مجتمع

الآلاف يشيعون جثمان “عيزي أحمد” لمثواه الأخير بأجدير.. والزفزافي يلهب المشيعين بالمقبرة (فيديوهات وصور)


شيع الآلاف من سكان الحسيمة وضواحيها، جثمان أحمد الزفزافي المعروف في المنطقة بلقب “عيزي أحمد”، والد ناصر الزفزافي قائد حراك الريف المعتقل بسجن “طنجة 2”، في جنازة حاشدة استمرت من عصر اليوم الخميس إلى غاية غروب الشمس، بمقبرة المجاهدين بجماعة أجدير الملاصقة لمدينة الحسمية.

موكب التشييع انطلق من المسجد العتيق وسط الحسيمة، حيث أقيمت صلاة الجنازة على جثمان الراحل، قبل أن يقطع المشيعون مسافة تتجاوز 10 كيلومترات مشيا على الأقدام وعلى متن السيارات والدراجات النارية وصولا للمقبرة التي أوصى الراحل بدفنه فيها، وسط شعارات تطالب بالإفراج عن ناصر الزفزافي ورفاقه من السجون.

وشارك ناصر الزفزافي في مراسيم دفن والده تحت حراسة أمنية مشددة من طرف عناصر الدرك الملكي الذين رافقوه من السيارة إلى القبر، فيما لم يتمكن المئات من المشيعين من دخول المقبرة بسبب الاكتظاظ الشديد بالمنطقة.

وعرفت الجنازة حضورا كبيرا لعناصر الدرك الملكي الذين قاموا بتأمين مسار التشييع وتنظيم حركة المرور التي توقفت لساعات بسبب الحشود الكبيرة من المشيعين، فيما شارك في الجنازة عدد من الشخصيات الحقوقية والسياسية الوطنية والمحلية.

وعقب انتهاء مراسيم الدفن، تم نقل ناصر الزفزافي من المقبر في سيارة مدنية تحت حراسة مشددة، وسط هتافات من طرف الحشود تطالب بالإفراج عن ناصر، في حين طوق العشرات من قوات التدخل التابعة للدرك الملكي، مسيرة احتجاجية حاولت الانطلاق من المقبرة صوب السحيمة.

وشهدت الحسيمة، طيلة الخميس، يوما استثنائيا بعد حضور ناصر الزفزافي إلى المدينة للمشاركة في تشييع والده، حيث امتلأت الشوارع والأزقة المحيطة بمنزله بمئات من المشيعين الذين رددوا هتافات لصالح ناصر طيلة اليوم.

وكان الحدث الأبرز خلال اليوم، الكلمة التي ألقاها ناصر الزفزافي من على سطح منزله بمدينة الحسيمة، والتي ألهبت حماس المشيعين، حيث قال قائد حراك الريف إنه لا شيء يعلو فوق مصلحة الوطن، واصفا والده بـ”أبو الأحرار والحرائر الذي نذر حياته في سبيل الوطن”، مضيفا: “حينما أقول الوطن أقصد به صحراؤه وجنوبه شرقه وشماله”.

الزفزافي الذي مُنح ترخيصا استثنائيا لمغادرة السجن وحضور مراسم الدفن في مدينة الحسيمة، أضاف في كلمته بالقول إن “مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”، مشددا على أن الاختلاف في الآراء يجب أن يصب في نهاية المطاف في خدمة الوطن الذي يشمل كل ربوعه من شماله إلى جنوبه وصحرائه.

ووجه الزفزافي، شكرا خاصا لإدارة السجون، ممثلة في شخص المندوب العام، على المجهودات التي بذلت للسماح له بحضور مراسم دفن والده، قائلا: “ما كنت لأكون اليوم معكم لولا فضل الله تعالى والمجهود الكبير الذي قام به المندوب العام لإدارة السجون”، مؤكدا أن تحقيق هذا الأمر “لم يكن بالسهل”.

وتفاعل الحضور مع كلمة الزفزافي بشكل كبير، حيث تعالت هتافات تطالب بالحرية له ولباقي المعتقلين، فيما اختتم الزفزافي كلمته معتبرا الحضور الجماهيري الكبير “انتصارا للوطن”، في إشارة إلى التلاحم الذي أظهره المشيعون في هذا الظرف الإنساني.

واعتبر مواطنون حضروا لمنزل الزفزافي لتقديم العزاء والمشاركة في الجنازة، أن كلمة ناصر تشكل تأكيدا على مواقفه الوطنية وتشبثه بمصلحة الوطن، مشيرين إلى أن هذه الكلمة تحمل رسائل قوية إلى الجميع مفادها أن معتقلي حراك الريف ليسوا انفصاليين أو معادين للوطن، بل جزء أصيل من هذا الوطن.

وقال ناشط بالحسيمة في تصريح لجريدة “العمق”، إن كلمة ناصر الزفزافي تستلزم ردا إيجابيا من الدولة لطي ملف معتقلي الريف، مطالبين بمنحه عفوا ملكيا رفقة باقي المعتقلين من أجل إنهاء هذا الملف الذي عمَّر أزيد من 8 سنوات، معبرا عن أمله في أن تتُوج هذه الأجواء بالإعلان عن عفو ملكي بمناسبة ذكرى المولد النبوي.

وأوضح شاب آخر من الحسيمة في تصريح للجريدة، أن كلمة الزفزافي اليوم تؤكد على عدالة مطالب حراك الريف، وأنها ليس مطالب سياسية بل اجتماعية محضة من أجل رفع التهميش عن المنطقة ومنح أبناء الريف فرصة للعيش بكرامة، وفق تعبيره، معتبرا أن الاحتجاجات كانت تطالب ببناء مدارس ومستشفيات وكليات وخلف فرص شغل للمنطقة.

وأضاف أن من أبرز المفارقات في جنازة أحمد الزفزافي، هو أنه توفي بمرض السرطان، وهو نفس المرض الذي كان يناضل ابنه رفقة نشطاء حراك الريف من أجل بناء مستشفى خاص به بالحسيمة، باعتبارها إحدى المناطق التي تسجل أعدادا مرتفعة في الإصابة بهذا المرض الفتاك.

وفي تصريح آخر، قالت سيدة جاءت من مدينة الدار البيضاء، إن الأجواء التي تعرفها الحسيمة هذا اليوم، تفرض على الجهات المعنية منح الحرية لناصر الزفزافي ورفاقه، خصوصا بعد الكلمة التي ألقاها من على سطح منزله، مشيرة إلى أن الإفراج عنه سيحقق مصالحة تاريخية مع سكان الريف، حسب قولها.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، امتلات الصفحات والحسابات بمئات التدوينات التي تفاعلت مع كلمة ناصر الزفزافي، واعتبرتها فرصة حقيقية لطلي ملف حراك الريف عبر الإفراج عن المعتقلين بقيادة ناصر، مؤكدين على أن نشطاء الحراك وطنيين عكس الاتهامات التي كانت توجه لهم بأنهم ضد الوطن.

جدير بالذكر أن أحمد الزفزافي توفي، مساء أمس الأربعاء، حيث أعلن طارق الزفزافي، نجل الراحل وشقيق ناصر، خبر الوفاة في تدوينة على حسابه بموقع “فيسبوك”، وذلك بعد ساعات من كشفه أن والده يوجد في قسم الإنعاش في لحظاته الأخيرة.

يذكر أن ناصر الزفزافي يقضي عقوبة سجنية مدتها 20 عاما بسجن “طنجة 2″، عقب اعتقاله في ماي 2017 على خلفية الاحتجاجات التي شهدها إقليم الحسيمة منذ 2016، وهي العقوبة التي أكدتها محكمة النقض بالرباط سنة 2019، وشملت عددا من نشطاء الحراك.

وكان ناصر الزفزافي قد استفاد من ثلاث رخص استثنائية لمغادرة السجن قصد عيادة والده المريض، أولها في يونيو 2021 لزيارته بإحدى المصحات بطنجة، ثم في يناير 2024 خلال زيارة جدته المريضة بالحسيمة، وأخيرا في غشت الماضي حين تمكن من رؤية والده في مصحة خاصة بالمدينة، وفق ما أعلنته المندوبية العامة لإدارة السجون، حينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *