جهة درعة تافيلالت: إكراهات مطروحة وفرص تنموية واعدة في ظل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة 2026

ونحن اليوم في مغرب العالمية و”المونديال” بقيادة ملكية حكيمة متبصرة، نتواجد هناك خلف الستار، حيث نكبل نحن هنا بجهة درعة تافيلالت بالعديد من التساؤلات المصيرية حول مستقبل التنمية فيها كما أرادها شبابها… فكيف يمكن لشبابها ونساءها تجاوز العقبات البنيوية المتراكم؟ وما هي الاستراتيجيات التي تتيح تحويل الإمكانات الطبيعية والبشرية إلى فرص اقتصادية واجتماعية ملموسة؟ وكيف يمكن دمج كل الفاعلين المحليين في صياغة نموذج تنموي مستدام يحقق العدالة بين الجماعات ويحد من الهجرة القروية نحو المدن الكبرى؟
وللتفاعل مع هذه الأسئلة الصعبة والشاقة، يتطلب الأمر صدقا تقييمًا دقيقًا لكل مكونات جهة درعة تافيلالت واقليم ميدلت، من البنيات التحتية إلى التعليم والصحة والاقتصاد، وكيفية توظيف الطاقات الشبابية والنسائية في مشاريع تنموية متكاملة، كما تبرز الحاجة إلى وضع رؤية استراتيجية شاملة تعتمد على بيانات دقيقة ومعايير متابعة واضحة لضمان تحويل التحديات إلى فرص ملموسة.
وتشير الإحصاءات إلى أن الشباب يشكل أكثر من 55% من سكان الإقليم، ويواجهون معدلات بطالة تصل في بعض الجماعات القروية إلى 21%، ما يستدعي برامج تكوين مهني تتوافق مع متطلبات سوق الشغل وتحفز روح المبادرة والابتكار
في ذات الإطار، تدل البيانات على أن مشاركة المرأة في سوق العمل لا تتجاوز 18% رغم كونها تشكل نصف السكان، ما يفرض تطوير برامج تمكين اقتصادي واجتماعي لتعزيز دورها في التنمية المحلية وخلق فرص متكافئة.
وهنا لا يتناطح كبشان على أن التعليم هو المدخل الرئيسي لتنمية الإنسان، بل ما مرة اعتبره صاحب الجلالة القضية الوطنية الثانية بعد الصحراء، إلا أن بعض المعطيات التي توصلت بها تؤكد أن المؤسسات التعليمية تعاني من اكتظاظ ونسب هدر مدرسية تصل إلى 12% في الجماعات القروية النائية، ما يؤثر على قدرة الشباب في المنافسة والانخراط الفعلي بسوق العمل.
كما تسجل الإحصاءات أن القطاع الصحي بالإقليم يعاني من خصاص في الموارد البشرية، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء العامين 5 لكل 10 آلاف نسمة في بعض المناطق، إضافة إلى نقص التجهيزات الضرورية، ما يتطلب برامج صحية متنقلة وحوافز لاستقطاب الكفاءات الطبية.
ناهيك ان ذات المعطيات، تشير إلى إلى أن ضعف شبكة الطرق والمواصلات يعمق عزلة بعض الجماعات ويحد من قدرة الشباب على الوصول إلى فرص التعليم والعمل، كما يعوق التنمية الاقتصادية والزراعية، وتشير التقديرات إلى أن تحسين البنية الطرقية قد يرفع الناتج المحلي للجهة بنسبة تصل إلى 8%.
وتزداد الاكراهات تفاقما، مع غياب الربط بالسكك الحديدية والطرق السيار بمدن المركز مثل مكناس ومراكش واكادير وفاس ووجدة، الأمر الذي يعيق جذب الاستثمارات ويحد من فعالية المبادرات الاقتصادية، ويبرز أهمية إيجاد حلول مستدامة للنقل البري والربط الجهوي.
ومؤخرا لاحظت، كما لاحظ جميع الإقليم والجهة مشكل ندرة المياه المتعلقة اساسا بالماء الصالح للشرب بإقليم ميدلت، وهو ما يمثل تحديًا أساسيًا إذ يفتقر حوالي 35% من سكان الجماعات القروية إلى التزويد المنتظم بالماء، ما يفرض استثمارات عاجلة في شبكات التوزيع ومحطات المعالجة وايضا بناء سدود صغيرة و متوسطة.
