منتدى العمق

حوادث السير في الأماكن العمومية غير المخصصة  للعربات.. حاجة التشريع للتعديل

شهدت إحدى المدن الساحلية المغربية حادثة مأساوية اهتز. لها الرأي العام، حين داست سيارة متهورة طفلة صغيرة كانت تلعب على الشاطئ “ غيثة “ ، التي لا يتجاوز عمرها أربع سنوات، بعدما تعرّضت لحادثة دهس بشاطئ سيدي رحال قبل أيام، مما تسبب لها في كسر خطير على مستوى الرأس. ورغم بشاعة الواقعة، المتابعة القضائية في مثل هذه الحوادث تظل محصورة في إطار الجروح غير العمدية الناتجة عن الإهمال، بينما تعاني أسر الضحايا ليس فقط من الحادث نفسه، بل من هزالة التجاوب التشريعي والقضائي مع خطورة الفعل، وضآلة التعويض المقرر بموجب ظهير 2 أكتوبر 1984.
تطرح هذه الحادثة وإن كانت النيابة العامة ربطت مجموعة من الجرائم بالأصل ووضع الضنين رهن الاعتقال إلا أنها تظل نموذجًا صارخًا لما يمكن اعتباره فراغًا تشريعيًا مزدوجًا: من جهة، قصور في تجريم هذا النوع من الحوادث التي تقع في أماكن عمومية غير مخصصة للعربات، ومن جهة أخرى، هشاشة الإطار القانوني للتعويض عن الأضرار الجسمانية الناتجة عنها، خاصة حين يكون الضحايا من الأطفال.
أولاً: الفراغ التشريعي في تجريم القيادة في الفضاءات العمومية غير الطرقية
رغم أن مدونة السير (القانون 52.05) وضعت منظومة متكاملة لتنظيم الحركة على الطرق العمومية، فإنها لا تتضمن أي نص صريح يمنع قيادة السيارات في أماكن غير معدّة للسير، كالشواطئ أو المنتزهات أو الساحات العمومية. وهو ما يفتح الباب أمام سلوكات خطيرة تتم في غياب ردع قانوني فعال، رغم أن الفضاءات المذكورة تُفترض فيها الحماية الكاملة للمارة، وخاصة الأطفال.
وعليه، فإن المتابعة غالبًا ما تُبنى على أساس:
الفصل 432 من القانون الجنائي: الجروح غير العمدية الناتجة عن عدم التبصر أو الاحتياط أو الإهمال¹،
أو الفصل 167 من مدونة السير: التسبب في جروح نتيجة حادثة سير مع تهور².
غير أن هذا التكييف يظل غير متناسب مع خطورة السلوك المرتكب، إذ أن القيادة في مكان يفترض أن يكون خالياً من العربات تشكل في حد ذاتها تهديدًا خطيرًا للسلامة العامة، يستوجب تكييفًا جنائيًا أكثر صرامة، مثل “تعريض حياة الغير للخطر” المنصوص عليه في الفصل 431 من القانون الجنائي³.
ثانياً: ضعف قيمة التعويض بموجب ظهير 1984
يعتبر ظهير 2 أكتوبر 1984 القانون الإطار للتعويض عن الأضرار الجسمانية الناتجة عن حوادث العربات، لكنه يُعتبر اليوم من أكثر النصوص القانونية التي تشكل مجالاً للغبن القانوني والاجتماعي في حق الضحايا، وذلك لأسباب عدّة:
الجمود في جداول التعويض والتي لم تُراجع رغم التغيرات الكبيرة في تكلفة العلاج وحجم الأضرار المعنوية والجسدية.
عدم السماح للقاضي بالتقدير الفردي لحجم الضرر عكس ما كان عليه الامر قبل 1984 .
التمييز بين المتضررين بحسب الدخل المادي و درجة الضرر الجسدي فقط، دون اعتبار لعوامل السن (طفل مثلاً)، أو التأثيرات النفسية والاجتماعي ، إلى جانب الحرمان من التعويض المادي الا اذا اثبت ذوي الحقوق اعالة الفقيد الضحية لهم ، خاصة في وضعية فقدان الأم في حادثة السير حيث لا يستفيد ذوي حقوقها إلا من تعويض معنوي هزيل .
لقد تحوّل الظهير إلى أداة لتحديد الحد الأدنى من التعويض لا الحد العادل، مما يدفع كثيراً من الضحايا إلى الشعور بأن العدالة القانونية لا تنصفهم كما ينبغي.
ثالثاً: موقف محكمة النقض من تطبيق الظهير.
تؤكد محكمة النقض في عدد من قراراتها⁴ وجوب تطبيق ظهير 1984 حرفيًا، باعتباره نصًا خاصًا يقيد القاضي في تقدير التعويض حتى في الحالات الخطيرة. ولا تبرز بعد اجتهادات جريئة تُعيد تكييف هذه الوقائع في ضوء حماية الطفولة أو مقتضيات الفصل 31 من الدستور، الذي يقرّ بحقوق العلاج والسلامة الجسدية.
رابعاً: الحاجة إلى تعديل عادل للتشريع .
من أجل تجاوز هذا الوضع المختل، تبرز الحاجة الماسة إلى:
 إدراج مقتضى خاص في مدونة السير يجرّم القيادة في الأماكن العمومية غير المخصصة للعربات، مع تشديد العقوبات عند وجود ضحايا ، وإلى مراجعة شاملة لظهير 1984، على نحو يسمح بتعويض مرن ومناسب لحجم الضرر، ويفتح المجال للسلطة التقديرية للقضاة ..
بالإضافة اعادة النظر في تنظيم صندوق ضمان حوادث السير .
خاتمة
إن حماية الأرواح، وخاصة أرواح الأطفال، لا يجب أن تظل رهينة فراغ تشريعي أو نصوص متقادمة. فبين قيادة متهورة على شاطئ وبين طفلة تلعب بأمان، يفترض أن يقف القانون بكل وضوح إلى جانب الضعفاء، لا أن يختبئ خلف عقوبات رمزية وتعويضات مجففة. لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لمبدأ العدالة الكاملة، التي لا تكتفي بالعقوبة بل تضمن أيضًا الجبر الحقيقي للضرر
” فالعدالة لا تكون عدالة إذا لم تكن عادلة لضحاياها أولا “
————–
الهوامش:
1. القانون الجنائي المغربي، الفصل 432: “من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه… جرحا أو ضربا نتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد عن 60 يوما، يعاقب…”.
2. مدونة السير على الطرق، المادة 167: “إذا نتج عن الحادثة جروح أو عاهة دائمة بسبب تهور السائق… يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة…”
3. القانون الجنائي، الفصل 431: “من عرض عمداً حياة الغير أو صحته للخطر… يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة…”
4. قرار محكمة النقض عدد 456/2016، ملف مدني عدد 2015/5/1/310: “تطبيق ظهير 2 أكتوبر 1984 إلزامي في تعويض الأضرار الجسمانية الناتجة عن حوادث السير، ولا مجال لتقدير تعويضات خارج نطاقه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *