إدمان وسائل التواصل بين الشباب.. هل تتحول المنصات الرقمية إلى سجون نفسية؟

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، أضحت وسائل التواصل الاجتماعي عنصرا أساسيا في الحياة اليومية للشباب، توفر لهم فضاء للتعبير، وفرصًا للتواصل والانفتاح على العالم، ورغم هذه الإيجابيات، فإن الاستخدام المفرط لهذه المنصات بات يثير قلقًا متزايدًا بشأن تداعياته السلبية، خصوصًا على الصحة النفسية للشباب.
في المقابل، كشفت دراسة حديثة عن وجود علاقة مباشرة بين الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع معدل القلق و الاكتئاب و الشعور بالوحدة في أوساط الشباب.
كما أظهرت الأبحاث أن التصفح المستمر، والمقارنة المتكررة مع الآخرين عبر المحتوى المنشور، تؤدي إلى ضعف تقدير الذات، وتراجع جودة النوم، ثم اضطراب التركيز، ويترافق ذلك مع صعوبة الانفصال عن الهاتف، والزيادة في مستويات التوتر، فضلًا عن تراجع المهارات الاجتماعية، وصراع داخلي بين الهوية الواقعية
والافتراضية.
وفي هذا السياق، أوضح المستشار والخبير في الهندسة الاجتماعية والأمن الرقمي حسن خرجوج ، أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياة الشباب اليومي، إلا أن هذا التغلغل الرقمي لا يخلو من آثار جانبية نفسية مقلقة.
وأضاف خرجوج إلى أن إدمان الشباب على هذه الوسائل يعود إلى أسباب متعددة، من أبرزها الحاجة النفسية إلى الشعور بالقبول والانتماء، فالكثير من الشباب يسعون جاهدين للحصول على “الإعجابات” والتعليقات كنوع من إثبات الذات والاعتراف الاجتماعي، كما يشكل الخوف من تفويت الأخبار أو الأحداث دافعًا قويًا للبقاء المتواصل على هذه المنصات.
وأشار أن البعض يجد في هذه التطبيقات مهربًا من ضغوط الحياة اليومية، خاصة في حال وجود مشاكل شخصية أو أسرية، كما تلعب الخوارزميات دورًا كبيرًا في تعزيز هذا الارتباط، بحيث تُصمم لجذب انتباه المستخدمين وإبقائهم على المنصة لأطول فترة ممكنة دون وعي منهم.
ويُعزى تفاقم هذه الظاهرة أيضًا إلى ضعف الوعي الرقمي لدى عدد من الشباب، وعدم إدراكهم لحجم التأثير النفسي الذي قد تخلّفه هذه الممارسات اليومية المتكررة.
وللحد من هذه التأثيرات، شدّد خرجوج على أهمية توعية الشباب بمخاطر الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، من خلال برامج تربوية وتوعوية تُدرج ضمن المؤسسات التعليمية، خصوصًا في مرحلتي التعليم الثانوي والجامعي.
كما دعا إلى تعزيز ثقافة التوازن الرقمي، من خلال تنظيم أوقات استخدام الأجهزة الإلكترونية، وأكد على أهمية تشجيع الشباب على ممارسة أنشطة بديلة، مثل الرياضة، والفنون، والمشاركة في الأعمال التطوعية، لما لها من دور كبير في تعزيز الثقة بالنفس وبناء الهوية الواقعية.
وشدد أيضًا على ضرورة توفير دعم نفسي داخل المؤسسات التعليمية، وإشراك الأسر في عملية التوجيه والمراقبة، من خلال التفاعل الإيجابي مع أبنائهم وتقديم النصح والتوعية المستمرة.
وفي ختام تصريحه، أكد الخبير على أن مواجهة ظاهرة الإدمان الرقمي تتطلب تضافر جهود متعددة الأطراف: الأسرة، المدرسة، المؤسسات الإعلامية، والمجتمع المدني، من أجل بناء جيل رقمي متوازن، يتمتع بصحة نفسية مستقرة، ووعي رقمي يمكنه من الاستفادة من التكنولوجيا دون أن يكون أسيرًا لها.
ومن جهته، أرجح المختص والباحث في قضايا التنمية الذاتية عبد الرحمن السين أن الشباب يمثل قوة حيوية في المجتمع، مشيراً إلى أنه من منظور نفسي وسوسيولوجي وسياسي، يُعتبر فاعلاً أساسياً في التغيير الاجتماعي والاقتصادي.
وأوضح أن فئة الشباب، التي تمتد من سن 12 إلى 40 عاما، تواجه تحديات متعددة، من أبرزها التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، ورغم أنها تتيح فرص التفاعل والمعرفة، إلا أنها تخلق أحياناً أوهاماً، وتعزز المقارنات السلبية، وتؤدي إلى الإدمان والعزلة.
وأشار إلى أن تفشي البطالة في صفوف حاملي الشهادات (بأكثر من 30% حسب الإحصائيات الوطنية)، يزيد من هشاشة هذه الفئة، ويجعلها أكثر عرضة للاغتراب والخوف من المستقبل.
ودعا المتحدث إلى تحمل الأسر والحكومات والمؤسسات مسؤوليتها الاجتماعية تجاه الشباب، عبر تمكينهم معرفياً ومهنياً، والتشجيع على الاستخدام الواعي لوسائل التواصل، معتبراً أن الحل يكمن في تعزيز الوعي الذاتي، والانخراط الفعال في الواقع بدل الانغماس في الفضاءات الافتراضية.
اترك تعليقاً