عيشوش يكتب: الاستحقاقات المقبلة بين ضرورة استقطاب النخب وحتمية إعادة تدوير المنتخبين

إن المتتبع للشأن السياسي المغربي محليا وطنيا منذ الاستحقاقات الأخير لسنة 2021، يدرك تماما أن معضلة الفشل في التدبير السياسي لحقوق ومصالح المواطنين وتنمية مستواهم الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي إلى غير ذلك مما مرتبط بالرقي بمؤشرات التنمية البشرية عموما إلى مصاف مستوى مواطني الدول المتقدمة ، مرده إلى نموذج رجل السياسة المغربي ، وتشكيلة لمجالس الجماعية والجهوية، وكذا المجالس التشريعية.
ذلك أن العنصر البشري المغربي، الذي يدخل غمار السياسة ، لا ينطلق في مبادرته تلك من مرجعيات المبادئ السياسية المتعارف عليها كونيا، ولا يستند إلى منظومة أخلاقية قوامها مسؤوليته تجاه الناخبين الذين عملوا على تزكيته بثقتهم ، وعقدوا عليه آمال مستقبل ابنائهم ، وتنمية بلديهم سواء محليا أو وطنيا بحساب الموقع الذي يتموقع فيه ذلك المنتخب. وإنما ينطلق من منطلقات وليدة بيئتها ، استقاها في الغالب من المجتمع الذي يتعايش فيه ومعه ، وهي منطلقات تبقى مجردة من اية مرجعية تستند إلى أساس علمي.
ولعل أبرز هذه المنطلقات التي ينطلق منها نموذج الناخب المغربي في الغالب إذا استثنينا بعض الشرفاء، لا تختلف عن ثلاث منطلقات أساسية، الأول هو التشبع والاقتناع بكون السياسة مجال خصب للاغتناء ومراكمة الثروة، والثاني ، يتمحور حول اعتبار المجال السياسي ضرب من ضروب الحصانة والحماية للمصالح الشخصية والمالية، والثالث يختص به فئة استفاقت متأخرة عن الركب، ووجدت في غمار السياسة فرصة لإعادة الاعتبار إلى الذات، للظهور للجمهور بمظهر المسؤول ذو المكانة الاجتماعية العالية، وهذا النمودج الأخير تجده كثيرا في انتخابات الجماعات الترابية القروية على وجه الخصوص ، ويتقاطع مع الصنف الأول في ما يستند إليه، حيث تكثر بؤر المنتخبين الذين لا يتوفرون على شواهد تعليمة ولا دراية لهم بتصاريف الحياة السياسية.
ولعمري إن القطع مع استمرار تواجد هذه الصنوف في الساحة السياسية، يقتضي من الاحزاب السياسية التفكير بمنطق الوطن أولا، و التوقف عن تزكية كل شخص لا تتوفر فيه الشروط المؤهلة لدبير مرافق الدولة التي تسير بواسطة المنتخبين، والقطع مع ثقافة استقطاب المرشحين ذوو” الشعبية ” وتعويضهم بمرشحين لهم كفاءة وتكوين علمي مؤهل لتحمل المسؤولية والسير بهذا الوطن إلى بر الأمان.
فظاهرة “الشعبية” التي اصبحت هي الموجه الرئيسي لسلوك الاحزاب في استقطاب المرشحين، عوض التفكير في معايير أكثر نجاعة لانتقاء ممثليهم في الدوائر الانتخابية، مثل الكفاءة والتكوين، تتم صناعتها من طرف منتخبين بطرق غير أخلاقية من قبيل استغلال حاجة الناخبين وامتلاك رقابهم بالقفف الرمضانية والمساعدات الموسمية، مما ينمي صورة نمطية لذلك المنتخب في ذهن الجمهور، على أنه المصلح المنقذ.
وعلى هذا الاساس ، يتعين أن تتظافر الجهود بين أم الدولة والأحزاب السياسية من أجل إعداد جيل سياسي قادر على صناعة الفارق مستقبلا، تكون الولايات الانتخابية المونديالية أو عتبة لانطلاق هذا الجيل.
اترك تعليقاً