هواجس أمنية ومطالب بالترحيل.. عنف المهاجرين الأفارقة يضع التعايش أمام اختبار صعب

عاشت مدينة الدار البيضاء وضواحيها خلال الأشهر الأخيرة على وقع توتر متصاعد بعدما تحولت بعض الأحياء إلى مسرح لمواجهات عنيفة بين مهاجرين قادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، آخر هذه الأحداث سُجلت السبت الماضي في منطقة عين حرودة التابعة لعمالة المحمدية، وقبلها بأسابيع قليلة بحي الولفة في مقاطعة الحي الحسني، حيث اندلعت مشادات جسدية استُعملت فيها الأسلحة البيضاء أدت إلى سقوط عدد من الوفيات والجرحى، قبل أن تتدخل القوات الأمنية لفرض النظام وتوقيف عدد من المتورطين.
وبات حضور المهاجرين الأفارقة مثار جدل متصاعد بين ساكنة العاصمة الاقتصادية، بعدما تزايدت أعدادهم بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وانتشروا في أحياء مثل الولفة والحي الحسني، إضافة إلى محيط محطات الحافلات والترامواي وإشارات المرور، حيث يمارس بعضهم التسول أو أنشطة غير نظامية.
وبالنسبة لكثير من البيضاويين، فإن المشهد تحول من مجرد تنوع سكاني إلى مصدر قلق يومي تغذيه مخاوف أمنية وهواجس اجتماعية، إذ أن مشاهد الصدام تركت صدى واسعا بين السكان الذين عبروا عن قلقهم مما يعتبرونه “انفلاتا متكررا”، بينما حذرت جمعيات مدنية وحقوقية من تداعيات ما تصفه بـ”أزمة تعايش” تزداد حدة مع تزايد أعداد المهاجرين في قلب العاصمة الاقتصادية.
وفي تصريح لجريدة “العمق” قال مصطفى الوراقي، أحد سكان الحي الحسني: ” في أحياء مثل الولفة والحي الحسني، لم يعد مرور المهاجرين الأفارقة مجرد مشهد عابر، بل صار جزءا من الحياة اليومية، أينما وليت وجهك تجد تجمعات كبيرة منهم، أحيانا أشعر وكأني في أنغولا أو بوتسوانا”. قبل أن يضيف بنبرة غاضبة: “المشكل ليس في وجودهم، بل في سلوكيات عدوانية تصدر عن بعضهم، تجعلنا نعيش في خوف دائم”.
من جهتها عبرت فاطمة الرتباني عن استيائها من تفاقم أعداد المهاجرين في السنوات الأخيرة قائلة :”في طريقي إلى العمل أمر بمحطة الترام، وأرى باستمرار مشادات بينهم، أحيانا تتحول إلى عنف وهذا يتركني في حالة رعب”.
وتعكس هذه الشهادات إحساسا عاما لدى جزء من الساكنة بأن وجود المهاجرين لم يعد مرتبطا فقط بالصورة النمطية للبحث عن لقمة العيش، بل أضحى مرادفا لاضطرابات قد تمس الاستقرار اليومي للسكان.
وأمام تصاعد حوادث العنف وتزايد أعداد المهاجرين الأفارقة في الدار البيضاء، لم يعد غضب الساكنة مجرد تذمر عابر، بل تحول إلى مطالب واضحة ومباشرة تجاه السلطات، فالكثير من البيضاويين يلحون على ضرورة تعزيز الحضور الأمني في الشوارع ومحطات النقل، وتشديد المراقبة على المهاجرين في وضعية غير قانونية وترحيل المخالفين منهم، في مقابل أصوات أخرى تنادي بمعالجة أكثر شمولية، عبر إحداث مراكز استقبال وتنظيم أنشطة تتيح للمهاجرين مصدر دخل قانوني، بما يضمن التوازن بين حماية الساكنة واحترام البعد الإنساني للهجرة.
وفي هذا الصدد، اعتبر عبد الرحيم السعدي، وهو فاعل اجتماعي مهتم بقضايا المهاجرين، أن ما يحدث في الدار البيضاء هو انعكاس لغياب سياسة شاملة للهجرة والاندماج، موضحا أن “المهاجرين الأفارقة يعيشون في ظروف هشاشة قصوى، من دون عمل قار أو سكن لائق، ما يجعل بعضهم ينزلق نحو العنف أو سلوكيات منحرفة، مشددا على أنه لا ينبغي التعميم، فهناك كثيرون يحاولون الاندماج والعيش بسلام”.
ويرى السعدي في تصريح لـ”العمق”، أن تنامي الخطاب الغاضب من المهاجرين يحمل مخاطر كبيرة، مشددا على أنه “لا يمكن إنكار المشاكل الواقعية، لكن تصوير المهاجرين ككتلة عنيفة يهددهم بالعزلة والنبذ، في حين أن الحل يكمن في إدماجهم عبر التعليم والتكوين وتسوية الوضعية القانونية”.
وبين التعاطف الإنساني الذي يراه البعض واجبا تجاه مهاجرين يعيشون أوضاعا هشة، والمخاوف الأمنية التي تتزايد مع تكرار حوادث العنف، يجد سكان الدار البيضاء أنفسهم على وقع توتر يومي يثقل حياتهم، وهو الأمر الذي لخصه عبد الله تاجر من حي الولفة قائلا: “لسنا ضدهم كأشخاص، لكن عندما يتحول الحي إلى ساحة صراع، وتصبح بناتنا يخشين المرور في الشارع، فالمسألة تتجاوز حدود التسامح”.
اترك تعليقاً