التعيين الملكي لممثلي السلطة المركزية بالمغرب.. بين الولاة الحزبيون والولاة التقنوقراط

على غرار ما سبق أن تبناه الملك الحسن الثاني في بداية حكمه من الاعتماد على أطر عسكرية إلى جانب أطر حزبية ، سلك الملك محمد السادس أساليب تجريبية في تعيين ولاة ينتمون إلى أحزاب سياسية قبل أن يتم تعيين ولاة تقنوقراط
1-الولاة بين التعيين الملكي والانتماء الحزبي
منذ تولي الملك محمد السادس، أصبح التدبير المحلي يسند لبعض الشخصيات الحزبية. فقد عين الاتحادي السابق ووزير الإسكان في حكومة اليوسفي أحمد مباركي واليا على تطوان، كما عين الاستقلالي ووزير الخوصصة سابقا السيد رشيد الفيلالي واليا على ولاية جهة سوس ماسة درعة .ويبدو أن هذا التوجه الملكي في تعيين ولاة «حزبين» سيستمر بدليل تصريح كان قد أدلى به الأمين العام لجبهة القوى الديمقراطية لتفسير ابتعاد بعض الشخصيات عن حزبه بأنهم لم يرشحوا أو يقترحوا من طرفه ضمن القائمة التي ستعرض على الملك لاختيار من سيتم تعيينهم كولاة من ضمن الشخصيات الحزبية. وقد ظهر ذلك من خلال تعيين محمد بوسعيد، في فاتح مارس 2010 المنتمي إلى التجمع الوطني للأحرار، واليا على جهة سوس ماسة درعة خلفا للوالي الاستقلالي رشيد الفيلالي الذي عين واليا ملحقا بالإدارة المركزية لوزارة الداخلية ليتم فيما بعد تعيين وزير التعليم امزازي واليا على نفس الجهة. من هنا يتم التساؤل عن الخلفيات التي تكمن وراء هذا التوجه الملكي في تعيين ولاة وعمال كممثلين لجلالة الملك في الأقاليم والجهات. وما هي الانعكاسات التي يمكن أن تترتب عن ذلك مستقبلا.
-خلفيات التوجه الملكي
من المعروف أنه باستثناء المرحلة القصيرة التي أعقبت فترة الاستقلال والتي أسندت فيها مهمة تسيير الأقاليم لبعض أعضاء حزب الاستقلال الذين عينوا كعمال وقواد في بعض مناطق الشمال كالعرائش وتطوان، فقد حرصت المؤسسة الملكية منذ تحكمها في زمام البلاد، وعلى الرغم من استعانتها بتقنوقراط من الجيش أو من الإدارة، على إبعاد الشخصيات الحزبية خاصة تلك التي تنتمي إلى حزب الاستقلال أو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من ممارسة التدبير الجهوي أو المحلي. فقد كانت القاعدة السياسية لدى الملك الراحل الحسن الثاني هي عدم تحزيب وتسييس مناصب القيادة المحلية والجهوية. ولعل مرد هذه القاعدة هي أجواء الصراع السياسي التي كانت محتدمة بين المؤسسة الملكية ومكونات الحركة الوطنية المتمثلة آنذاك في حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالإضافة إلى حزب التقدم والاشتراكية الحزب الشيوعي المغربي سابقا . فقد كانت هذه الأحزاب تركز آنذاك على ضرورة اقتسام السلطة مع المؤسسة الملكية من خلال التحكم في تسيير الدواليب الحكومية وشغل المناصب الوزارية، في حين أن المؤسسة الملكية كانت تستشعر عدم الثقة من إسناد أية مهام، خاصة المهام المحلية، للعناصر المنتمية لهذه الأحزاب خصوصا، وكل الأحزاب عموما. إذ كانت ترى أن إسناد السلطة المحلية حتى لعناصر تنتمي لأحزاب موالية يمكن أن يثير العديد من المشاكل الإدارية ويعطي الفرصة لأحزاب المعارضة من تركيز انتقادها على التسيير المحلي لهذه الشخصيات والنيل من السلطة المركزية من خلالها . وقد بقيت هذه القاعدة مرسخة حتى بعد قبول أحزاب المعارضة، باستثناء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،المشاركة في اللعبة السياسية، وممارسة الحكم المحلي من خلال التسيير المحلي لبعض الجماعات في منتصف سبعينيات القرن 20 من خلال ما سمي بالمسلسل الديمقراطي . فبالرغم من أن الملك الراحل الحسن الثاني ، قد قبل أن تترأس بعض الشخصيات الحزبية مجالس بعض الجماعات والجهات إلى جانب “شخصيات مستقلة”، فإنه قد حرص على أن يعين ممثلوه الإقليميون، من عمال وولاة، من أطر وزارة الداخلية خاصة في عهد وزير الداخلية إدريس البصري الذي ركز جهوده في خلق شبكة من العمال والولاة وفق معايير ومواصفات إدارية وشخصية خاصة مستبعدا في ذلك الأطر ذات الانتماءات الحزبية أو السياسية.لكن مع تولي الملك محمد السادس الحكم، تم التركيز في إطار تفكيك شبكة المقربين من وزير الداخلية السابق إدريس البصري من أطر الوزارة، وعمال وولاة إلى انتهاج معايير لتعويض هذه (الشبكة البصرية). فإلى جانب إحالة العديد من الولاة والعمال على التقاعد، أو إدخالهم إلى الإدارة المركزية للوزارة، تم تعيين عمال وولاة جدد ذوي تكوين “تقنوقراطي” ، حيث لوحظ أن جل هؤلاء كانوا من “المهندسين” في مختلف المجالات سواء في هندسة القناطر أو التجهيز أو الإعلامي.وقد أرجع الملاحظون والمتتبعون تعيين الملك للعمال والولاة الجدد إلى الدور الكبير الذي لعبه المستشار الملكي السيد مزيان بلفقيه في تحديد قائمة هؤلاء بوصفه ” المهندس الأساسي” بهذا الشأن، بالإضافة إلى أن هذا التوجه كان يتماشى مع مضمون الخطاب الذي ألقاه الملك بالدار البيضاء في 12 أكتوبر 1999 أمام الولاة والعمال ورؤساء الجهات، والذي أكد فيه على المفهوم الجديد لتسيير السلطة المحلية والذي يقوم على الحكامة الجيدة في تسيير الشؤون المحلية، وكذا الحريات الفردية والجماعية، وضمان الأمن والاستقرار وتسيير الواقع المحلي والحفاظ على السلم الاجتماعي.كما أكد العاهل المغربي في هذا الخطاب على ضرورة الاتصال المباشر لممثلي جلالة الملك مع السكان بعيدا عن المكاتب الإدارية . وفي هذا السياق يعتبر تعيين السيد إدريس بنهيمة ، أحد خريجي المدرسة الفرنسية للبوليتكنيك وهندسة القناطر واليا على الدار البيضاء تجسيدا عمليا وواقعيا لمضمون هذا الخطاب الملكي.فلأول مرة يعين والي على أكبر مدينة اقتصادية وبشرية في المغرب بهذه المواصفات بعدما كان يوكل أمر تسييرها لولاة كانوا يجسدون السلطة المحلية بهاجسها الأمني والإداري، ويعكسون تأثير وزير الداخلية السابق في هذا التعيين.وقد حاول إدريس بنهيمة منذ تعيينه واليا على مدينة الدار البيضاء متسلحا بانتمائه للمدينة وبتجربته سواء في الوزارة أو إ دارته لبعض المؤسسات العمومية، أن يتخذ عدة مبادرات من أهمها:
-تنظيم المجال العموم البيضاوي.
-توسيع كورنيش الدار البيضاء وتجميله.
– استقطاب بعض الاستثمارات
غير أن حماسه الكبير وطريقته “المباشرة” في إنجاز مشاريعه حركت عدة لوبيات وأخافت مجموعة من أصحاب المصالح بالمدينة، الشيء الذي سرع بإقالته وتعيينه على رأس الوكالة الوطنية لتنمية الشمال. ونفس المصير سيلقاه محمد مباركي والي تطوان السابق الذي أقيل هو أيضا ليعين على رأس الوكالة الوطنية لتنمية الأقاليم الشرقية. وبخلاف إقالة إدريس ينهيمة، التي لم تخلف إلا تساؤلات وردود رأي عام محلي نظرا لأن بنهيمة يبقى شخصية تقنوقراطية، فإن عزل السيد مباركي كشخصية حزبية تنتمي إلى حزب شارك في الحكومات الثلاثة التي عينها الملك منذ توليه العرش لابد وأن تثير عدة تساؤلات حول الانعكاسات التي يمكن أن تترتب عن إقالة ولاة ذوي انتماءات حزبية على المشهد السياسي والحزبي بالمغرب.
–انعكاسات التوجه الملكي
من المعروف أنه بعيد الاستقلال، تم تعيين عدة عمال ورجال سلطة على عدة أقاليم خاصة بالمنطقة الشمالية. وكان أغلبهم ينتمي إلى حزب الاستقلال الذي كان يعتبر آنذاك كأهم قوة سياسية في البلاد .غير أن هذه التجربة قد جرت على هذا الحزب استياء شريحة كبيرة من الشعب المغربي نتيجة لسوء التسيير المحلي للأطر الاستقلالية بسبب ضعف تجربتها من جهة وانشغالها في مواجهة خصومها من الأحزاب الأخرى وموالاتها للحزب على حساب مصلحة الدولة.وبالتالي فإن أحداث الشمال 1958 قد أثرت بشكل كبير على الرصيد الوطني لحزب الاستقلال ونالت من مصداقيته السياسة. مما أضعف من مكانته أمام خصومه ومنافسيه وعلى رأسهم المؤسسة الملكية.لذا فإن إعادة هذه التجربة من خلال قبول الأحزاب بتعيين بعض أطرها من طرف المؤسسة الملكية لتسيير الشؤون المحلية لابد أن يثير تساؤل قادة هذه الأحزاب حول تأثير ذلك على وضعها الهش داخل المشهد السياسي وعلى استقلاليتها كمؤسسة سياسية.فرغم كل المستجدات السياسية التي كرست المؤسسة الملكية كمؤسسة محورية داخل النظام السياسي المغربي، وفتت المؤسسة الحزبية إلى جزئيات هيكلية وظفت لتأثيت المشهد السياسي. فدور هذه الأحزاب سيبقى مع ذلك مركزا في تأطير المواطنين وتسيير الشأن العمومي فالأحزاب في كل بقاع العالم مهمتها الرئيسية هي في خلق النخب لتطعيم التشكيلات الحكومية عبر تقلد الحقائب الوزارية أو تشكيل المجالس المحلية سواء كانت جهوية أو إقليمية عبر تقلد رئاسة عموديات المدن أو بلدياتاتها. ولم يثبت لحد الأن أن تم تعيين أطر حزبية في مختلف دول العالم كولاة للأمن أو ولاة للمدن أو رجال سلطة إقليميين أو محليين.وباستثناء التجربة القصيرة التي عرفها المغرب في نهاية الخمسينات، من القرن 20 فإن الملك الحسن الثاني، رغم سلطويته، فقد فضل دائما إبعاد الأطر الحزبية عن السلطة المحلية، واعتبر مكانها الطبيعي هو المشاركة في تسيير الشأن المحلي عن طريق صناديق الاقتراع حتى ولو كانت مفبركة أو مزورة. ولعل السبب يرجع في هذا التوجه ليس فقط لروح الصراع وعدم الثقة المتبادلة بين الملك الراحل والأحزاب، خاصة المعارضة آنذاك، بل للتركيز على ضرورة الفصل بين تسيير الشأن المحلي وتسيير الشأن المركزي، حيث اعتبر أن الولاة والعمال هم جزء من السلطة المركزية وبالتالي لا ينبغي أن يعينوا إلا من ضمن النخب التي تكونها إما المدرسة الوطنية أو للإدارة العمومية أومدرسة استكمال الأطر بالإضافة إلى خريجي ثانوية آزرو التي أسست في عهد الحماية. كما أن قادة الأحزاب أمثال عبد الرحيم بوعبيد أو محمد بوستة، ورغم اقتناعهم بضرورة المشاركة في تسيير الشأن العمومي (من حكومات، وسفارات ومجالس…) ، فهم كانوا يفضلون اقتراح أطرهم الحزبية لتولي المناصب الوزارية والدبلوماسية والاستشارية أو الترشيح لرئاسة المجالس الجماعية والبلدية والجهوية، ولم يسبق لهم أن اقترحوا أطرا حزبية أو نضالية لكي يصبحوا ولاة أو عمالا للأقاليم والجهات. لذا فإن التجربة الملكية الجديدة في تعيين ولاة متحزبين حتى وإن أعلنوا تخليهم عن انتمائهم الحزبي كما فعل السيد مباركي قبل تعيينه واليا، هي تجربة محفوفة بعدة محاذير تتمثل خاصة في :
– تنافس الأحزاب حول تقلد هذه المناصب بدل الاهتمام بالتأطير وتسيير الشأن العام.
