وجهة نظر

سباق التسلح بين المغرب والجزائر.. كلفة باهظة على حساب التنمية

في وقت تتزايد فيه الضغوط الاجتماعية والاقتصادية يواصل المغرب والجزائر سباق مريب في التسليح وكأنّ الأمن القومي يُختزل في الدبابات والطائرات فقط، أرقام الميزانيات تكشف حجم هذا الانحراف في المغرب خصص برسم قانون مالية 2025 حوالي 135مليار درهم للدفاع، مقابل 85 مليار درهم للتعليم و32 مليار للصحة وفي الجزائر ذهبت حوالي 25 مليار دولار للدفاع، أي أكثر من ضعف ما يخصص للتعليم والصحة مجتمعين.

السبب الأساسي لهذا الإنفاق الضخم هو سباق التسلح بين البلدين لمواجهة بعضهما البعض، خاصة في ظل القضايا الإقليمية الساخنة بما فيها ملف الصحراء وملف الإرهاب في دول الساحل، الأمر الذي يجعل كل دولة تسعى لتعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة أي تصعيد محتمل، بغض النظر عن تأثير ذلك على التنمية الوطنية.

هذا الإنفاق الهائل يطرح سؤال جوهري: كيف يمكن لشعبين يعانيان من البطالة وتدهور الخدمات أن يقبلا بأن تُستنزف موازناتهما في شراء السلاح بدل الاستثمار في الإنسان؟ الأمن الحقيقي لا يُبنى بالرصاص وحده، بل بالتعليم الجيد والصحة المتينة والفرص الاقتصادية المتاحة للشباب. أي جيش يمكن أن يحمي وطنًا تنهكه الفقر والبطالة؟

المغرب يواجه عدة تحديات كبرى تضغط على ميزانيته بشكل هائل. تنظيم البطولات الكبرى مثل كأس العالم يشكل استنزاف ضخم للموارد المالية، خاصة في ظل غياب موارد طبيعية كبيرة مثل النفط والغاز كما هو الحال في الجزائر. هذا الواقع يجعل الدولة مضطرة إلى الاقتراض لتغطية الإنفاق العسكري والبنية التحتية للفعاليات الكبرى، ما يؤدي إلى ارتفاع المديونية وتزايد الضغوط على خزينة الدولة، بينما يعاني المواطن من نقص الخدمات الأساسية وتأخر المشاريع التنموية، ما يعكس اختلال الأولويات بين تعزيز القدرات العسكرية وتحقيق رفاهية الشعب.

أما الجزائر، فاعتمادها المفرط على النفط والغاز لتمويل التسليح يجعل اقتصادها رهينة لتقلبات السوق العالمية، ويؤجل معالجة مشاكل أساسية مثل البطالة والفقر والتعليم المتدني. الصفقات العسكرية الضخمة، رغم ضخامة الموارد، لم تنعكس إيجاباً على حياة المواطنين، بل زادت من فجوة الثقة بين الدولة والشعب، مما يضعف التماسك الاجتماعي على المدى الطويل.

السباق العسكري بين البلدين يجعل أي مشروع تنموي أو تعاون إقليمي شبه مستحيل. بينما يركز البلدان على تعزيز قدراتهما الدفاعية لمواجهة بعضهما البعض، تُترك الفرص الذهبية للاستثمار المشترك، مثل مشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة، أو تطوير الصناعات الفلاحية والفكرية، دون استغلال حقيقي. هذا الإصرار على الانعزال العسكري يحد من فرص خلق منطقة مغاربية مزدهرة ومستقرة.

المشكلة ليست فقط مالية بل سياسية أيضا. الدولة بكل أجهزتها في المغرب والجزائر تتحمل مسؤولية واضحة تجاه شعوبها في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق. استمرار تجاهل الاحتياجات الأساسية للمواطنين في مقابل سباق التسلح يعكس ضعفاً في الإدارة والرؤية، ويهدد الشرعية الشعبية على المدى الطويل. أي دولة لا تهتم بمواطنها اليوم، ستواجه أجيالا محبطة وغاضبة غدا.

الأموال التي تُصرف على السلاح يمكن أن تُستثمر في مشاريع استراتيجية تعود بالنفع المباشر على الشعوب. بناء مستشفيات ومدارس، تحسين البنية التحتية، تطوير الصناعات الفلاحية والفكرية، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشغيل الشباب، كلها خيارات تنموية كان بالإمكان تحقيقها لو تم توجيه جزء من ميزانية الدفاع نحوها. استمرار هذا النهج يعني تأجيل التنمية، وتعميق شعور الإحباط لدى المواطن، ودفع الشباب نحو الهجرة.

الأمن الحقيقي يبدأ من الإنسان. التعليم الجيد، الرعاية الصحية الشاملة، الشغل الكريم، والمشاركة في صنع القرار، كلها مكونات تجعل الدولة أقوى وأكثر قدرة على الصمود أمام التحديات. الدول التي نجحت في حماية شعوبها ركزت على بناء الإنسان قبل بناء الجيش، لأن المواطن المتعلم والمنتج هو الحارس الحقيقي لوطنه.

الدولتان اليوم أمام خيار صعب لكنه ضروري: الحفاظ على قدراتهما الدفاعية لا يجب أن يكون على حساب مستقبل شعوبهما. إعادة التوازن في الإنفاق، التفكير في آليات تعاون أمني مشتركة، وتوجيه الموارد نحو التنمية، هي السبيل لضمان استقرار طويل الأمد.

الاختيار ليس بين الجيش أو المدرسة فقط، بل بين دولة قوية بجيش وحده، ودولة قوية بجيش ومواطن متعلم ومعافى وقادر على الإنتاج. استمرار سباق التسلح على حساب التنمية يعني أن الشعوب وحدها ستدفع الثمن، وستبقى أجيالها تدفع ثمن قرارات سياسية لم تخدم الإنسان. الاستثمار في الإنسان هو الأمن الحقيقي، والاختيار بين الرصاصة والمدرسة مسألة حياة أو موت لمستقبل الأجيال.

* عبد الحكيم العياط، باحث جامعي مغربي في العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *