سور المعجازين نسبة للخمول والكسل.. والروايات الأخرى لا أساس لها من الصحة

انتشرت في هذه الأيام الكثير من التدوينات والمقالات عن قصة سور المعجازين أو المعكازين، وكلها تعمد إلى عدم ربط الاسم المشهور له والذي يعني السور الذي يجلس فيه الكسالى والذين يعانون من الخمول، خشية أن تلصق صفة الكسل والخمول بسكان طنجة، على أن أي صفة سلبية لمستعملي مكان في مدينة ما لا تعم كل سكان تلك المدينة. والمعجازين جمع لكلمة معجاز، التي تعني باللهجة المغربية الكسول، والاختلاف بين لهجة الشمال ولهجة المناطق الداخلية للمغرب هو في صيغة الجمع، المعجازين مقابل المعاجيز.
وإذا بحثنا عن تهيئة ساحة فارو، وهو الاسم الإداري للساحة منذ عام 1985، فترجع بعض الروايات التاريخية تاريخ بناء السور إلى عام 1911، وذلك بإشراف المقاول الإسباني “دي بينيا”، وكان الهدف من بناء السور هو منع انجراف الكثبان الرملية المنتشرة في المنطقة كما هو مبين في الصور التي ترجع إلى هذه الفترة، وحماية شارع باستور الذي كان يحمل اسم شارع السلف نسبة إلى دار السلف التي بنيت في عام 1910 قبل أن يتغير اسمه في عام 1925 ويصبح شارع باستور.
فربط اسم الساحة باسم متجر صور مغازين الذي فتح أبوابه في الخمسينات ربط غير صائب في نظري، لأنه لا يعقل أن يبقى المكان بدون اسم لمدة أكثر من 40 عاما، من 1911 تاريخ بناء السور إلى غاية 1956 تاريخ فتح هذا المتجر. ثم، ألا يمكن أن يكون هذا المتجر هو الذي أخذ اسم السور وليس العكس، فتكون كلمة مغازين هي معجازين محرفة إلى اللغة اللاتينية. فما هو منطقي هو أن تحمل المتاجر اسم المكان التي توجد فيه وليس العكس، فمثلا صيدلية “س” نسبة إلى ساحة أو شارع أو حي “س”.
وهناك من ذهب إلى أنه سور تاريخي كانت تستريح فيه القوافل قبل دخول المدينة لأنه يقع بالقرب من طريق فاس (شارع الحرية وشارع فاس حاليا)، فهذه الرواية لا يقبلها العقل والمنطق، لأن محطات استراحة القوافل تكون على مسافات طويلة، وليس على بعد أقل من كيلومتر واحد من سوق دبارا، الذي كان المحطة النهائية للقوافل.
والقول بأن السور كان للمرشدين الذين كانوا يجلسون فيه في انتظار خروج السواح من فندق المنزه، فقد أكدت الروايات التاريخية أن سور المرشدين كان خلف الفندق وظهر في عام 1928.
والرواية الطريفة، والتي اكتشفها البعض مؤخرا هو اسم للا فريجة نسبة إلى قبور كانت في حديقة السور، وهذه التسمية ظهرت في الخرائط الإسبانية القديمة. وما هو أكيد عموما في علم تسمية الأماكن، طوبونوميا، أن أسماء الأماكن تستمر لمدة طويلة ويتوارثها جيل عن جيل. كما أن أسماء الأماكن الدينية مثل المقابر لا تتغير.
وهناك رواية تاريخية تقول بأنه كانت هناك مقهى قرب السور في زنقة أنوال (ربما في مكان النادي الرياضي حاليا)، وكانت تسمى مقهى سور المعجازين أيضا، وكان طنجاوة يتابعون فيها أخبار الحرب العالمية الثانية، بمعنى أن السور كان موجودا بهذا الاسم ما بين 1939 و1945، ولقد أكد لي بعض كبار السن أن المقهى استمرت بعد ذلك إلى سنوات الستينات أو أكثر.
وإذا قمنا بتحليل الصور القديمة، سنكتشف أن السور، وهو سور قصير بعرض قد يصل لمتر واحد، قد استمر إلى حدود نهاية الخمسينات، حيث كان يجلس عليه زوار المنطقة من سكان المدينة والسواح الأجانب لرؤية المنظر البانورامي منه، فمنه نرى جزء من المدينة العتيقة والميناء ورأس مالاباطا وخليج طنجة وشواطئه ومضيق جبل طارق والساحل الجنوبي لإسبانيا. وهذا المنظر البانورامي، نظرا لأهميته وجماله، تم تصنيفه في عام 1947 ضمن التراث الوطني هو والمنظر البانورامي لصخرة سيدي اعمر، وذلك لأول مرة في المغرب لهذا الصنف من التراث. وفي أواخر الخمسينات أو بداية الستينات تم هدم السور وتم توسيع رقعة الساحة وتهيئتها على شكل حديقة، وتوالت مشاريع التهيئة إلى حدود الآن.
وعليه، لا نستحي بربط اسم الساحة بالكسل والخمول، لأنه في تقاليدنا المغربية والإسلامية الأصيلة لا يجوز الجلوس في الطرقات، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك. لذلك، لا نجد في المدن العتيقة ساحات عمومية وأماكن للجلوس ومشاهدة المارة، فالطرق كانت وظيفتها المرور فقط، والجلوس كان في الغالب ما يكون في أفنية المساجد، والساحات القليلة التي كانت داخل المدن العتيقة كانت مخصصة للأسواق مثل سوق الداخل أو مخصصة لطابور الجند مثل ساحة المشور بالقصبة وساحة الطابور أمام برج النعام.
تعبيد البوليفار وتهيئة سور المعجازين
صورة لشارع السلف الذي تحول اسمه إلى شارع باستور في عام 1925
سور المعجازين وتظهر فيه كراسي وطاولات خشبية ربما ترجع لمقهى سور المعجازين بزنقة أنوال
أرض فارغة خلف سور المعجازين في بداية الخمسينات
سور المعجازين في الخمسينات. قبل تهيئة حديقته
سور المعجازين في الخمسينات قبل تهيئة حديقته
وكانت تعرض عليه الزرابي لبيعها للسواح
سور المعجازين في عام 1953
سور المعجازين في عام 1957 قبل تحويله إلى حديقة
سور المعجازين في عام 1958 ولم تتم تهيئة حديقته بعد
أشغال توسيع وتحويل ساحة سور المعجازين في نهاية الخمسينات أو بداية الستينات من القرن العشرين
ــــــ
* أحمد الطلحي: خبير في العمارة والبيئة والتنمية
اترك تعليقاً