القطاع الخاص بالمغرب.. شريك محوري في التنمية الاقتصادية يحاصره “الاحتكار والهيمنة”

يشكل القطاع الخاص في المغرب دعامة أساسية للنمو الاقتصادي، حيث يساهم بشكل كبير في الناتج الداخلي الخام ويوفر أكثر من 90% من مناصب الشغل، ما يجعله شريكا محوريا في تحقيق أهداف النموذج التنموي الجديد.
ومع ذلك، يواجه هذا القطاع تحديات كبيرة تهدد فعاليته، تتمثل في احتكار بعض الشركات الكبرى وهيمنة الدولة على نسبة كبيرة من الاستثمارات العامة، وهو ما يحد أحيانا من قدرة المقاولات الصغيرة والمتوسطة على النمو والمنافسة.
وفي ظل هذا الواقع، يبرز جدل بين الخبراء حول مدى قدرة القطاع الخاص على لعب دوره كاملا كمحرك رئيسي للاقتصاد الوطني، بين من يرى أنه القاطرة الحقيقية للنمو والابتكار، ومن يعتبر أن تدخل الدولة ووجود الاحتكارات يضعف من تنافسيته ويحد من إمكاناته.
قاطرة للنمو
تشير المعطيات الرسمية إلى أن القطاع الخاص يساهم بنسبة كبيرة في الناتج الداخلي الخام، كما يوفر ما يفوق 90% من مناصب الشغل على المستوى الوطني، ما يجعله فاعلًا رئيسيًا في محاربة البطالة وتعزيز النمو الاقتصادي.
وتؤكد الحكومة أن تحسين مناخ الأعمال وتبسيط المساطر الإدارية كان له أثر إيجابي في تشجيع الاستثمارات الخاصة، خاصة بعد إطلاق ميثاق الاستثمار الجديد.
في هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي، علي الغنبوري، أن القطاع الخاص هو ركيزة أساسية القطاع الخاص في مسار التنمية الاقتصادية، باعتباره الفاعل الأول في خلق فرص الشغل وإنتاج الثروة الوطنية وتوسيع الوعاء الضريبي.
وأوضح أنه من خلال استثماراته في الصناعة والفلاحة والخدمات، يساهم القطاع الخاص في تنويع النسيج الاقتصادي والرفع من تنافسيته، كما يشكل حافزا على الابتكار وتطوير المنتجات والخدمات، ويضمن إدماج الاقتصاد الوطني في الدينامية العالمية.
وأضاف الغنبوري، أن استثمارات القطاع الخاص قادرة على أن تتوزع على مختلف الجهات، ما يعزز التنمية المجالية ويحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، وقد أدرك المغرب أن تحقيق التنمية المستدامة يستوجب تجاوز الاعتماد الكبير على الاستثمار العمومي، وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
وتابع قوله في تصريح لجريدة “العمق”: “لذلك عملت الدولة على تحسين مناخ الأعمال، وتبسيط المساطر، وتوسيع فرص الولوج إلى التمويل لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة، باعتبارها محركا رئيسيا للتشغيل وخلق القيمة المضافة”.
وفي سياق التوجهات الجديدة، شدد الغنبوري على أن المغرب تبنى هدفا استراتيجيا يقوم على قلب معادلة الاستثمار، بحيث ينتقل من هيمنة الاستثمار العمومي إلى جعل ثلثي الاستثمارات ذات طبيعة خاصة.
ولتحقيق ذلك، تم إطلاق برنامج طموح لتعبئة 550 مليار درهم خلال السنوات المقبلة، ما يعكس إرادة واضحة في تمكين القطاع الخاص من لعب دور القاطرة في النموذج التنموي الجديد، وتحويله إلى المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
واعتبر الغنبوري أن هذا التحول يعبر عن وعي عميق بأن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا عبر شراكة قوية بين القطاعين العام والخاص، قائمة على الشفافية، المنافسة العادلة، ومحاربة الريع والاحتكار.
وشدد على أن الرهان اليوم هو جعل الاستثمار الخاص في قلب الاستراتيجية الوطنية للتنمية، باعتباره الوسيلة الأكثر فعالية لخلق فرص الشغل، تعزيز الابتكار، وتكريس العدالة المجالية والاجتماعية، بما ينسجم مع أهداف النموذج التنموي الجديد للمغرب.
قيود الاحتكار والهيمنة
بالمقابل، يرى الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن القطاع الخاص في المغرب لا يساهم إلا بثلث الاستثمارات العامة، في حين تتكفل الدولة بالثلثين، معتبرا أن هذه النسبة كانت مقبولة في السنوات الأولى التي تلت استقلال المغرب، لأن القطاع الخاص آنذاك لم يكن متطورًا.
لكن بعد مرور خمسين أو ستين سنة من الاستقلال، يضيف الكتاني، يفترض أن يصبح القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي للاستثمار، لأنه يوفر التنافسية ويحدّ من احتكار الدولة.
وصرح المتحدث لجريدة “العمق” أن الواقع الحالي يُظهر أن الدولة ما تزال تنافس وتضايق القطاع الخاص، بل وتُقصيه من المشهد الاقتصادي، مما يُفقد هذا الأخير دوره الطبيعي. لذلك، يجب أن تتراجع الدولة عن هذا الدور المُهيمن، وأن تصبح مكملة وداعمة للقطاع الخاص، لا منافسة له.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن هناك مشكلًا مزدوجًا: أولًا، هيمنة الدولة على الاستثمار، إذ إنها تساهم بثلثي الاستثمارات العامة، في حين أن الحكومة نفسها سبق أن أقرت بضرورة تقليص هذه النسبة ليصبح الثلث فقط من نصيب الدولة، والثلثين من نصيب القطاع الخاص.
وثانيًا، يرى الكتاني أن القطاع الخاص نفسه يعاني من الاحتكار، حيث توجد علاقات امتيازية بين بعض اللوبيات داخل الدولة وعدد من الشركات الكبرى، مما يؤدي إلى إضعاف التنافسية، ويحوّل الدولة إلى فاعل اقتصادي محتكر.
وأشار المتحدث أيضًا إلى أن هذا الوضع يجعل من الشركات الكبرى هي المستفيدة من العقود والصفقات العمومية، وغالبًا ما تكون هذه الشركات قد تم إعدادها مسبقًا من طرف الدولة نفسها، مما يُقصي الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويمنعها من دخول الأسواق بسبب غياب ضمانات حقيقية للتنافس.
من جهة أخرى، ترتبط الدولة بعلاقات مصلحية مع ثلاث أو أربع شركات كبرى، تمنحها العقود والامتيازات، مما يجعلها تساهم مباشرة في خلق الاحتكار، وفي إغلاق المجال أمام الاستثمارات الصغيرة والمتوسطة.
كما أن الأبناك، التي توجد فيها لوبيات تابعة للدولة، تفضل تمويل الشركات الكبرى، ولا تقدم الدعم الكافي للمقاولات الصغرى والمتوسطة، رغم بعض المبادرات التي أطلقتها الدولة، إلا أن أثرها يظل محدودًا.
ويؤكد الخبير الكتاني أن القطاع الخاص منقسم إلى قسمين: قسم احتكاري، وقسم مكوَّن من شركات صغيرة ومتوسطة تعاني من ضعف التمويل، وغياب الحماية، وسيطرة الشركات الكبرى، فضلًا عن تأثير القطاع غير المهيكل.
ويعتبر الخبير الاقتصادي أن المقاولات الصغرى والمتوسطة هي الضحية في هذا النظام، ولتشجيعها، ينبغي أن تقوم المؤسسات التنافسية بدورها بشكل فعّال، وأن تمنحها الدولة السلطة الكافية، وألا تُقمع عندما تقوم بمهامها في ضمان التنافسية.
ويضيف المتحدثة نفسه أن الاقتصاد المغربي يُصنَّف كاقتصاد ليبرالي، لكنه في الواقع اقتصاد احتكاري. فمثال على غياب الحماية، يشير إلى أزمة قطاع النسيج التي استمرت لعشر سنوات، وأدت إلى فقدان حوالي 400 ألف منصب شغل، دون أن تتدخل الدولة لمساعدته، رغم أن هذا القطاع كان يشغل قرابة مليون شخص.
وأبرز الكتاني أن مستقبل القطاع الخاص مرتبط بفتح المجال أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة، لأنها تملك القدرة على خلق مناصب الشغل وتقليص البطالة.
كما شدد على أهمية توجيه الاستثمارات نحو المناطق القروية، بهدف إنشاء مدن جديدة في البادية، مما يفتح آفاقًا واسعة للقطاع الخاص ويساهم في تنمية تلك المناطق.
ويرى أن هذا التوجه يتطلب أيضا تأهيل سكان البادية من خلال التكوين والتعليم، وإنشاء جامعات، ومعاهد، ومستشفيات، وبنية تحتية متكاملة، إضافة إلى توفير السكن الاقتصادي.
واعتبر أن من شأن ذلك أن يُحدث هجرة عكسية من المدن إلى القرى، ويمنح البادية فرصًا تنموية حقيقية تجعلها بديلًا حيويًا عن المدن المكتظة وتفتح آفاقًا جديدة أمام القطاع الخاص.
* الصورة تعبيرية
اترك تعليقاً