من كان وبرلين إلى القاعات الوطنية.. السينما المغربية تعيش مفارقة النقد والجمهور

رسخت السينما المغربية في السنوات الأخيرة حضورا متزايدا في كبرى المهرجانات الدولية، من “كان” إلى “برلين” و”صاندانس”، عبر أفلام نالت إشادات نقدية وجوائز مرموقة، غير أن هذا الاعتراف العالمي لم يُترجم إلى إقبال جماهيري واسع داخل القاعات الوطنية.
وتشتهر السينما المغربية بإنتاج أفلام فنية عالية الجودة تحظى بتقدير كبير في المهرجانات السينمائية الدولية، لكنها غالبا ما تواجه صعوبات في تحقيق إقبال جماهيري كبير داخل المغرب ما يدفعها للخروج من سباق المنافسة على شباك التذاكر بدون أي إيرادات تذكر.
مفارقة لافتة أصبحت تثير تساؤلات عديدة حول كيف لفيلم يصنع الحدث في الخارج أن يمر مرورا باهتا أمام جمهوره الطبيعي في الداخل؟.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن أفلاما مثل عصابات” لكمال الأزرق (3.266 تذكرة)، “كذب أبيض” للمخرجة أسماء المدير (2.385 تذكرة)، و”أنيماليا” لصوفيا العلوي (1.053 تذكرة)، تذيلت قائمة الأفلام المغربية من حيث المداخيل، رغم أنها حققت صدى واسعا على المستوى النقدي وحضرت في محافل كبرى. وتعكس هذه الأرقام بوضوح الفجوة بين الاعتراف الدولي وسلوك المتفرج المغربي في شباك التذاكر.
اختلاف “لغة المهرجانات” عن “لغة السوق”
قال الناقد السينمائي كريم بحار، إن نجاح العديد من الأفلام المغربية في المهرجانات الدولية وفشلها في السوق المحلي ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لتفاعل معقد لعدة عوامل.
وأضاف بحار أن “الأفلام المغربية التي تحصد الجوائز عادة ما تُبنى بلغة سينمائية موجهة للمهرجانات، حيث تسود المعالجة الفنية والرمزية والإيقاع البطيء، بينما يفضل الجمهور المغربي الكوميديا أو الدراما الاجتماعية المباشرة، لذلك يحصل نوع من الطلاق بين لغة المهرجانات ولغة السوق المحلي”.
وتابع بحار في تصريح لـ”العمق”، أن هناك فجوة واضحة بين ما يمكن وصفه بين الذوق “النخبوي” و”الجماهيري”، إذ أن لجان تحكيم المهرجانات تحتفي بالأعمال التي تطرح قضايا فلسفية أو وجودية بأساليب جمالية مبتكرة، فيما يُنظر إلى هذه النوعية من الأفلام في المغرب باعتبارها “نخبوية” موجهة إلى شريحة محدودة من المتلقين، ويفضل الجمهور الواسع القصص البسيطة التي تحمل جرعات من الكوميديا أو الترفيه.
ويرى الناقد السينمائي، أن ضعف استراتيجيات التوزيع والتسويق يساهم في اتساع الهوة، فالمخرجون والمنتجون يركزون على الترويج لأفلامهم في المهرجانات والأوساط النقدية الدولية، لكنهم لا يولون اهتماما كافيا للجمهور المغربي، معتبرا أن النتيجة هي أن كثيرا من المتفرجين لا يعلمون حتى بوجود هذه الأعمال أو بمواعيد عرضها.
واعتبر ذات المتحدث، أن مسألة الدعم العمومي للسينما المغربية، رغم أهميته، قد يدفع مخرجين إلى إنتاج أفلام موجهة للمهرجانات أكثر من اهتمامها بالجمهور المحلي، ما يجعل العملية تتحول إلى ما يشبه “الريع الثقافي”، إذ يصبح الهدف هو الظفر بالدعم وتحصيل الاعتراف الدولي، بينما يُهمل البعد الجماهيري الذي يُفترض أن ينعش القاعات، وفق تعبيره.
يشار إلى أن إحصائيات المركز السينمائي المغربي، كشفت عن تحقيق الأفلام التجارية المغربية لإيرادات عالية خلال السنوات الأخيرة في مقابل مغادرة الأفلام الروائية لقاعات السينما خلال شهر من موعد طرحها، وأكدت الأرقام تفوق الأعمال التجارية المغربية من ناحية المداخيل حتى على نظيرتها العالمية ذات الإنتاج الضخم مثل “المهمة المستحيلة” لتوم كروز، و”أوبنهايمر”، و”أفاتار درب المياه”، و “غلادياتور”.
اترك تعليقاً