احتجاجات متصاعدة بأزيلال.. مطالب اجتماعية مشروعة أم استغلال سياسي؟

شهد إقليم أزيلال خلال الأيام القليلة الماضية تصعيدا ملحوظا في وتيرة الاحتجاجات الشعبية، حيث خرج سكان عدد من الجماعات في مسيرات واعتصامات متتالية، عاكسة حالة من الاحتقان والغضب جراء ما وصفوه بالتهميش الممنهج وغياب أبسط شروط العيش الكريم. وأثارت هذه التحركات المتزامنة جدلا واسعا حول طبيعتها، بين من يراها تعبيرا طبيعيا وعفويا عن معاناة اجتماعية حقيقية، ومن يلمح إلى وجود حسابات سياسية قد تكون خلفها، خاصة مع اقتراب مواعيد انتخابية.
وانطلقت أحدث فصول هذا الحراك صباح الثلاثاء الماضي من جماعة أيت عباس، حيث خرج عشرات السكان يمثلون أحد عشر دوارا في مسيرة حاشدة نحو مقر العمالة. ورفع المحتجون في مسيرتهم، التي أكدوا أنها ليست الأولى من نوعها، شعارات تجسد مطالبهم الملحة والعادلة، وعلى رأسها إحداث ملحقة إعدادية بمنطقة أكمير للحد من الهدر المدرسي الذي يطال أبناءهم، وخصوصا الفتيات اللواتي يجبرن على قطع مسافات طويلة في ظروف صعبة للوصول إلى المؤسسات التعليمية. وطالبوا كذلك بتعيين طبيبة وتجهيز المستوصف المحلي لضمان حقهم في العلاج، إضافة إلى تنقية مجاري وادي لخضر لحمايتهم من خطر الفيضانات المتكررة.
ولم تكد أصداء مسيرة أيت عباس تهدأ، حتى دخل سكان جماعة تيفرت نايت حمزة اليوم الخميس في اعتصام مفتوح أمام مقر جماعتهم. وأعلن المعتصمون أن خطوتهم تأتي احتجاجا على التأخر غير المبرر في إنجاز مشروع تعبيد طريق أفرا ازݣزا، الذي ظل لسنوات مجرد حبر على ورق. وعبر المحتجون عن حالة اليأس وفقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة جراء الوعود المتكررة التي لم تتحقق، مطالبين بمتابعة صارمة للمشاريع ومحاسبة كل مقصر. وتأتي هذه التحركات بعد احتجاجات سابقة شهدتها جماعتا أيت امديس وتبانت.
وفي خضم هذا الجدل، حذر رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بالجديدة، من مخاطر “الاستغلال السياسوي” للمسيرات الاحتجاجية خلال السنوات الانتخابية، داعيا المواطنين إلى التحلي بـ”اليقظة والفطنة” لتجنب تحويل معاناتهم إلى ورقة انتخابية.
وفي تصريح خص به جريدة “العمق”، اعتبر لبكر أن المسيرات الاحتجاجية في حد ذاتها “ظاهرة صحية” إذا كانت سلمية وتستند إلى مطالب معقولة في إطار احترام القانون. وأشار إلى أنها وسيلة تلجأ إليها الجماعات لإيصال صوتها حينما تنسد أمامها السبل، مستشهداً بمسيرة أهالي قرى بأزيلال للمطالبة بخدمات ضرورية، والتي تفاعلت معها السلطات المحلية بإيجابية عبر فتح حوار.
وأكد الأكاديمي أن هذا الحق، الذي يكفله القانون، يعبر عن نضج ووعي بالحقوق وحتمية الدفاع عنها، كما يعكس تقبل الدولة لمثل هذه الأشكال الاحتجاجية ما دامت تحافظ على طابعها السلمي والاحترام الواجب لرموز ومؤسسات الدولة. وأضاف أن هذا “يؤسس لديموقراطية حقيقية” خاصة في ظل التفاوتات الاجتماعية والمجالية التي أقر بها العاهل المغربي في خطاب العرش الأخير، ورفضه لمغرب يسير بسرعتين.
ومع ذلك، أبدى لبكر تخوفه من “الدفع بالمواطنين إلى الاحتجاج” واستغلال معاناتهم لتحقيق مكاسب انتخابية، وهي ممارسات قد لا تسفر عن أي نتائج ملموسة بعد انقضاء فترة الانتخابات. وقال: “أنا أتحفظ على حدوث مثل هذه الاحتجاجات في السنوات الانتخابية، درءاً لكل استغلال انتخابوي تكون غايته النيل من الخصم”.
وشدد لبكر على أن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق المواطن الذي يجب أن يكون يقظاً حتى لا يصبح ضحية “دهاقنة السياسة”. كما دعا السلطات إلى تحمل مسؤوليتها في التمييز بين “الاحتجاجات الأصيلة والمغشوشة” لضمان أجواء تنافس نزيهة، وحماية المواطنين من “بائعي الأوهام”، دون المساس بحقهم في الاحتجاج متى كانت المطالب “جادة وحقيقية ومعقولة”.
من جانبه، رفض جمال بنعلا، الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بأزيلال، بشكل قاطع محاولات التشكيك في مشروعية الاحتجاجات الشعبية ووصمها بأنها “مسيّسة” بمعناها القدحي. وأكد الفاعل الحقوقي في تصريحه أن الاحتجاج على التهميش والإقصاء والتخلي عن الوعود التي قُدمت خلال الحملات الانتخابية ليس فقط حقا، بل هو واجب على كل مواطن غيور على كرامته وحقوقه.
وأضاف بنعلا في تصريح لجريدة “العمق” موضحا أن السياسة ليست حكرا على من هم في المجالس المنتخبة، ولا تنتهي عند صناديق الاقتراع، مستنكرا منطق “حلال علينا وحرام عليكم”. وأشار إلى أن المشاركة السياسية الحقيقية تشمل المتابعة والنقد والمحاسبة والمطالبة بالتغيير، فالمواطن لا يُطلب منه فقط أن يصوت كل بضع سنوات ثم يُطلب منه الصمت بعد ذلك، بل من حقه ومن واجبه أن يمارس السياسة بمختلف أشكالها ومن بينها الاحتجاج السلمي.
وتابع المصدر ذاته أن الذين يصفون الاحتجاجات بأنها “مسيّسة” وكأن السياسة تهمة، يتناسون أن العمل السياسي هو أساس الديمقراطية وأن النضال من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة والحقوق هو فعل سياسي مشروع ونبيل. وخلص إلى التأكيد على أن صوت المواطن لا يُختزل في ورقة اقتراع فقط، بل من حقه الكامل أن يُحاسب، ويُراقب، ويطالب بتنفيذ الوعود، وإذا لم تُحترم هذه الحقوق فإن الاحتجاج السلمي يبقى الوسيلة المشروعة للتعبير عن الرفض والمطالبة بالتغيير.
اترك تعليقاً