وتشير الدراسات إلى أن الإمكانات الطبيعية للإقليم كبيرة، حيث تمتد مناطق زراعية جبلية مشهورة بإنتاج التفاح والزيتون، إلا أن ضعف التسويق والدعم التقني يحد من الاستفادة الكاملة منها ويجعلها عرضة للتقلبات المناخية والأسعار.
وفي سياق متصل، يجب ان نستحضر التجربة المغربية الرائدة في الطاقات البديلة، التي حظيت باهتمام ورعاية ملكية سامية واستثنائية، إذ توضح المؤشرات أن الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والريحية، توفر فرصًا كبيرة للتنمية الاقتصادية، إلا أن ضعف الاستثمار والاستغلال الأمثل يحول دون استفادة الجهة منها بشكل كامل، خاصة إقليم ميدلت الرائد وطنيا في هذا المجال.
واذا حاولنا استقصاء الإمكانات السياحية في ميدلت، بما فيها المناطق الجبلية والواحات، سنجد أن اغلبها غير مستغلة بالشكل الأمثل، إذ لا يزال عدد السياح المتوافدين ضعيف ، رغم أن هناك إمكانية حقيقية لمضاعفة الحصيلة عبر تطوير البنية التحتية والترويج المستدام لها.
كما أن غياب مشاريع كبرى مثل بناء كلية متعددة التخصصات يضعف فرص التعليم العالي المحلي ويجبر الشباب على التنقل للمدن الأخرى، ما يساهم في هجرة الكفاءات ويؤثر على التنمية المحلية.
وتوضح الدراسات أن ضعف التنسيق بين الجماعات المحلية والمجالس المنتخبة يؤدي إلى تكرار بعض المشاريع أو إهمال أخرى، ما يستدعي إنشاء منصات شراكة فعالة لضمان التنفيذ الأمثل.
والأمر يزداد استفحالا، مع غياب رؤية استراتيجية واضحة للإقليم ينعكس سلبًا على التخطيط الاقتصادي والاجتماعي ويؤخر المشاريع الحيوية، مما يتطلب وضع خارطة طريق شاملة مع مؤشرات متابعة دقيقة
ومما لا شك فيه كذلك أن الفاعل السياسي اخاف الموعد في أكثر من موعد، حيث أن بعض النخب السياسية تركز على الصراعات الهامشية بدل الملفات التنموية الجوهرية، ما يقلل من فعالية برامج التنمية المحلية ويحد من جذب الاستثمارات، خاصة المجالس المنتخبة بالجماعات الترابية.
وتوضح الوقائع أن الجمعيات المحلية والمبادرات الشبابية قادرة على تحقيق نتائج ملموسة إذا توفرت الإرادة والدعم، فقد نجحت بعض المشاريع في خلق مئات فرص الشغل وتعزيز التعليم والتكوين، لاسيما مع المشاريع الشبابية المبتكرة، خاصة في مجالات التكنولوجيا الفلاحية والسياحة المستدامة، التي يمكن أن تحقق نتائج مشجعة وتخلق فرص عمل مباشرة، ما يؤكد أهمية دعم الابتكار وربطه بالتمويل والتأطير المهني.
وفي صلب ما دعت اليه الخطب الملكية، يظل إشراك الشباب والمرأة في صنع القرار ركيزة أساسية لضمان استدامة التنمية، إذ تشير الدراسات إلى أن المجتمعات التي تُدمج فيها هذه الفئات تحقق مؤشرات تنموية أعلى بنسبة 20%، وأن نجاح أي مشروع تنموي يعتمد على شراكة حقيقية بين الدولة والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني، مع وضع آليات شفافة للمحاسبة لضمان تنفيذ المشاريع وتحقيق الأهداف
ويؤكد الواقع، أن الإصلاح الإداري المحلي، من حيث تسهيل إجراءات المشاريع وتبسيط البيروقراطية، عامل حاسم لتسريع التنمية وتمكين الشباب من الانخراط الفعلي في المبادرات الاقتصادية والاجتماعية، ولن تتحقق إلا عبر تمكين الشباب والمرأة، إصلاح البنيات التحتية، الاستثمار في التعليم والصحة، واستغلال الموارد الطبيعية بكفاءة، ومن ثم فإن تعبئة جميع الفاعلين المحليين من النخب السياسية إلى المجتمع المدني والجمعيات والمبادرات الشبابية تمثل الشرط الأساسي لتحقيق أهداف التنمية المنشودة.
اترك تعليقاً