– تحول الأقاليم والجهات إلى مجال للصراع بين الأطر الحزبية المعينة كولاة والفروع الإقليمية والجهوية للأحزاب المنافسة خاصة إذا كانت تتقلد بعض المناصب المحلية، حيث يكون الوالي من حزب وعمدة المدينة من حزب منافس.
– اضطرار الأحزاب إلى مساندة السياسة الجهوية والإقليمية للسلطة المركزية في مناطق معينة فقط لأن أحد أطرها ينفذ هذه السياسة.
– تنافس الإعلام الحزبي حول الإشادة بأنشطة الولاة والعمال الذين ينتمون لنفس الحزب، ولعل أحسن مثال على دلك ما ورد في يومية العلم لسان حزب الاستقلال” بتاريخ 14 أبريل 2005، حيث كتبت على رأس عمودها “حدث يحدث”الموجود في صفحتها الأولى ما يلي : ” قام رشيد الفيلالي والي جهة سوس ماسة درعة وعامل عمالة أكادير إدوتنان رفقة والي الأمن أول أمس الثلاثاء بزيارة مفاجأة إلى مطار المسيرة بأكادير، حيث وقفا على ترتيبات استقبال وتسجيل مرور المسافرين بمطار المسيرة وقد عاين الوالي عملية استقبال 13 رحلة قادمة من كل من الدار البيضاء، بروكسيل، ميونيخ، نورنبرغ، فيينا وشتوتكارت ودوسلدورف وأورلي وعلى متنها 1815 مسافر”
– الإنعكاس السلبي للتسيير المحلي على الرصيد الوطني للحزب بسبب أن أحد أطره قد عين واليا على جهة معينة، فأية مشاكل قد تحدث بسبب تنفيذ هذا الوالي لسياسة مركزية في الإقليم ستنعكس مباشرة على الحزب الذي ينتمي إليه هذا الوالي، بالإضافة إلى كل هذه الإنعكاسات السلبية، فإن تعيين الأطر الحزبية لولاة سيزيد من إضعاف وضعية الأحزاب داخل المشهد السياسي بالمغرب، حيث سينظر إليها الرأي العام على أنها بدل أن تشكل قوة اقتراحية وسياسية بديلة وموازية – لتسيير الشأن العام سواء الحكومي أو المحلي، ستشكل فقط إطارا لخدمة السلطة المركزية وخزانا يمدها بالأطر التنفيذية بما في ذلك العمال والولاة، كما أن السلطة المركزية يمكن أن تتأثر سلبا من جراء هذه الوضعية، حيث أن أية مبادرات أو إجراءات يتخذها الوالي المتحزب” بسبب محابات حزبية أو تحت ضغوط منافسة أو خصومة سياسية ستتحول إلى مشاكل (اضطرابات، انتفاضات…)ستنعكس سلبيا على السياسة المحلية في هذه المنطقة أو الجهة .
– ولتلافي هذه الانعكاسات، فيبدو أنه من الأفضل إبعاد الأطر المتحزبة عن تولي السلطة المحلية لتجنب أي خلط سياسي بين الوظائف والمهمات، فلكل مؤسسة دورها ووظيفتها. ووظيفة الأحزاب كما تؤكد على ذلك مقتضيات دستور المملكة هو تأطير و تمثيل المواطنين سواء في الهيئات البرلمانية أو في الهيئات المحلية والغرف المهنية، وليس تمثيل السلطة المركزية في الأقاليم والجهات. إذ أنه في ظل ازدواجية التسيير الإداري والمحلي للبلاد (والي – عمدة، عامل – رئيس مقاطعة – قائد – رئيس جماعة). فإنه من العبث جدا أن يكون رأس الهرم المحلي معينا ومتحزبا في نفس الوقت الشيء الذي سيؤدي إلى نوع من الإنفصام السياسي لدى الوالي، حيث لا يدري إن كان تقلده لمنصبه لتمثيل ” جلالة الملك” أم لتمثيل الحزب الذي ينتمي أو كان ينتمي إليه. كما أن السكان سيتولد لديهم إحساس حول الإنتماء الحقيقي للوالي، فهل يمثل السلطة المركزية أو يمثل الحزب في المنطقة !!
وفي انتظار أن يتطور النظام الإداري والانتخابي بالبلاد، حيث يصبح فيه عمدة المدينة هو الشخصية المركزية للجهة بدل الوالي، ويتمتع بكل الصلاحيات التي يتمتع بها هذ الأخير، ويتم انتخابه بالاقتراع العام من طرف السكان المحليين لكل جهة، فمن الأفضل الحفاظ على الاستمرارية في تعيين الولاة ورجال السلطة بعيدا عن كل انتماء حزبي لضمان تسيير محلي واضح وشفاف بعدما اختلطت الأوراق داخل تسيير الشأن العام . إذ منذ تعيين حكومة اليوسفي التي اندمج فيها اليمين باليسار، وأحزاب المعارضة بأحزاب الأغلبية ، أصبحت نفس الشخصية تعين في مختلف المناصب ، فمن وزير سابق يمكن أن يعين واليا أوسفيرا أو مديرا عاما لمؤسسة عمومية اقتصادية أو مالية أو وكالة من وكالات تنمية بعض الأقاليم !! فهل هذا يدل على خصاص في الاطر المناسبة ، أم أن الأمر يرتبط بالبحث فقط على الفعالية والنجاعة ، أمأن الأمريرجع بالأساس إلى قناعة تجذرت لدى السلطة المركزية حول الإمكانيات الهائلة( والبروموتية )التي يتمتع بها مهندسوا الطرق والقناطرو البولتكنيك التي تجعلهم صالحين لتسيير الشأن العام سواء كان ذا طابع سياسي أو اقتصادي أو محلي …
2- التعيين الملكي للولاة بين التوسع الإداري والتدبير الاقتصادي
حظي التعيين الملكي لبعض الولاة والعمال في بداية مارس 2010 باهتمام كبير من طرف المتتبعين والباحثين والملاحظين ولعل مرد هذا الاهتمام يرجع بالأساس إلى أنه يأتي في سياق عشر سنوات من تسلم الملك محمد السادس للحكم ، وبعد الترقب الكبير لهذه التعيينات التي كانت منتظرة بعد الانتخابات البلدية والجهوية الاخيرة التي تميزت بعدة مستجدات تمثلت بالأساس بعزل الوالي السابق لجهة مراكش – تانسيفت بعد التقرير الذي رفع للملك من طرف لجنة من وزارة الداخلية التي كان قد ترأسها كاتب الدولة السيد سعد حصار، وبعد تنحية وزير الداخلية السابق السيد شكيب بنموسى .بالإضافة إلى مختلف الإشاعات التي ترددت حول لوائح التعيينات التي كانت تتغير باستمرار خاصة بعدما قام الملك بإنشاء مجموعة من العمالات الجديدة التي همت بعض المدن الصغرى وكذا بعد الخطاب الذي دعا فيه العاهل المغربي إلى إنشاء لجنة استشارية بشأن إقامة جهوية موسعة .ولعل خصوصية هذه التعيينات لا تتمثل فقط في السياق الذي اندرجت فيه ، بل أيضا في الابعاد التي تجسدت فيها والتي تمحورت بالاساس حول ثلاث مناحي تهم بالأساس :استكمال هيكلة الإدارة المركزية لوزارة الداخلية ، ضمان التوسع الإداري للمجال الترابي للمملكة ،و ضمان نجاعة أكبر للتدبير الاقتصادي للولاة .
– التدبير الاقتصادي للمجال
أوضح الملك محمد السادس ، بعد توليه الحكم خلفا لوالده ، من خلال أول خطاب للعرش تصوره لإدارة الشؤون المحلية والترابية انطلاقا مما سمي( بالمفهوم الجديد للسلطة) الذي ركز فيه بالأساس على الفعالية الاقتصادية والإشراف على الاوراش الاقتصادية الكبرى الذي دشنها . وهكذا تضمن هذا الخطاب الملكي المعالم الأولى لهذا التصور من خلال الفقرات التالية : (… فأعطينا مفهوما جديدا للسلطة يجعلها ترعى المصالح العمومية وتدبر الشؤون المحلية ، وتنفتح على المواطنين في احتكاك مباشر بهم و معالجة ميدانية لمشاكلهم وإشراكهم في هذه المعالجة . كما أننا نشدد على أن المفهوم لا ينحصر في الإدارة الترابية بل ينطبق على كل من أوكلت إليه سلطة معينة اعتبارا لغايته النبيلة العامة المتمثلة في مصالحة المواطن مع السلطة والجهاز الإداري وحفظ الكرامة وحفز الاستثمار . و قد حرصنا على تفعيل هذا المفهوم بإجراء حركة تغيير واسعة في مختلف الأجهزة الإدارية خاصة منها الإدارة الترابية والمركزية ورجال السلطة والجهوية والإقليمية )
وانطلاقا من مضمون هذا الخطاب الملكي، تم انتقاء عينة خاصة من الأطر تنتمي في جلها إلى خريجي مدارس مهندسي القناطر والطرق بباريس لتعيينهم كولاة وعمال . فقد تم الاحتفاظ بالسيد محمد حصاد ،الوالي السابق لمدينة مراكش واليا على مدينة طنجة التي تحتضن الميناء المتوسطي الذي يعتبر أكبر ورش اقتصادي دشنه الملك منذ بداية عهده. كما تم الاحتفاظ بمحمد حلب واليا على مدينة الدارالبيضاء الكبرى الذي خلف نظيره التقنوقراطي ، خريج البوليتكنيك بباريس، محمد القباج وزير المالية ومستشار ملكي سابق ، الذي كان قد خلف بدوره الوالي السابق إدريس بنهيمة ، خريج نفس مدرسة البولتكنيك الباريسية والذي كان مديرا عاما لعدة مؤسسات ا عمومية . كما انعكيس استمرار هذا التصور من خلال تعيين السيد محمد مهيدية ، الحاصل على دبلوم مهندس دولة من المدرسة الوطنية للمعادن بفرنسا ، العامل السابق على إقليم الصخيرات – تمارة في دجنبر 2002 ، والوالي السابق على جهة تازة الحسيمة تاونات ، واليا على جهة مراكش – تانسيفت خلفا للوالي السابق السيد منير الشرايبي الذي أقيل بعد تقرير وزارة الداخلية حول بعض الاختلالات التي عرفها تسيير المدينة في عهده . وفي نفس هذا السياق ، تم تعيين السيد محمد اليزيد زلو ،خريج مدرسة البولتكنيك ، الذي عين على جهة الشاوية – ورديغة ، وكذا محمد الأوزاعي ، خريج المدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدارالبيضاء ، الذي عين مديرا للوكالة الحضرية للدارالبيضاء
اترك تعليقاً