الاعتراف المتزايد بدولة فلسطين.. كيف أنهت غزة عقودا من الدعم الغربي المطلق لإسرائيل؟

شهدت مواقف بعض الدول الغربية مؤخرا تحولا لافتا تجاه قضية الاعتراف بدولة فلسطين، في ظل تصاعد العنف الإسرائيلي وتنامي الضغوط الشعبية والبرلمانية لإعادة تقييم المواقف التقليدية.
ويأتي هذا التحول في سياق حرب الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل في قطاع غزة، وما خلفته من أزمة إنسانية غير مسبوقة، حركت الرأي العام الغربي وشكلت عامل ضغط جديد على صناع القرار.
وخلال الأيام الأخيرة، أعلنت عدة دول غربية اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين، بعدما ظلت لعقود طويلة تدعم بشكل مطلق إسرائيل، بينها فرنسا وبريطانيا وكندا ومالطا والبرتغال، كما لوحت أستراليا وكندا أيضا بالاعتراف.
وفي 28 ماي 2024، أعلنت إسبانيا والنرويج وإيرلندا اعترافها بدولة فلسطين، تلتها سلوفينيا في 5 يونيو من العام نفسه، ليرتفع الإجمالي إلى 149 من أصل 193 دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية.
وفي ورقة بحثية صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعنوان “تحوّل المواقف الغربية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين: الدوافع والدلالات”، يقدم الباحث محسن محمد صالح قراءة تحليلية لهذا التحول، مع التركيز على الاعتراف الرسمي الأخير من قبل إيرلندا وإسبانيا والنرويج، والرمزي من قبل عدد من البرلمانات والكيانات الغربية الأخرى.
الرأي العام والحسابات السياسية
ترى الورقة أن الاعترافات الغربية لا تنفصل عن التحولات الطارئة على الرأي العام في عدد من هذه الدول، والتي أضحت أكثر حساسية تجاه العدوان الإسرائيلي وانتهاكاته، خاصة بعد أحداث غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
فقد دفعت مشاهد المجازر والدمار، إضافة إلى الانتقادات الأممية، شرائح واسعة من المجتمعات الغربية إلى الضغط على حكوماتها لتعديل مواقفها تجاه الصراع.
وتسلط الورقة الضوء أيضا على الحسابات السياسية الداخلية لدى الحكومات المعنية، والتي وجدت نفسها بين نارين: الالتزامات التاريخية تجاه إسرائيل من جهة، والتحديات الداخلية والانتخابية وتصاعد التضامن الشعبي مع فلسطين من جهة أخرى.
ويشير الباحث إلى أن المواقف الرمزية لبعض الدول جاءت في كثير من الأحيان بهدف امتصاص الغضب الشعبي، أكثر منها تعبيرا عن تحول جوهري في السياسات الخارجية.
الاعتراف لا يعني دعما بلا شروط
رغم الأهمية الرمزية والدبلوماسية للاعترافات الأخيرة، تؤكد الورقة أن التحول لا يترجم بالضرورة إلى تغيير فعلي في موازين القوى أو السياسات الغربية الجوهرية تجاه إسرائيل.
كما يشير إلى أن هذه الدول لا تزال حريصة على تأكيد “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، وتجنب تحميلها المسؤولية السياسية الكاملة عما يجري في الأراضي المحتلة.
وتحذر الورقة من أن هذا التحول الجزئي لا ينبغي تضخيمه، فهو تحول ظرفي لا يعبر عن قطيعة حاسمة مع السياسات التقليدية، وإنما محاولة لإعادة التوازن بين الخطاب السياسي والضغط الشعبي في الغرب.
الدلالات الإستراتيجية
في تقييمه لأثر هذا التحول، يرى الباحث أن الاعترافات الجديدة، وإن كانت محدودة العدد، تشكل كسرا تدريجيا لحالة الجمود السياسي الغربي تجاه المسألة الفلسطينية، ويمكن أن تُفضي إلى مزيد من التحولات إذا استمر الضغط الشعبي وتصاعدت الانتهاكات الإسرائيلية.
كما تسلط الورقة الضوء على أثر هذا التحول في تعميق عزلة إسرائيل دوليا، في وقت تواجه فيه انتقادات غير مسبوقة من منظمات حقوقية وأممية، بل وتعرض قادتها للمساءلة القانونية في محكمة الجنايات الدولية.
وتخلص الورقة إلى أن الاعترافات الغربية بفلسطين تبقى حتى الآن جزئية ورمزية، ولم تُغير من الواقع الميداني أو تفرض على إسرائيل التزامات جديدة.
ومع ذلك، فإنها تعد خطوة متقدمة على مسار طويل من النضال السياسي الفلسطيني، وتعكس هشاشة الرواية الإسرائيلية التي طالما حظيت بدعم مطلق في الغرب.
ويشير الباحث إلى أن تحقيق الاعتراف الكامل يتطلب تحركا عربيا ودوليا موحدا وضاغطا، يتجاوز الخطاب العاطفي إلى إستراتيجيات ممنهجة تحرج الحكومات الغربية وتكشف تناقضاتها.
وخلفت الإبادة الجماعية في قطاع غزة نحو 208 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يقرب 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.
تعليقات الزوار
كل هذه الاعترافات ليس لها معنى لأنها يمكن أن نعترف ولكن لا تستمعَو ن للشروط