سياسة

اسليمي: دعم بريطانيا للحكم الذاتي حدث تاريخي يدخل ملف الصحراء مرحلة الحسم

حوار في العمق

شهد ملف الصحراء المغربية تطورا دبلوماسيا بارزا بتعبير المملكة المتحدة عن موقفها الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإنهاء النزاع الإقليمي. ويُعد هذا الموقف من قبل قوة دولية كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، اعترافا ضمنيا بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، ويعكس ثقة متزايدة في المقترح المغربي كحل وحيد وواقعي للصراع المفتعل، مما يعزز من الدينامية الإيجابية التي يعرفها الملف على الساحة الدولية.

ويأتي الموقف البريطاني، الذي أُعلن عنه أمس الأحد، ليتوج مسارا من التقارب والتفاهم بين الرباط ولندن بشأن هذه القضية، ويبني على مواقف سابقة عبرت عنها المملكة المتحدة في سياقات مختلفة، سواء تعلق الأمر بالاتفاقيات التجارية التي تشمل الصحراء المغربية أو من خلال توصيات صدرت عن مراكز بحثية بريطانية وازنة. ويُضاف هذا الدعم إلى قائمة متزايدة من الدول الفاعلة على الساحة العالمية التي أعلنت تأييدها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، مما يقوي موقف المغرب التفاوضي ويسهم في زيادة عزلة الأطروحات الانفصالية التي عفا عليها الزمن.

وفي هذا السياق، قال عبدالرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، إن الموقف الأخير للمملكة المتحدة الداعم لمقترح الحكم الذاتي بالصحراء المغربية يمثل “حدثا تاريخيا” يدخل معه ملف الصحراء “الحلقة الأخيرة من مرحلة الحسم”. وأضاف اسليمي أن المملكة المتحدة ليست “دولة عادية”، وأن تأييدها لمقترح الحكم الذاتي، الذي يُعد “اعترافا بالسيادة المغربية” على الصحراء، يشكل “حدثا كبيرا” من شأنه أن “يُقوي الدينامية التي يعيشها ملف الصحراء” وأن تكون له “بصماته الكبرى في القرار القادم لمجلس الأمن في أكتوبر المقبل”.

وأوضح اسليمي في تصريح لجريدة “العمق” أن أي قراءة للموقف البريطاني المُعلن عنه من طرف وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي يجب أن تستحضر أنه ناتج عن “تراكمات تأسيسية” استمرت لمدة طويلة. بدأت هذه التراكمات، وفقا لتحليله، بإشارات من قرار محكمة الاستئناف بلندن في ماي 2023 الذي رفض دعوى جمعيات مساندة للبوليساريو ضد اتفاق الشراكة البريطاني المغربي، ليتبعه بيان للخارجية البريطانية يعلن التمسك بالشراكة مع المغرب في كل ترابه.

كما أشار المتحدث ذاته، إلى أوراق سياسات أعدتها مراكز بريطانية في 2024، منها ورقة لمركز شمال إفريقيا والشرق الأوسط بجامعة كامبريدج دعت إلى الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء لإعادة رسم خارطة الشراكة الجيواستراتيجية بين لندن والرباط. ولفت إلى أن الفترة السابقة شهدت تصريحات عديدة لسياسيين ودبلوماسيين وبرلمانيين بريطانيين دعت الحكومة للاعتراف بمغربية الصحراء، مما يؤكد أن القرار البريطاني “ناتج عن تراكمات طويلة” انتهت بإعلان في الرباط.

واعتبر اسليمي أن هذا التصريح البريطاني “يُعد اعترافا بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية”، لأن تأييد الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية هو “اعتراف مباشر”. كما أن الإشارة إلى الاستثمارات البريطانية في الأقاليم الجنوبية “تُعد تطعيما وتأييدا مباشرا لهذا الاعتراف”.

وأبرز رئيس المركز الأطلسي أن هذا الحدث “كبير” كونه يأتي بعد اعتراف فرنسا وأمريكا، وبذلك يصبح للمغرب تأييد ثلاث قوى صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن، مع ملاحظة وجود تغييرات إيجابية قادمة من دولتين كبيرتين هما روسيا والصين. وشدد على الوزن الكبير لبريطانيا، كونها من “أصدقاء ملف الصحراء” و”قطبا في العلاقات الدولية” منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، وتقود مجموعة الكومنولث التي تضم 56 دولة يُتوقع أن تدعم هذا القرار.

ومن زاوية التوازنات الدولية، يرى اسليمي أن بريطانيا تُحدث “تغييرا كبيرا” في ملف الصحراء بعد التغيير الذي أحدثه الاعتراف الأمريكي، مؤكدا أن بريطانيا “ظلت في تاريخها دائما ترسم توازنات جديدة في النظام الدولي”.

كما تناول اسليمي زاوية أخرى لموقف بريطانيا، معتبرا الأمر يتعلق بقرار مؤيد للمغرب من “بريطانيا المملكة العريقة التي تشترك مع المغرب في العديد من القواسم المشتركة المرتبطة بالتاريخ والامتدادات الإمبراطورية والاستقرار السياسي الطويل ومسألة الدولة الأمة”. ولفت إلى أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، الذي حمل تصريح التأييد البريطاني، ينتمي لحزب العمال البريطاني ذي النزعة اليسارية، وهو ما يمثل “تحولا آخر يجب الانتباه إليه”.

وخلص المحلل السياسي ذاته إلى أن الحدث “كبير في ملف الصحراء”، ويُعد “إنجازا جديدا للدبلوماسية الملكية”. وأكد أن “المؤشرات تبين الآن بوضوح أننا في الحلقة الأخيرة من مرحلة الحسم”، مشيرا إلى أن السنة الجارية “تُقدم فرصا كبيرة لحل ملف نزاع الصحراء”، كما ورد في تصريح وزير الخارجية البريطاني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *