوجستيكية والبشرية والمالية والإدارية لخدمة أجندة حزبية معينة”، قبل أن يدعوها (= الدولة) إلى تحمل “مسؤوليتها فيما يحدث بأن تصون هيبتها وتصون مؤسساتها من مخاطر الاختراقات والتحكم الذين يضعفانها ويفقدانها قيمتها وحيادها وتوازنها”.

على العكس تماما، من القراءات التي قدمتها بعض الأوساط لتصريح بنكيران ولبيان حزب الاستقلال، فإن الأمر يتعلق بنقاش في قلب الحلقة المركزية للإصلاح الديمقراطي لبلادنا، المرتبطة بالخروج مما اعتبره عبدالحميد جماهيري “دولة الظل”.

وعموما فكتاب السياسة المغربية مليء بفكرة الإزدواجية. الجميع يتذكر خطاب اليوسفي ببروكسل حول الازدواجية داخل السلطة التنفيذية (الدولة/الحكومة) كإحدى أعطاب التحول الديمقراطي التي أدت إلى إفشال الانتقال من التناوب التوافقي إلى التناوب الديمقراطي.

بعيدا عن خطابات الفاعلين، فإن الكتابة حول السياسة بالمغرب، كثيرا ما وقفت على معطى الازدواجية-بغض النظر عن مضمونها- كإحدى عناصر توصيف النظام السياسي. يتحدث عبدالله العروي عن إزدواجية دولة الحماية في اللغة والثقافة والاقتصاد والقانون، دولة تجمع الإمارة والإمامة، وهي ازدواجية لم تنتهي مع عهد الاستقلال، بل إنها عادت إلى صورتها الأولى، وهو ما يسري بالنسبة لصاحب الإيديولوجيا العربية المعاصرة، على ما وصفه بالدستور الملكي المكتوب بلغتين، والذي يحتمل قراءتين.

من جهته ظل عابد الجابري يميز بين المجال التقليدي والمجال الحديث، في مقاربته للنظام السياسي في المغرب المعاصر، أما المنشغلين بحقل الدراسات الدستورية، فكثيرا ما عملوا على تطوير أطروحة الازدواحية، سواء عندما وقفوا على عديد من الثنائيات المهيكلة للحياة الدستورية المغربية بين المجال الصريح والمجال الضمني، أو بين مجال إمارة المؤمنين ومجال الدستور الوضعي …

لكن من كل هذه القراءات والتحاليل، يبدو المفهوم الذي صاغه حسن أوريد حول “البنية الموازية” كشبكة للتأثير في دواليب القرارات الرسمية، والتي قد تحمل في جيناتها إمكانية الإصطدام مع الدولة نفسها، أكثر قربا من دلالات وسياقات التصريحات سابقة الذكر.

لقد تجاوز المغرب لحظة الصراع حول المشروعية، وسؤال من مع الملك ومن ضد الملك؟ لم يعد سؤالا مهيكلا للحقل السياسي، كما أن دستور 2011 يمكن أن يقرأ كذلك على ضوء إعادة التوافق على فكرة السمو الوظيفي والمؤسسي للملكية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة عدم إستمرار البعض في مغامرة” تحزيب الملكية”، وهي مغامرة ظلت مرتبطة بمن كان يسميها عابد الجابري “القوة الثالثة “والتي -دفاعا عن مصالحها – كان رهانها دائما هو عزل الملكية عن الحركة الوطنية والديمقراطية.

ولاشك أن هذه المغامرة تأخذ العديد من الأشكال قد تبدأ بما تحدث عنه بيان حزب الاستقلال بالاختراقات، وقد تصل إلى ما أسماه بنكيران “دولة أخرى” تعيش على هامش المؤسسات.