منوعات

من نبتة ممنوعة إلى منتج عالمي.. “باب برد” تصدر الأمل عبر القنب الطبي

سلطت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، في تقرير مطول، الضوء على التحول الاقتصادي والاجتماعي العميق الذي تشهده منطقة باب برد بالريف، والتي طالما ارتبط اسمها بزراعة الكيف غير المشروعة، لتصبح اليوم حاضنة لنموذج تنموي رائد يقوم على تقنين القنب الهندي وتحويله لأغراض طبية وصناعية، واصفة هذه التجربة بأنها رمز حقيقي لتحويل ماض مهمش إلى محرك اقتصادي واعد ذي صبغة عالمية.

وكشف التقرير الذي حمل توقيع الصحافي جاسم أهداني، عن قصة النجاح الملهمة لعزيز مخلوف، ابن المنطقة البالغ من العمر 42 عاما، ومؤسس تعاونية “بيوكنات”، التي تعتبر أول كيان على المستوى الوطني يحصل على ترخيص لتحويل القنب القانوني.

وأوضح التقرير كيف أن مخلوف، الذي نشأ في كنف أسرة فلاحية كانت تزرع القنب بطريقة غير قانونية، اختار مسارا مختلفا تماما، حيث لم يبع غراما واحدا في السوق السوداء، واستثمر تعليمه كاقتصادي وخبرته التي امتدت لسنوات في قطاعي صناعة السيارات والصناعات الغذائية، ليجمع بين معرفته الأكاديمية والخبرة التقليدية التي ورثها عن والده، ويقتنص فرصة تقنين القطاع التي أقرها المغرب في 2022.

وأبرز المصدر ذاته أن تعاونية “بيوكنات” استطاعت في غضون أشهر قليلة فقط من انطلاقها الفعلي في يناير 2024، تحقيق رقم معاملات بلغ مليوني درهم، وتصدير منتجاتها المتنوعة إلى أسواق دولية تتسم بالصرامة في معاييرها، كسويسرا وجمهورية التشيك ولوكسمبورغ وجنوب إفريقيا، وصولا إلى أستراليا، وهو ما يشكل سابقة وطنية في مجال نقل الكيف المحول بشكل قانوني عبر المطارات المغربية.

وتطرق التقرير بالتفصيل إلى دقة العملية الإنتاجية داخل منشأة “بيوكنات” المؤمنة بالكامل، والتي تتبع بروتوكولات نظافة ومعايير دولية صارمة. ونقل عن مخلوف أن فلسفة العمل تقوم على مبدأ “صفر نفايات”، حيث يتم استغلال وتثمين كل جزء من نبتة القنب؛ فالزهور تستخدم لاستخلاص جزيء “الكانابيديول” (CBD) النقي بنسبة تصل إلى 98% عبر تقنيات حديثة تستخدم ثاني أكسيد الكربون، وهي المادة الأساسية في المنتجات العلاجية، بينما يتم تحويل الأوراق الصغيرة يدويا إلى شاي أعشاب يساعد على الاسترخاء والنوم، وتستخدم السيقان في صناعة النسيج ومواد البناء البيئية، وتستخرج من البذور زيوت غذائية وتجميلية، بل إن الشركة تطور حاليا دقيقا من القنب لإنتاج ألواح شوكولاتة غنية بالبروتين.

ورصدت “جون أفريك” الأثر الاجتماعي والاقتصادي المباشر لهذا المشروع على المنطقة، مشيرة إلى أن عدد المزارعين المتعاقدين مع التعاونية قفز من خمسة فلاحين فقط في عام 2023 إلى ما يقارب 200 فلاح في 2025. والأهم من ذلك، أن العدد الإجمالي للمنخرطين في الزراعة القانونية في باب برد وحدها ارتفع من 432 فلاحا إلى أكثر من 3000، وهو ما يعكس ثقة المزارعين في المسار الجديد.

ونقلت المجلة عن مخلوف تفاؤله الكبير بقدرة المغرب، في حال انخراط جميع مزارعي الأقاليم المرخصة (شفشاون، الحسيمة، تاونات)، على تلبية كامل الطلب العالمي على هذه المنتجات.

وخلص التقرير إلى أن هذه النهضة لم تكن لتتحقق لولا وجود إطار قانوني وتنظيمي واضح، والمسار السريع الذي قطعه المشروع بدعم وتأطير من مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، ووزارة الصحة، مما حول أرضا خلاء في أواخر 2022 إلى مصنع متكامل يصدر منتجات مبتكرة للعالم، ويوفر 22 فرصة عمل قارة وما يصل إلى 140 وظيفة موسمية، ويعيد كتابة قصة منطقة بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *