وجهة نظر

الإنسانية أكبر من خمس دول.. وتركيا إنسانية

قال أحد الفلاسفة العرب المعاصرين: (“الإنسانية” كلمة يجمع عليها جميع المؤمنين في جميع الديانات على اختلافها وتنوّعها، ويجمع عليها المؤمنون وغير المؤمنين كذلك. وهي كلمة تتجاوز انتماءات الناس لأي دين من الأديان ولأي وطن من الأوطان ولأية قومية من القوميات. وإن الإجماع على هذه الكلمة من قبل مختلف احتمالات الإنسان يجعلها نقطة التقاء توحد بين المؤمن وغير المؤمن وبين المتديّن وغير المتديّن وبين الناس من مختلف المجتمعات والبلدان في مختلف المذاهب والطوائف والمجموعات و المجتمعات والبلدان والقارات وتتوافق عليها الدول والأمم والمنظمات العالمية والهيئات الدولية.

فمن هو الذي يرفض أن يكون إنسانيّاً ؟ ومن هو الشخص الذي يسمع بكلمة الإنسانية ولا يعتبر أن فكره أو أيديولوجيته أو وطنه أو طريقته إنسانية؟).

أقول هناك دول رفضت أن تكون إنسانيا حقيقة وواقعا، بعدما صدعت رؤوس العالمين بأنها إنسانية ورائدة فيها،تعطي في كل مناسبة صغيرة أو كبيرة، مهمة أو تافهة، دروسا نظريا جافة عن معاني الإنسانية وطرقها وأهدافها، لكن وكما تقول العرب : “أسمع جعجعة ولا أرى طحنا”.

استضافت إسطنبول يومي 23 – 24 مايو 2016 القمة الإنسانية العالمية التي تنظمها الأمم المتحدة، واختيار تركيا لاستضافة هذه القمة لم يكن من قبيل الصدفة، إنما يشكل اعترافًا في الوقت المناسب بالدبلوماسية الإنسانية الناجحة التي تتبعها تركيا منذ سنوات.
لكن الغريب العجيب، غياب زعماء وقادة الدول الصناعية السبع الكبرى، عن القمة العالمية للعمل الإنساني، باستثناء “ميركل ألمانيا”.

قال الكاتب التركي عثمان آتالاي مبررا هذا الغياب:(عدم مشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن في القمة الإنسانية مناسب جداً، فالدول المنتجة للأسلحة القاتلة للناس لم تشارك: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين).

وفي تغريدة له قال الكاتب التركي “كرم كنيك”:(اختتمت قمة العمل الإنساني للأمم المتحدة أعمالها في إسطنبول، ونقول إن الإنسانية أكبر من خمس دول).

ادعاء الغرب الإنسانية وأن حضارته إنسانية، كذبة كبيرة وأحد أوجه النقاق التي يتقنها الغرب وإعلامه، ففي عدة أزمات دولية وحروب وصراعات عالمية و إقليمية، اتضح بما لامجال لشك فيه أن الغرب ” ليس إنساني” وإنما “براغماتي متطرف”، أقام حضارته على جماجم الشعوب ودمائهم وعرقهم، يقدم مصلحته على إنسانية البشر، يبيعهم السلاح ويبكي على موتاهم، ثم يتأسف لجوعهم وعطشهم وتشردهم، ثم يضحك ويلهو لما حققه من مداخيل ومصالح وأرباح.

هذه هي حقيقة الغرب “لاإنساني”، وملخص قصته مع الإنسانية وجدتها في رسم كاريكاتيري رسالته كالتالي: (الأول لثاني وهما في غرفة مظلمة : ما مهنتك: أنا أنشر الفيروسات وأبيع برامج القضاء عليها، فرد الثاني ضاحكا: “وأنا أنشر الإرهاب، وأبيع أسلحة للقضاء عليه”.

والحقيقة أن كلا العملين يقوم به الغرب المتحضر، فلا شك أن من حاله هذا لن يكون يستحق وصف “إنساني”.

من يشاهد بشار المجرم يحول أجساد السوريين إلى الأشلاء، ومدن الشام إلى دمار وخراب، وشعب كريم جواد متسامح إلى أكبر شعب لاجئ في خمس سنوات، وهو يستطيع التغير، كما يستطيع منع مسلسل الدم الذي بدأ منذ عام 2011 بسوريا، بالطرق المعروفة سواء كانت سلمية أو حربية، لكن تخاطب حضارة تعشق العنوان وتكره المضمون، في كل مرة تختبر إنسانيتها تفشل، وسأل هيروشيما وفيتنام والصومال وأفغانستان والعراق والبوسنة والهرسك وبورما وافريقيا الوسطى ومالي ….

الدعم الوحيد الذي يقدمه العالم المتحضر للبشرية هو السلاح، والمضحك المبكي أنهم بخلوا به عن الثورة السورية، فقد منعوا عنها كل أنواع الدعم المادي والمعنوي، واقتضت إنسانيتهم المزيفة أن يمنعوا السلاح النوعي عن الثوار بمبررات واهية مرة وتافهة أخرى، ووقحة في كثير من الأحيان، يمنعون عنهم سلاحا يدافعون به عن أعراضهم ودمائهم وأموالهم وحقوقهم و هذه الأخيرة هي أساسيات الإنسانية الحقة.

صدق الروائي والمسرحي البرتغالي “جوزيه ساراماغو” حينما قال: ( ما هذا العالم الذي يستطيع أن يرسل الات للمريخ، ولا يستطيع أن يفعل شيئا ليوقف قتل الإنسان).

وفي المقابل توجد دولة استحقت وصف الإنسانية بجدارة واستحقاق وبلا منة على أحد.
تركيا الإنسانية بحق، تركيا التي أحيت الموقف الإنساني والأخوي التاريخي بين الصحابة رضي الله عنهم، بين الأنصار سكان المدينة النبوية، والمهاجرون سكان مكة المكرمة.

فكان الأتراك الأنصار، وأهل الشام المهاجرين، لتركيا والأتراك أن يشعروا بالفخر والاعتزاز لما يقدمون من أعمال عظيمة سيسطرها التاريخ في صفحات الإنسانية الناصعة.

في تغريدة ل “يالجين أكدوغان” قيادي بحزب العدالة والتنمية عبر حسابه بتوتير، بخصوص اللاجئين السوريين قال: “إن تركيا اتخذت موقفا إنسانيا وأخلاقيا بفتح أبوابها للاجئين السوريين، مؤكدة للعالم أجمع أن الإنسانية لم تمت بعد”.

غياب الإنسانية الحقيقة لدى الدول الكبرى، أحد أسبابه أن الإنسانية الحقيقيةعندهم تتعارض مع مصالحهم الكبرى وأطماعهم الإمبريالية، والتي لا يمكنهم الاستغناء عنها أو تأجيلها أو تخفيق منها، وتحقيق مصالحهم يعتبر أم الأولويات عندهم، ولو كان على حساب أوطان باقي الشعوب ودمائهم ومستقبلهم.